116

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

ایڈیشن نمبر

الثانية

اشاعت کا سال

1402 ہجری

پبلشر کا مقام

دمشق

ظَهِيرَ لَهُ فِي صُنْعِهِ، وَلَا مُعِينَ لَهُ فِي مُلْكِهِ.
[صفاته تعالى ومن أطلق أنها قديمة ومن فصل]
(صِفَاتُهُ) ﷾ الذَّاتِيَّةُ وَالْفِعْلِيَّةُ وَالْخَبَرِيَّةُ، (كَذَاتِهِ) - عَزَّ شَأْنُهُ - (قَدِيمَةٌ)، لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهَا، وَلَا انْتِهَاءَ، إِذْ لَوْ كَانَتْ حَادِثَةً لَاحْتَاجَتْ إِلَى مُحْدِثٍ، تَعَالَتْ ذَاتُهُ الْمُقَدَّسَةُ وَصِفَاتُهُ الْمُعَظَّمَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ ذَاتِهِ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْحَقَائِقِ، وَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ - تَعَالَى.
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: لَيْسَتْ حَقِيقَتُهُ مَعْلُومَةً الْآنَ فِي الدُّنْيَا لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ - تَعَالَى - بِصِفَاتِهِ، وَهَلْ يُمْكِنُ عِلْمُ حَقِيقَتِهِ فِي الْآخِرَةِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، لِحُصُولِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَبَعْضُهُمْ: " لَا "، وَالرُّؤْيَةُ لَا تُفِيدُ الْحَقِيقَةَ كَمَا يَأْتِي، وَمَذْهَبُ السَّلَفِ مِنَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَبَيْنَ التَّمْثِيلِ، فَلَا يُمَثِّلُونَ صِفَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِصِفَاتِ خَلْقِهِ، كَمَا لَا يُمَثِّلُونَ ذَاتَهُ بِذَوَاتِ خَلْقِهِ، وَلَا يَنْفُونَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ، فَيُعَطِّلُونَ أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، وَيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَآيَاتِهِ، وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ الصَّرِيحِ، وَلَا فِي النَّقْلِ الصَّحِيحِ مَا يُوجِبُ مُخَالَفَةَ الطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّةِ أَصْلًا، فَالنَّبِيُّ الْمَعْصُومُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - مَعَ كَمَالِ عِلْمِهِ، وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى هِدَايَةِ أُمَّتِهِ، وَبَلَاغِ نُصْحِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ أَرْشَدَهُمْ إِلَى هَذَا السَّبِيلِ، وَكَذَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَالسَّلَفُ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ كَالذَّاتِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ.
[طوائف المنحرفيين وأنهم أهل تخييل وتجهيل]
وَأَمَّا الْمُنْحَرِفُونَ عَنْ طَرِيقِهِمْ، فَثَلَاثُ طَوَائِفَ: أَهْلُ التَّخْيِيلِ، وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَأَهْلُ التَّجْهِيلِ، فَأَمَّا (أَهْلُ التَّخْيِيلِ) وَهُمُ الْمُتَفَلْسِفَةُ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَمُتَصَوِّفٍ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّسُولُ ﷺ مِنْ أَمْرِ الْإِيمَانِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ لِلْحَقَائِقِ ; لِيَنْتَفِعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، لَا أَنَّهُ بَيَّنَ بِهِ الْحَقَّ، وَلَا هَدَى بِهِ الْخَلْقَ، وَلَا أَوْضَحَ الْحَقَائِقَ. وَلَيْسَ فَوْقَ هَذَا الْكُفْرِ كُفْرٌ.
(وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي الصِّفَاتِ، لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الرَّسُولُ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ الْبَاطِلَ، وَلَكِنْ قَصَدَ بِهَا مَعَانِيَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلَا دَلَّهُمْ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرُوا، فَيَعْرِفُوا الْحَقَّ بِعُقُولِهِمْ، ثُمَّ يَجْتَهِدُوا فِي صَرْفِ تِلْكَ النُّصُوصِ عَنْ مَدْلُولِهَا، وَمَقْصُودُهُ امْتِحَانُهُمْ وَتَكْلِيفُهُمْ وَإِتْعَابُ أَذْهَانِهِمْ وَعُقُولِهِمْ فِي أَنْ يَصْرِفُوهُ عَنْ مَدْلُولِهِ وَمُقْتَضَاهُ،

1 / 116