1
ولم أبل غليلي في المساء من آبار العبرانيين المظللة بالنخيل، ولم أبسط وشاحي تحت الخيام وأرقد على التراب الذي رقد عليه أيوب، ولم أحلم بعد أحلام يعقوب على حفيف الأردية الخفاقة.
لم يبق علي أن أقرأ من صفحات العالم السبع إلا صفحة واحدة: فأنا لا أعرف كيف تضطرب النجمة في السماء، ولا كيف يخفق القلب في دنوه من الآلهة! ولم أسمع صراخ الأمم صاعدا من الأرز القديم، ولم أبصر من مرتفعات لبنان أسراب النسور النبوية تتلاطم على أبراج صور، ولم ألق رأسي على الأرض التي لم تبق من تدمر إلا صدى اسمها.
لم أسمع بعد أمواج الأردن ترفع صراخها الأليم ناحبة نحيبا أسمى من نحيب إرميا، ولم أمش على آثار إلهية في ذلك الحقل الذي بكى فيه المسيح تحت أشجار الزيتون، ولم أضع جبيني في التراب الذي انطبعت عليه قدم المخلص، ولم ألطم صدري العميق في المكان الذي فتح فيه المسيح ذراعيه ليعانق العالم ثم انحنى ليباركه!»
وفي العاشر من شهر [...] 1832 وصل إلى أثينا، وبعد أن جال جولة بطيئة في جزر الأرخبيل دخل إلى سوريا عن طريق قبرص، ووصل إلى بيروت في اليوم السادس من شهر أيلول.
أما بلاد اليونان فلم ترق لامرتين في شيء. قال في إحدى رسائله: «باطل! لم أقع في بلاد اليونان على جمال إلا في بعض أكمات من جبلي تيجيت ولاكونيا، حتى إن السماء نفسها لا توازي سماء إيطاليا، فهي محجوبة بالضباب وضئيلة العمق.»
وقال في رسالة أخرى: «لقد زرنا أشهر جهات اليونان: أجينا وسلامين وأثينا وغيرها، أما أثينا التي يفرط السواح في مدحها فهي فظيعة، ولا تشوق الزائر إلى العودة إليها، ولولا ماضيها وأسماء رجالها الغابرين لما وجدنا فيها ذرة من الجمال، وهكذا قل عن جميع جزر الأرخبيل التي زرناها، فليست سوى صخور سوداء عارية.»
لامرتين في بيروت
استأجر لامرتين على أبواب المدينة دارا محاطة بالبساتين، وبعد أن استراح من عناء السفر خمسة عشر يوما، غادر زوجته وابنته جوليا في بيروت، ومضى في قافلة من الجياد تحمل حاشية من اللبنانيين والمصريين يزور بلاد الجليل واليهودية وصور وصيدا. ولدى عودته إلى داره في بيروت كتب إلى صديقه فيريو يقول: «لقد طفت مدة خمسة وأربعين يوما فزرت الجليل وفلسطين ولبنان والأردن وبحيرة طبريا والبحر الميت وصور وصيدا، ولدى وصولي إلى أورشليم رأيت الطاعون ضاربا أطنابه فيها؛ على أني لم أتقهقر بل دخلت، وعدت منها سليما معافى، وهكذا عادت معي حاشيتي الكبيرة بفضل الاحتياطات التي اتخذتها على يد إبراهيم باشا.»
2
نامعلوم صفحہ