299

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

ایڈیشن

الثانية

اشاعت کا سال

1402 ہجری

پبلشر کا مقام

دمشق

اصناف
Hanbali
سلطنتیں
عثمانی
- قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْجَبْرِيَّةِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْجَبْرِيَّةِ كَمَا يَأْتِي يَتَضَمَّنُ تَرْجِيحَ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُرَجَّحٍ، وَحُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا، وَقَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ حُدُوثَ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ بِلَا مُحْدِثٍ أَصْلًا، وَيَتَضَمَّنُ إِضَافَتَهُمُ الْحَوَادِثَ إِلَى مَا لَا يُعْلَمُ ثُبُوتُهُ بَلْ يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَيَتَضَمَّنُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ السَّبَبَ مُسْتَقِلًّا بِالْإِحْدَاثِ مَعَ افْتِقَارِهِ إِلَى شَرِيكٍ يُعَاوِنُهُ وَمَانِعٍ يُعَارِضُهُ. وَافْتِقَارُهُ إِلَى مُحْدِثٍ يُحْدِثُهُ فَلَا يُثْبِتُونَ لَا مُحْدِثَهُ وَلَا شَرِيكَهُ وَلَا مَانِعَهُ. بَلْ يُضِيفُونَ إِلَى السَّبَبِ الْمُحْدِثِ، الَّذِي لَهُ شُرَكَاءُ وَمَوَانِعُ، وَحُصُولُ الْأَثَرِ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى فِعْلِ اللَّهِ - تَعَالَى، فَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ مَعَ هَذَا - مَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِلرَّبِّ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا ضِدَّ لَهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ. وَلِهَذَا كَانَ إِلْحَادُ هَؤُلَاءِ ظَاهِرًا عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَّةِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِينَ فَإِنَّهُمْ مَعْدُودُونَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ.
قَالَ: وَهَذَا الْمَقَامُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَامَاتِ الَّتِي اضْطَرَبَ فِيهَا مُبْتَدِعَةُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَلَاحِدَةُ الْفَلَاسِفَةِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ يُصَنِّفُ الْكُتُبَ الْمُتَعَدِّدَةَ، فَيَنْصُرُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ فِي كِتَابٍ، كَمَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الرَّازِيِّ، وَالْآمِدِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِمْ.
[تنبيهات]
[التنبيه الأول أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ]
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلَ: أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، وَكَانَ أَوَّلًا يَجْلِسُ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، ثُمَّ سَلَكَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بَعْدَهُ مَسْلَكَهُ، لَمَّا رَأَوْا عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ يَنْتَحِلُهُ، وَقِيلَ: بَلْ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَعْبَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُوَيْمِرٍ. قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ، وَبَعْضُ عُلَمَاءِ الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي كِتَابِهِ " شَرْحِ الْإِيمَانِ ": أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَعَهُ بِالْعِرَاقِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ سِيسَوَيْهِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمَجُوسِ وَتَلَقَّاهُ عَنْهُ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ.
وَقَالَ الْعَلَامَةُ الطَّوْفِيُّ فِي شَرْحِ تَائِيَّةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ سَوْسَنُ رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمَجُوسِ، ثُمَّ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، وَأَخَذَ غَيْلَانُ عَنْ مَعْبَدٍ. وَيُقَالُ: أَوَّلُ مَا حَدَثَ - فِي الْحِجَازِ لَمَّا احْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ، فَقَالَ رَجُلٌ: احْتَرَقَتْ بِقَدَرِ اللَّهِ - تَعَالَى، فَقَالَ آخَرُ: لَمْ يَقْدِرِ اللَّهُ هَذَا.
وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَحَدٌ يُنْكِرُ الْقَدَرَ، فَلَمَّا ابْتَدَعَ هَؤُلَاءِ التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ

1 / 299