لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
1402 ہجری
پبلشر کا مقام
دمشق
اصناف
عقائد و مذاہب
مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ.
(الثَّانِي): أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ فِيهَا مِنَ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ مَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الْفَاعِلِ بِهَا ; لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُحْكَمَ الْمُتْقَنَ يَمْتَنِعُ صُدُورُهُ عَنْ غَيْرِ عَالِمٍ. قَالَ: وَبِهَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ يَتَقَرَّرُ مَا ذَكَرَهُ - أَيِ الْأَصْفَهَانِيُّ - فِي عَقِيدَتِهِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَلَهُمْ طُرُقٌ أُخْرَى مِنْهَا أَنَّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَا هُوَ عَالِمٌ، وَالْعِلْمُ صِفَةُ كَمَالٍ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوقُ أَكْمَلَ مِنَ الْخَالِقِ، إِذْ كُلُّ كَمَالٍ فِيهِ فَهُوَ مِنْهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ عَالِمًا. قَالَ: وَهَذَا لَهُ طَرِيقَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنْ يُقَالَ: يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْخَالِقَ أَكْمَلُ مِنَ الْمَخْلُوقِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ أَكْمَلُ مِنَ الْمُمْكِنِ، وَيُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّا إِذَا فَرَضْنَا شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا عَالِمٌ، وَالْآخَرُ غَيْرُ عَالِمٍ، كَانَ الْعَالِمُ أَكْمَلَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْوَاجِبُ عَالِمًا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُمْكِنُ أَكْمَلَ مِنْهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ كُلُّ عِلْمٍ فِي الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي هِيَ الْمَخْلُوقَاتُ فَهُوَ مِنْهُ، وَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ الْكَمَالِ وَمُبْدِعُهُ عَارِيًا مِنْهُ، بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، لَا يَسْتَوِي هُوَ وَالْمَخْلُوقُ فِي قِيَاسِ شُمُولٍ، وَلَا فِي قِيَاسِ تَمْثِيلٍ، بَلْ كُلُّ مَا ثَبَتَ لِمَخْلُوقٍ مِنْ كَمَالٍ، فَالْخَالِقُ - تَعَالَى - أَحَقُّ بِهِ، وَكُلُّ نَقْصٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ مَخْلُوقٌ مَا، فَتَنْزِيهُ الْخَالِقِ عَنْهُ أَوْلَى. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلِهَذَا كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ السَّلَفِ فِي حَقِّهِ - تَعَالَى - هُوَ الْقِيَاسَ الْأَوْلَى، مِثْلَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَا ثَبَتَ لِغَيْرِهِ مِنْ كَمَالٍ مُطْلَقٍ لَا نَقْصَ فِيهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يُثْبَتَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْكَمَالِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِمَّا سِوَاهُ، فَإِذَا كَانَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ كَمَالًا لَا نَقْصَ فِيهِ، وَقَدِ اتَّصَفَ بِهِ الْمَخْلُوقُ، فَالْخَالِقُ - تَعَالَى - أَحَقُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ. وَمَا يُنَزَّهُ عَنْهُ غَيْرُهُ مِنَ الْعُيُوبِ، فَهُوَ - سُبْحَانَهُ - أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ عَنْهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: ٦٠]، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَدَلِيلُ ثُبُوتِ صِفَةِ الْعِلْمِ لِلَّهِ - تَعَالَى - سَمْعًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرٌ جِدًّا، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الأنعام: ٧٣]- ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ﴾ [النساء: ١٦٦]- ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [فصلت: ٤٧]- ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]- ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: ١٩]، وَمَا لَا يُحْصَى مِنَ الْآيَاتِ إِلَّا بِكُلْفَةٍ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: «سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، فَهُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ» . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ» . . . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ
1 / 149