لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
ناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
1402 ہجری
پبلشر کا مقام
دمشق
اصناف
عقائد و مذاہب
[التنبيه الرابع أسماؤه تعالى كلها حسنى وأفعاله كلها خير]
الرَّابِعُ
أَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حَسَنٌ، لَيْسَ فِيهَا اسْمٌ إِلَّا وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ، نَحْوَ الْخَالِقِ وَالرَّازِقِ، وَالْمُحْيِي وَالْمُمِيتِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا خَيِّرَاتٌ مَحْضَةٌ لَا شَرَّ فِيهَا ; لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الشَّرَّ لَاشْتُقَّ لَهُ مِنْهُ اسْمٌ، وَلَمْ تَكُنْ أَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى، وَهَذَا بَاطِلٌ، فَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ، فَكَمَا لَا يَدْخُلُ فِي صِفَاتِهِ وَلَا يَلْحَقُ ذَاتَهُ، فَلَا يَدْخُلُ فِي أَفْعَالِهِ، فَالشَّرُّ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ فِعْلًا وَلَا وَصْفًا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي مَفْعُولَاتِهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ، فَالشَّرُّ قَائِمٌ بِمَفْعُولِهِ الْمُبَايِنِ لَهُ، لَا بِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ. فَتَأَمَّلْ هَذَا، فَإِنَّهُ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَزَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ، وَضَلَّتْ فِيهِ أَفْهَامٌ، وَهَدَى اللَّهُ أَهْلَ الْحَقِّ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بِإِذْنِهِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، كَمَا حَرَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْبَدَائِعِ.
[التنبيه الخامس ترتيب الأسماء والدعاء بها]
الْخَامِسُ
اخْتُلِفَ فِي مَرَاتِبِ إِحْصَاءِ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - الَّتِي مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهَذَا قُطْبُ السَّعَادَةِ، وَمَدَارُ النَّجَاةِ وَالْفَلَاحِ، فَقِيلَ: أَحْصَى أَلْفَاظَهَا وَعَدَدَهَا، وَقِيلَ: فَهِمَ مَعَانِيَهَا وَمَدْلُولُهَا، وَقِيلَ: دُعَاؤُهُ بِهَا، كَمَا قَالَ - تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]، وَهَذَا عَلَى مَرْتَبَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا دُعَاءُ ثَنَاءٍ وَعِبَادَةٍ، وَالثَّانِي دُعَاءُ طَلَبٍ وَمَسْأَلَةٍ، فَلَا يُثْنَى عَلَيْهِ إِلَّا بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، وَلِذَلِكَ لَا يُسْأَلُ إِلَّا بِهَا، فَلَا يُقَالُ: يَا مَوْجُودُ، أَوْ يَا شَيْءُ، أَوْ يَا ذَاتُ، اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، بَلْ يُسْأَلُ فِي كُلِّ مَطْلُوبٍ بَاسِمٍ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِذَلِكَ الْمَطْلُوبِ، فَيَكُونُ السَّائِلُ مُتَوَسِّلًا إِلَيْهِ بِذَلِكَ الِاسْمِ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ مَنْ قَالَ: نَتَخَلَّقُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَارَةٍ سَدِيدَةٍ، وَهِيَ مُنْتَزَعَةٌ مِنْ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ: الْفَلْسَفَةُ التَّشْبِيهُ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُمْ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ، أَشَدُّهَا إِنْكَارًا عِبَارَةُ الْفَلَاسِفَةِ وَهِيَ التَّشَبُّهُ بِهِ - تَعَالَى، ثُمَّ يَلِيهَا عِبَارَةُ مَنْ قَالَ التَّخَلُّقُ بِأَسْمَائِهِ - تَعَالَى، وَأَحْسَنُ مِنْهَا عِبَارَةُ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ بُرْجَانَ وَهِيَ التَّعَبُّدُ، وَأَحْسَنُ مِنَ الْجَمِيعِ الدُّعَاءُ، وَهِيَ الْمُطَابَقَةُ لِلْأَمْرِ الْقُرْآنِيِّ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
1 / 127