لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
1402 ہجری
پبلشر کا مقام
دمشق
اصناف
عقائد و مذاہب
كَمَا يَقُولُ الصِّبْيَانُ بِالْكُرَةِ: أَنَا اللَّهُ الْوَاحِدُ» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: يَقْبِضُ عَلَيْهِمَا فَمَا يُرَى طَرَفَاهُمَا بِيَدِهِ، وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ: مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ، وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ، وَمَا فِيهِنَّ، وَمَا بَيْنَهُنَّ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي كِتَابِ الْعَرْشِ: وَهَذِهِ الْآثَارُ مَعْرُوفَةٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى أُصْبُعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى أُصْبُعٍ، فَيَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ. قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَالَ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ٦٧]») الْآيَةَ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ -: فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُفَسِّرَةِ لَهَا الْمُسْتَفِيضَةِ الَّتِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهَا وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَظَمَةِ اللَّهِ ﷿ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعَ قَبْضَتِهِ لَهَا إِلَّا كَالشَّيْءِ الصَّغِيرِ فِي يَدِ أَحَدِنَا حَتَّى يَدْحُوَهَا كَمَا يُدْحَى بِالْكُرَةِ.
إِذَا اسْتَحْضَرْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَفَهِمْتَ مَعْنَى مَا تَلَوْنَاهُ، فَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَعُلَمَاءِ الْحَنَابِلَةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدَيْنِ إِثْبَاتُ صِفَتَيْنِ ذَاتِيَّتَيْنِ تُسَمَّيَانِ يَدَيْنِ تَزِيدَانِ عَلَى النِّعْمَةِ وَالْقُدْرَةِ، مُحْتَجِّينَ بِمَا مَرَّ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَخْبَارِ النَّبَوِيَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ لِآدَمَ ﵇ مِنَ الْمَزِيَّةِ وَالِاخْتِصَاصِ مَا لَمْ يُثْبِتْ مِثْلَهُ لِإِبْلِيسَ بِقَوْلِهِ ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥]، وَإِلَّا فَكَانَ إِبْلِيسُ يَقُولُ: وَأَنَا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ، فَلَا مَزِيَّةَ لِآدَمَ وَلَا تَشْرِيفَ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا أُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى آدَمَ لِيُوجِبَ لَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا عَلَى إِبْلِيسَ، وَمُجَرَّدُ النِّسْبَةِ فِي ذَلِكَ كَافٍ فِي التَّشْرِيفِ كَنَاقَةِ اللَّهِ، وَبَيْتِ اللَّهِ، فَهَذَا كَافٍ فِي التَّشْرِيفِ، وَإِنْ كَانَتِ النُّوقُ وَالْبُيُوتُ كُلُّهَا لِلَّهِ. فَالْجَوَابُ: التَّشْرِيفُ بِالنِّسْبَةِ إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ إِضَافَةٍ إِلَى صِفَةٍ اقْتَضَى مُجَرَّدَ التَّشْرِيفِ، فَأَمَّا النِّسْبَةُ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِذِكْرِ صِفَةٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ إِثْبَاتَ الصِّفَةِ الَّتِي لَوْلَاهَا مَا تَمَّتِ النِّسْبَةُ، فَإِنَّ قَوْلَنَا: خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ، لَمَّا نُسِبَ الْفِعْلُ إِلَى تَعَلُّقِهِ بِصِفَةِ اللَّهِ اقْتَضَى
1 / 231