طبقات کبریٰ للشعرانی
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
ناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
اشاعت کا سال
1315 هـ
الأهوال قد استوى في حالة الشدة، والرخاء، والمنع، والعطاء، والجفاء، والوفاء أكله كجوعه، ونومه كسهره، وقد فنيت حظوظه، وبقيت حقوقه ظاهرة مع الخلق وباطنه مع الحق، وكل ذلك منقول من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان إذا جلس فقير في خلوة يدخل عليه في كل يوم يتفقد أحواله، ويقول له يرد عليه الليلة كذا، ويكشف لك عن كذا، وتنال حال كذا وسيأتيك شخص في صورة كذا، ويقول لك كذا فاحذره فإنه شيطان فيقع للفقير جميع ما أخبره به الشيخ. سكن بغداد إلى أن مات بها سنة ثلاث، وستين وخمسمائة ودفن بمدرسته على شاطئ دجلة، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله عنه.
ومنهم الشيخ أحمد بن أبي الحسين الرفاعي
رضي الله تعالى عنه
منسوب إلى بني رفاعة قبيلة من العرب، وسكن أم عبيدة بأرض البطائح إلى أن مات بها رحمه الله تعالى وكانت انتهت إليه الرياسة في علوم الطريق، وشرح أحوال القوم، وكشف مشكلات منازلاتهم، وبه عرف الأمر بتربية المريدين بالبطائح، وتخرج بصحبته جماعة كثيرة، وتتلمذ له خلائق لا يحصون ورثاه المشايخ والعلماء، وهو أحد من قهر أحواله، وملك أسراره وكان له كلام عال على لسان أهل الحقائق، وهو الذي سئل عن وصف الرجل المتمكن فقال: هو الذي لو نصب له سنان على أعلى شاهق جبل في الأرض، وهبت الرياح الثمان ما غيرته.
وكان رضي الله عنه يقول: الكشف قوة جاذبة بخاصيتها نور عين البصيرة إلى فيض الغيب فيتصل نورها به اتصال الشعاع بالزجاجة الصافية حال مقابلتها المنيع إلى فيضه ثم يتقاذف نوره منعكسا بضوئه على صفاء القلب ثم يترقى ساطعا إلى عالم العقل فيتصل به اتصالا معنويا له أثر في استفاضة نور العقل على ساحة القلب فيشرق نور العقل على إنسان عين السر فيرى ما خفي عن الأبصار موضعه، ودق عن الأفهام تصوره، واستتر عن الأغيار مرآه.
وكان رضي الله عنه يقول: الزهد أساس الأحوال المرضية، والمراتب السنية ، وهو أول قدم القاصدين إلى الله عز وجل، والمنقطعين إلى الله، والراضين عن الله، والمتوكلين على الله فمن لم يحكم أساسه في الزهد لم يصح له شيء مما بعده، وكان رضي الله عنه يقول: الفقراء أشراف الناس لأن الفقر لباس المرسلين، وجلباب الصالحين، وتاج المتقين، وغنيمة العارفين، ومنية المريدين، ورضا رب العالمين، وكرامة لأهل ولايته، وكان يقول: الأنس بالله لا يكون إلا لعبد قد كملت طهارته، وصفا ذكره، واستوحش من كل ما يشغله عن الله تعالى فعند ذلك آنسه الله تعالى به وأراده بحق حقائق الأنس فأخذه عن وجد طعم الخوف لما سواه، وكان رضي الله عنه يقول: المشاهدة حضور بمعنى قرب مقرون بعلم اليقين، وحقائق حق اليقين، وكان رضي الله عنه يقول: التوحيد، وجدان تعظيم في القلب يمنع من التعطيل، والتشبيه، وكان يقول: لسان الورع يدعو إلى ترك الآفات، ولسان التعبد يدعو إلى دوام الاجتهاد، ولسان المحبة يدعو إلى الذوبان، والهيمان ولسان المعرفة يدعو إلى الفناء والمحو ولسان التوحيد يدعو إلى الإثبات، والحضور، ومن أعرض عن الأعراض أدبا فهو الحكيم المتأدب.
وكان رضي الله عنه يقول: لو تكلم الرجل في الذات والصفات كان سكوته أفضل ومن خطا من قاف إلى قاف كان جلوسه أفضل وكان رضي الله عنه يقول: لما مررت، وأنا صغير على الشيخ العارف بالله تعالى عبد الملك الخرنوتي أوصاني قال لي يا أحمد احفظ ما أقول لك فقلت: نعم. فقال رضي الله عنه: ملتفت لا يصل، ومتسلل لا يفلح، ومن لم يعرف من نفسه النقصان فكل أوقاته نقصان فخرجت من عنده، وجعلت أكررها سنة ثم رجعت إليه فقلت له أوصني فقال: ما أقبح الجهل بالألباء، والعملة بالأطباء، والجفاء بالأحباء ثم خرجت، وجعلت أرددها سنة فانتفعت بموعظته وكان رضي الله عنه يقول: أكره للفقراء دخول الحمام وأحب لجميع أصحابي الجوع، والعري والفقر والذل، والمسكنة، وأفرح لهم إذا نزل بهم ذلك، وكان يقول: الشفقة على الإخوان مما يقرب إلى الله تعالى وكان رضي الله عنه يقول: إذا جئتم ولم تجدوا عندي ما يأكله ذو كبد فاسألوني الدعاء أدع لكم فإني حينئذ لي أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشيخ يعقوب رضي الله عنه خادمه نظر سيدي أحمد رضي الله عنه إلى النخلة فقال: يا يعقوب انظر إلى النخلة لما رفعت رأسها جعل الله تعالى ثقل حملها عليها ولو حملت مهما حملت وانظر إلى شجرة اليقطين لما وضعت نفسها ألقت خدها على الأرض جعل ثقل حملها على غيرها، ولو حملت مهما حملت لا تحس به.
وكان رضي الله عنه يقول
صفحہ 120