لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
1402 ہجری
پبلشر کا مقام
دمشق
اصناف
عقائد و مذاہب
السَّالِمُ عَنِ الْمَعَارِضِ الْمُقَاوِمِ
(الثَّانِي): أَنْ يُقَالَ: يُمْكِنُ إِثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِنَظِيرِ مَا أَثْبَتَ بِهِ تِلْكَ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ، فَيُقَالُ: نَفْعُ الْعِبَادِ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَمَا يُوجَدُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْمَنَافِعِ لِلْمُحْتَاجِينَ، وَكَشْفِ الضُّرِّ عَنِ الْمَضْرُورِينَ، وَأَنْوَاعِ الرِّزْقِ وَالْهُدَى وَالْمَسَرَّاتِ، دَلِيلٌ عَلَى رَحْمَةِ الْخَالِقِ، كَدَلَالَةِ التَّخْصِيصِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ، وَالْقُرْآنُ يُثْبِتُ دَلَائِلَ الرُّبُوبِيَّةِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، تَارَةً يَدُلُّهُمْ بِالْآيَاتِ الْمَخْلُوقَةِ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ، وَيُثْبِتُ عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحَيَاتَهُ، وَتَارَةً يَدُلُّهُمْ بِالنِّعَمِ وَالْآلَاءِ عَلَى وُجُودِ بِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ الْمُسْتَلْزِمِ رَحْمَتَهُ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ أَقَلَّ مِنْهُ بِكَثِيرٍ، وَإِكْرَامُ الطَّائِعِينَ يَدُلُّ عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَعِقَابُ الْكُفَّارِ يَدُلُّ عَلَى بُغْضِهِمْ كَمَا قَدْ ثَبَتَ بِالشَّاهِدِ وَالْخَبَرِ مِنْ إِكْرَامِ أَوْلِيَائِهِ وَعِقَابِ أَعْدَائِهِ، وَالْغَايَاتُ الْمَوْجُودَةُ فِي مَفْعُولَاتِهِ وَمَأْمُورَاتِهِ وَهِيَ مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ مَفْعُولَاتُهُ وَمَأْمُورَاتُهُ مِنَ الْعَوَاقِبِ الْحَمِيدَةِ تَدُلُّ عَلَى حِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ كَمَا يَدُلُّ التَّخْصِيصُ عَلَى الْإِرَادَةِ وَأَوْلَى لِقُوَّةِ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ، وَلِهَذَا كَانَ مَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مِنْ بَيَانِ مَخْلُوقَاتِهِ مِنَ النِّعَمِ وَالْحِكَمِ أَعْظَمُ مِمَّا فِي الْقُرْآنِ مِنْ بَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَحْضِ الْمَشِيئَةِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - طَيَّبَ اللَّهُ مَضْجَعَهُ -: وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ تَصْدِيقِ كُلِّ مُسْلِمٍ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ بِعَيْنِهَا، فَإِنَّ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الرَّسُولَ إِذَا أَخْبَرَنَا بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ عَلَيْنَا التَّصْدِيقُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ ثُبُوتَهُ بِعُقُولِنَا، وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ حَتَّى يَعْلَمَهُ بِعَقْلِهِ فَقَدْ أَشْبَهَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤] وَمَنْ سَلَكَ هَذَا السَّبِيلَ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مُؤْمِنًا بِالرَّسُولِ، وَلَا مُتَلَقِّيًا عَنْهُ الْأَخْبَارَ بِشَأْنِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يُخْبِرَ الرَّسُولُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ؛ فَإِنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْهُ بِعَقْلِهِ لَا يُصَدَّقُ بِهِ بَلْ يَتَأَوَّلُهُ أَوْ يُفَوِّضُهُ، وَمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ إِنْ عَلِمَهُ بِعَقْلِهِ آمَنَ بِهِ، فَلَا فَرْقَ عِنْدَ مَنْ سَلَكَ هَذِهِ السَّبِيلَ
1 / 224