طبقات کبریٰ للشعرانی
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
ناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
اشاعت کا سال
1315 هـ
ويطوف بها، ويكون كمن حج البيت، والله أعلم إن كان هذا القول عنه صحيحا فطلبه القاضي فقال هذا الكتاب تصنيفك، فقال: نعم، فقال له: أخذته عمن؟ فقال: عن الحسن البصري، ولا يعلم الحلاج ما دسوه عليه، فقال له القاضي: كذبت يا مراق الدم ليس في كتب الحسن البصري شيء من ذلك، فلما قال القاضي يا مراق الدم مسك الوزير هذه الكلمة على القاضي قال: هذا فرع عن حكمك بكفره، وقال للقاضي: اكتب خطك بالتكفير، فامتنع القاضي فألزمه الوزير بذلك، فكتب، فقامت العامة على الوزير، فخاف الوزير على نفسه، فكلم الخليفة بذلك، فأمر بالحلاج، وضرب ألف سوط، فلم يتأوه، وقطعت يداه، ورجلاه، وصلب، ثم أحرق بالنار، ووقع الاختلاف فيه بين الناس أهوى الذي صلب، أم رفع كما وقع في عيسى عليه الصلاة والسلام.
وأفتوا بتكفير الإمام الغزالي رضي الله عنه، وأحرقوا كتابه الإحياء، ثم نصره الله تعالى عليهم، وكتبوه بماء الذهب، وكان من جملة من أنكر على الغزالي، وأفتى بتحريق كتابه القاضي عياض، وابن رشد، فلما بلغ الغزالي ذلك دعا على القاضي، فمات فجأة في الحمام يوم الدعاء عليه، وقيل إن المهدي هو الذي أمر بقتله بعد أن ادعى عليه أهل بلده، بأنه يهودي لأنه كان لا يخرج يوم السبت، لكونه كان يصنف في كتاب الشفاء يوم السبت فقتله المهدي لأجل دعوة الغزالي، وأخرجوا أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه من بلاد المغرب بجماعته، ثم كاتبوا نائب الإسكندرية بأنه سيقدم عليكم مغربي زنديق، وقد أخرجناه من بلادنا، فالحذر من الاجتماع عليه فجاء الشيخ إلى الإسكندرية، فوجد أهلها كلهم يسبونه، ثم وشوا به إلى السلطان، ولم يزل في الأذى حتى حج بالناس في سنين كان الحج فيها قد قطع من كثرة القطع في طريقه، فاعتقده الناس.
ورموا الشيخ أحمد بن الرفاعي بالزندقة، والإلحاد، وتحليل المحرمات كما سيأتي في ترجمته.
وقتلوا الإمام أبا القاسم بن قسي، وابن برجان، والخولي، والمرجاني مع كونهم أئمة يقتدي بهم، وقال الحساد عليهم، فشهدوا عليهم بالكفر، فلم يقتلوا، فعملوا عليهم الحيلة، وقالوا للسلطان إن البلاد قد خطبت لابن برجان في نحو مائة بلدة، وثلاثين، فأرسل له من قتله، وقتل جماعته.
وأما الشيخ محيي الدين بن العربي وسيدي عمر بن الفارض رضي الله عنهما، فلم يزل المنكرون ينكرون عليهما إلى وقتنا هذا، وعقدوا للشيخ عز الدين بن عبد السلام مجلسا في كلمة قالها في العقائد، وحرضوا السلطان عليه، ثم حصل له اللطف، وحسدوا شيخ الإسلام تقي الدين ابن بنت الأعز، وزوروا عليه كلاما للسلطان، فرسم بشنقه، ثم تداركه اللطف، وذلك أن الملك الظاهر بيبرس قد كان انقاد له انقيادا كليا حتى كان لا يفعل شيئا إلا بمشاورته، فمشى الحساد بينهما بالكلام، حتى زينوا للسلطان في مسألة يقول فيها الحنفية إنها صواب، وما عليه الشافعية خطأ، فعارضه الشيخ تقي الدين فانتصر بعض الحساد للسلطان، ونصروه على الشيخ، وكان لا يحكم في مصر في ذلك الزمان، إلا بقول الشافعي رضي الله عنه فقط فولى السلطان بيبرس القضاة الأربعة من تلك الوقعة، فلم يزالوا إلى عصرنا هذا.
وأنكروا على الشيخ عبد الحق بن سبعين، وأخرجوه من بلاد المغرب، وأرسلوا نجابا بدرج مكتوب إمامه يحذرون أهل مصر منه، وكتبوا فيه أنه يقول: أنا هو وهو أنا.
ومحن الأئمة كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأصرابهم مشهورة في كتب المناقب، فانظر يا أخي ما جرى لهؤلاء الأئمة من المتقدمين، والمتأخرين، وخذ لنفسك أسوة فيما تقع فيه من المحن والله أعلم.
ولنشرع الآن في مقصود الكتاب، فنقول وبالله التوفيق.
فأولهم أبو بكر الصديق
رضي الله تعالى عنه
واسمه عبد الله بن أبي قحافة عثمان ابن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، ومناقبه أكثر من أن تحصى، وكان رضي الله عنه يقول أكيس الكيس التقوى، وأحمق الحمق الفجور، وأصدق الصدق الأمانة، وكذب الكذب الخيانة، وكان رضي الله عنه إذا أكل طعاما فيه شبهة، ثم علم به استقاءه من بطنه، ويقول: اللهم لا تؤاخذني بما شربته العروق وخالط الأمعاء، وكان رضي الله عنه يقول: إن هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله، ولا يحتمله إلا أفضلكم مقدرة، وأملككم لنفسه، وكان رضي الله عنه يقول: لمن يعظه: يا أخي إن أنت حفظت وصيتي، فلا يكن غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وكان يقول: إن العبد إذا داخله
صفحہ 15