206

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

ایڈیشن نمبر

الثانية

اشاعت کا سال

1402 ہجری

پبلشر کا مقام

دمشق

اسْتِوَاءٌ يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ يَخْتَصُّ بِعَظَمَتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنَ اللَّوَازِمِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي يَجِبُ نَفْيُهَا كَمَا يَلْزَمُ سَائِرَ الْأَجْسَامِ، وَحَالُ هَذَا الْقَائِلِ مِثْلُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِذَا كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا أَوْ عَرَضًا، وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ إِذَا لَا يُعْقَلُ مَوْجُودٌ إِلَّا كَذَلِكَ.
قَالَ: وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، فَكَمَا أَنَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالْعِلْمِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَا يَثْبُتُ لِذَلِكَ خَصَائِصُ الْأَعْرَاضِ الَّتِي لِلْمَخْلُوقِينَ، فَكَذَلِكَ سُبْحَانَهُ هُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَلَا يَثْبُتُ لِفَوْقِيَّتِهِ خَصَائِصُ فَوْقِيَّةِ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى الْمَخْلُوقِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
فَلِدَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ أَشَارَ فِي النَّظْمِ لِنَفْيِ التَّحْدِيدِ، الْمُتَحَذْلِقِ بِهِ كُلُّ مُلْحِدٍ وَعَنِيدٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَقُولُ بِهِ وَلَا أَخْتَارُهُ مَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْآيُ وَالْأَخْبَارُ وَالْفُضَلَاءُ الْأَخْيَارُ، إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ بِلَا كَيْفٍ بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، هَذَا جُمْلَةُ مَذْهَبِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، انْتَهَى.
وَالْعَجَبُ مِنَ الْقُرْطُبِيِّ حَيْثُ يَقُولُ: وَإِنْ كُنْتُ لَا أَقُولُ بِهِ وَلَا أَخْتَارُهُ، وَلَعَلَّهُ خَشِيَ مِنْ تَحْرِيفِ الْحَسَدَةِ فَدَفَعَ وَهْمَهُمْ بِذَلِكَ، قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ، وَبِهَذَا قَالَ الْجَمَاهِيرُ الْحَنَابِلَةُ لَكِنْ قَالُوا: اسْتَوَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ لِذَاتِهِ مِمَّا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْمُحْدَثُ، وَلَا يُشَابِهُهُ وَلَا يُمَاثِلُهُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ كَمِّيَّةٍ، وَلَا صِفَةِ كَيْفِيَّةٍ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ.
قَالُوا وَإِلَى هَذِهِ الْإِشَارَةِ فِي حَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ - الْحَدِيثَ، وَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ: أَوَ كُلَّمَا جَاءَنَا رَجُلٌ أَجْدَلُ مِنْ رَجُلٍ تَرَكْنَا مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ لِجَدَلِ هَؤُلَاءِ؟ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَخْصُومٌ بِمِثْلِ مَا خُصِمَ بِهِ الْآخَرُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الرُّجُوعُ لِمَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالتَّسْلِيمُ لَهُمَا.
[تنبيهات]
[التنبيه الأول خطأ الناس من جهة التأويل والقياس]
«تَنْبِيهَاتٌ»
«الْأَوَّلُ» قَالَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ ﵁ أَكْثَرُ مَا يُخْطِئُ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ وَالْقِيَاسِ، فَالتَّأْوِيلُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - وَهُوَ كَمَا قَالَ: وَالتَّأْوِيلُ الْخَطَأُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَالْقِيَاسُ الْخَطَأُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي

1 / 206