لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

Muhammad ibn Ahmad al-Safarini d. 1188 AH
140

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

ایڈیشن نمبر

الثانية

اشاعت کا سال

1402 ہجری

پبلشر کا مقام

دمشق

الْمَسْمُومَةِ الَّتِي كَلَّمَتْهُ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ. وَإِذَا قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَحْتَاجُ كَحَاجَتِنَا قِيَاسًا عَلَيْنَا، فَهُوَ عَيْنُ التَّشْبِيهِ الَّذِي يَفِرُّونَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُمْ إِنَّ التَّعَاقُبَ يَدْخُلُ فِي الْحُرُوفِ، قُلْنَا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَنْطِقُ بِالْمَخَارِجِ وَالْأَدَوَاتِ، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ: إِنَّمَا يَتَعَيَّنُ التَّعَاقُبُ فِي مَنْ يَتَكَلَّمُ بِأَدَاةٍ، يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ شَيْءٍ إِلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُ بِلَا جَارِحَةٍ فَلَا يَلْزَمُ فِي كَلَامِهِ التَّعَاقُبُ، وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ ﷾ يَتَوَلَّى الْحِسَابَ بَيْنَ خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ فِي الْحَالِ هُوَ وَحْدَهُ، وَهَذَا خِلَافُ التَّعَاقُبِ. قَالَ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤]، ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ [الأعراف: ١٤٣]، وَقَالَ - تَعَالَى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ [مريم: ٥٢]، وَقَالَ - تَعَالَى: ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [النازعات: ١٦]: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ مُوسَى ﵊ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنَ اللَّهِ، لَا مِنْ شَجَرَةٍ وَلَا مِنْ حَجَرٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَفْضَلَ فِي ذَلِكَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ أَفْضَلَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مُوسَى، لِكَوْنِهِمْ سَمِعُوا مِنْ مُوسَى ﵇ وَهُوَ عَلَى زَعْمِهِمْ إِنَّمَا سَمِعَ مِنَ الشَّجَرَةِ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: لِمَ سُمِّيَ مُوسَى كَلِيمَ اللَّهِ؟ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُوسَى ﵇ إِنَّمَا سَمِعَ مِنَ اللَّهِ ﷿ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعَهُ إِلَّا صَوْتًا وَحَرْفًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنًى فِي النَّفْسِ وَفِكْرَةً وَرُؤْيَةً، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَكْلِيمًا لِمُوسَى وَلَا هُوَ شَيْءٌ يُسْمَعُ، وَالْفِكْرُ لَا يُسَمَّى مُنَادَاةً، فَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ لَا نُسَمِّيهِ صَوْتًا مَعَ كَوْنِهِ مَسْمُوعًا، قُلْنَا: هَذَا مُخَالَفَةٌ فِي اللَّفْظِ مَعَ الْمُوَافَقَةِ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ لَا يُعْنَى بِالصَّوْتِ إِلَّا مَا كَانَ مَسْمُوعًا ٠ ثُمَّ إِنَّ لَفْظَ الصَّوْتِ قَدْ صَحَّتْ بِهِ الْأَخْبَارُ ٠ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَمَنْ نَفَى الصَّوْتَ، يَلْزَمُهُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يُسْمِعْ أَحَدًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَلَا رُسُلِهِ كَلَامَهُ، بَلْ أَلْهَمَهُمْ إِيَّاهُ إِلْهَامًا. قَالَ: وَحَاصِلُ الِاحْتِجَاجِ لِلنَّفْيِ الرُّجُوعُ إِلَى الْقِيَاسِ عَلَى أَصْوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ; لِأَنَّهَا الَّتِي عُهِدَتْ ذَاتَ مَخَارِجَ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إِذِ الصَّوْتُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ مَخَارِجَ، كَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالِ أَشِعَّةٍ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَلَيُمْنَعِ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ ; لِأَنَّ صِفَةَ الْخَالِقِ لَا تُقَاسُ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ، وَحَيْثُ ثَبَتَ ذِكْرُ الصَّوْتِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ

1 / 140