طبقات کبریٰ للشعرانی
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
ناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
اشاعت کا سال
1315 هـ
وقد أخبرني شيخنا الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري بمصر المحروسة: أن شخصا وقع في عبارة موهمة للتكفير، فأفتى علماء مصر بتكفيره، فلما أرادوا قتله قال السلطان جقمق: هل بقي أحد من العلماء لم يحضر فقالوا: نعم الشيخ جلال الدين المحلي شارح المنهاج، فأرسل وراءه، فحضر، فوجد الرجل في الحديد بين السلطان فقال الشيخ: ما لهذا، فقالوا: كفر فقال: ما مستند من أفتى بتكفيره، فبادر الشيخ صالح البلقيني، وقال: قد أفتى والدي شيخ الإسلام الشيخ سراج الدين في مثل ذلك بالتكفير، فقال الشيخ جلال الدين رضي الله عنه: يا ولدي أتريد أن تقتل رجلا مسلما موحدا يحب الله ورسوله بفتوى أبيك خلوا عنه الحديد، فجردوه، وأخذه الشيخ جلال الدين بيده وخرج، والسلطان ينظر فما تجرأ أحد يتبعه رضي الله تعالى عنه، وكان الشيخ محيي الدين رضي الله عنه يقول: كثيرا ما يهب على قلوب العارفين نفحات إلهية، فإن نطقوا بها جهلهم كمل العارفين وردها عليهم أصحاب الأدلة من أهل الظاهر، وغاب عن هؤلاء أن الله تعالى كما عطى أولياءه الكرامات التي هي فرع المعجزات، فلا بد أن ينطق ألسنتهم بالعبارات التي تعجز العلماء عن فهمها.
قلت: ومن شك في هذا القول: فلينظر في كتاب المشاهد للشيخ محيي الدين؛ أو كتاب الشعائر لسيدي محمد، أو في كتاب خلع النعلين لابن قسي، أو كتاب عنقاء مغرب لابن العربي، فإن أكبر العلماء لا يكاد يفهم منه معنى مقصودا لقائله أصلا، بل خاص بمن دخل مع ذلك المتكلم حضرة القدس، فإنه لسان قدسي لا يعرفه إلا الملائكة، أو من تجرد عن هيكل البشرية، أو أصحاب الكشف الصحيح.
وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رضي الله عنه يقول: بعد اجتماعه على الشيخ أبي الحسن الشاذلي وتسليمه للقوم: من أعظم الدليل على أن طائفة الصوفية قعدوا على أعظم أساس الدين ما يقع على أيديهم من الكرامات، والخوارق، ولا يقع شيء من ذلك قط لفقيه، إلا إن سلك مسلكهم كما هو مشاهد، وكان الشيخ عز الدين رضي الله عنه قبل ذلك ينكر على القوم، ويقول هل لنا طريق غير الكتاب، والسنة، فلما ذاق مذاقهم، وقطع السلسلة الحديد بكراسة الورق صار يمدحهم كل المدح، ولما اجتمع الأولياء، والعلماء في وقعة الإفرنج بالمنصورة قريبا من ثغر دمياط جلس الشيخ عز الدين، والشيخ مكين الدين الأسمر، والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وأضرا بهم، وقرئت عليهم رسالة القشيري، وصار كل واحد يتكلم إذ جاء الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه فقالوا له: نريد أن تسمعنا شيئا من معاني هذا الكلام، فقال: أنتم مشايخ الإسلام، وكبراء الزمان، وقد تكلمتم، فما بقي لكلام مثلي موضع فقالوا له: لا بل تكلم، فحمد الله، وأثنى عليه، وشرع يتكلم فصاح الشيخ عز الدين من داخل الخيمة، وخرج ينادي بأعلى صوته هلموا إلى هذا الكلام القريب المعهد من الله تعالى فاسمعوه.
قال اليافعي رضي الله عنه في كتابه روض الرياحين، والعجب كل العجب ممن ينكر كرامات الأولياء، وقد جاءت في الآيات الكريمات، والأحاديث الصحيحات، والآثار المشهورات والحكايات المستفيضات، حتى بلغت في الكثرة مبلغا يخرج عن الحصر.
ثم قال رضي الله عنه والناس في إنكار الكرامات على أقسام: منهم من ينكرها مطلقا، وهم أهل مذهب معروفون، وعن التقوى مصروفون قال بعضهم هم المجسمة، ومنهم من يصدق بكرامات من مضى، ويكذب بكرامات أهل زمانه، فهؤلاء كما قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه كبني إسرائيل صدقوا بموسى حين لم يروه، وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم حين رأوه، مع أن محمدا صلى الله عليه وسلم أعظم من موسى، وإنما ذلك حسدا منهم، وعدوانا، وشقاء منهم، ومنهم من يصدق بأن الله تعالى أولياء من أهل زمانه، ولكن لا يصدق بأحد معين فهذه محرم من الإمدادات، لأن من لم يسلم لأحد معين لا ينتفع بأحد أبدا نسأل الله العافية قال: فإن قيل إن هذه الكرامات تشبه السحر فإن سماع الإنسان الهواتف في الهواء، وسماع النداء في بطنه وطي الأرض له، وقلب الأعيان، ونحو ذلك غير معهود في الحسن أنه صحيح، إنما يظهر ذلك من أهل السيمياء والنارنجات، فالجواب ما أجاب به المشايخ العارفون، والعلماء المحققون في الفرق بين الكرامة، والسحر أن السحر يظهر على أيدي الفساق، والزنادقة، والكفار الذين هم على غير شريعة.
وأما الأولياء رضي الله عنهم، فإنما وصولا إلى ذلك بكثرة اجتهادهم، واتباعهم للسنة حتى بلغوا فيها الدرجة العليا
صفحہ 12