327

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

ایڈیشن

الثانية

اشاعت کا سال

1402 ہجری

پبلشر کا مقام

دمشق

اصناف
Hanbali
سلطنتیں
عثمانی
وَرُمَّانٍ. وَفِي النِّهَايَةِ: الْجَمَالُ يَقَعُ عَلَى الصُّوَرِ، وَالْمَعَانِي، وَمِنْهُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، أَيْ حَسَنُ الْأَفْعَالِ كَامِلُ الْأَوْصَافِ. فَكُلُّ مَا يَصْدُرُ عَنِ الْبَارِي - جَلَّ شَأْنُهُ - مِنَ الْأَمْرِ، وَالْخَلْقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ - حَسَنٌ جَمِيلٌ، حَتَّى إِثَابَةُ الْعَاصِي وَعُقُوبَةُ الْمُطِيعِ «لِأَنَّهُ» - تَعَالَى - «عَنْ فِعْلِهِ» الَّذِي يَصْدُرُ عَنْهُ «لَا يُسْأَلُ» كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] «فَإِنْ يُثِبْ» عِبَادَهُ الْمُطِيعِينَ وَخَلْقَهُ الْمُتَّقِينَ، وَالثَّوَابُ الْجَزَاءُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ التَّيِّهَانِ («أَثِيبُوا أَخَاكُمْ») أَيْ جَازُوهُ عَلَى صَنِيعِهِ، يُقَالُ أَثَابَهُ يُثِيبُهُ إِثَابَةً، وَالِاسْمُ الثَّوَابُ، وَيَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَّا أَنَّهُ فِي الْخَيْرِ أَخَصُّ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا «فَإِنَّهُ» أَيْ إِثَابَتُهُ بِالْخَيْرِ وَالْجَزَاءِ الْحَسَنِ «مِنْ فَضْلِهِ» - تَعَالَى - الزَّائِدِ وَكَرَمِهِ الْجَزِيلِ ; لِأَنَّ أَتْقَى النَّاسِ وَأَعْبَدَهُمْ، لَا تُعَادِلُ عِبَادَتُهُ وَتَقْوَاهُ نِعْمَةَ إِيجَادِهِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ فَضْلًا عَنْ سَائِرِ نِعَمِهِ - تَعَالَى - عَلَى عَبْدِهِ مِنَ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْفَضْلُ الْعَطَاءُ عَنِ اخْتِيَارٍ، لَا عَنْ إِيجَابٍ كَمَا تَزْعُمُهُ الْحُكَمَاءُ، وَلَا عَنْ وُجُوبٍ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ، «وَإِنْ يُعَذِّبْ» عِبَادَهُ وَلَوِ الْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ «فَبِمَحْضِ» أَيْ خَالِصِ «عَدْلِهِ» - تَعَالَى، وَالْمَحْضُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، فِي اللُّغَةِ: اللَّبَنُ الْخَالِصُ غَيْرُ مَشُوبٍ بِشَيْءٍ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ " «بَارَكَ لَهُمْ فِي مَحْضِهَا وَمَخْضِهَا» " أَيِ الْخَالِصِ، وَالْمَمْخُوضِ - يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ عَذَّبَهُمْ لَعَذَّبَهُمْ بِعَدْلِهِ الْخَالِصِ مِنْ شَائِبَةِ الظُّلْمِ ; لِأَنَّهُ - تَعَالَى - تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ. وَالْعَدْلُ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَى الْفَاعِلِ، عَكْسُ الظُّلْمِ الَّذِي هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ مَعَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْفَاعِلِ، فَطَاعَاتُ الْعَبْدِ وَإِنْ كَثُرَتْ لَا تَفِي بِشُكْرِ بَعْضِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا بِنِعْمَةِ الْإِقْدَارِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالتَّوْفِيقِ لَهَا، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ عِوَضًا عَلَيْهَا؟ وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا بِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾ [المائدة: ١١٨] يَعْنِي لَمْ تَتَصَرَّفْ فِي غَيْرِ مِلْكِكَ، بَلْ إِنْ عَذَّبْتَ عَذَّبْتَ مَنْ تَمْلِكُ، وَبِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: " «إِنَّ اللَّهَ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ، وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ» ". وَبِقَوْلِهِ ﷺ فِي دُعَاءِ الْهَمِّ، وَالْحُزْنِ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ» ". وَبِمَا رُوِيَ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: مَا نَاظَرْتُ بِعَقْلِي كُلِّهِ

1 / 327