وكانت الأميرة ده تالمون قد بعثت بنسخة من «التأملات» إلى الأسقف ده تالليران، أعظم رجال السياسة في ذلك العهد، فقرأها في ليلة واحدة وكتب إليها يقول: «أعيد إليك أيتها الأميرة، قبل أن أرقد، الكتاب الصغير الذي أعرتني إياه أمس، ويكفيك أن تعلمي أني لم أنم، وأني سهرت إلى الساعة الرابعة من الصباح أقرأ هذا الكتاب وأعيد قراءته. لست نبيا أيتها الأميرة، على أني أؤكد لك أن وراء ذلك الشعور المتدفق من هذه القصائد رجلا رجلا، وسنتحدث عنه بعد.»
وقال تيوفيل غوتيه: «إن التأملات الشعرية هي أعظم أثر شعري ظهر في هذا العصر. إنها لنفس عذب ومحي معا، لا، بل هي خفقان أجنحة تلامس الأرواح! فالشبان والفتيات والنساء هاموا بلامرتين حتى أوشكوا أن يعبدوه! وحتى أصبح اسم الشاعر منطبعا على جميع الشفاه. والباريسيون الذين يميلون إلى الشعر أصبحوا منقادين بفطرة الجمال والإحساس إلى ترديد مقاطع من «البحيرة» في مجالسهم وسهراتهم.»
كان الشعب يجهل لامرتين قبل أن أصدر «التأملات»، غير أن المجتمع الباريسي وأشراف البلاط كانوا يمهدون له الشهرة بكل ما أوتوه من النفوذ العظيم؛ لأن الشاعر كان قد انضم إلى الملكية منذ العام 1816، وتقرب إلى السيدة النبيلة مدام ده ريجكور، الصديقة القديمة للأميرة أليصابات، ومن السيدة مدام ده مونكالم، ومدام ده بروغلي، وتعرف إلى الدوق دورليان والدوق ده مونمورانسي، أعظم رجال فرنسا في ذلك العهد، والدوق ده روهان الذي بقي محافظا على صداقته إلى آخر حياته.
لقد عرفنا أن حب لامرتين لجوليا بوشو أجرى في روحه ينابيع الإحساس، فتدفق الشعر من قلبه كما تدفق من قلب بيترارك يوم أحب لور، ومن قلب دنتي يوم أحب بياتريس؛ فقصائده «البحيرة»، و«الخلود»، و«الهيكل»، و«المصلوب»، و«الرؤيا»، و«الوحدة»، و«اليأس»، و«الإيمان»، هذه القصائد كلها استوحاها الشاعر من حبه لجوليا؛ لإلفير التي كان لها اليد البيضاء في تكوين الشاعر العظيم.
زواج الشاعر
في ربيع العام 1819 تعرف لامرتين إلى الآنسة ماريان إليزا بيرك، وهي فتاة إنكليزية ميالة ميلا شديدا إلى الفنون الجميلة والشعر، فضلا عن أنها موسيقية ورسامة من الطراز الأول، وكانت قد سمعت لويس فينييت، صديق لامرتين، ينشد بعض قصائد للشاعر فأعجبت بها، وأظهرت رغبتها في التعرف إلى ناظمها. وما إن قدر لها ذلك حتى شعرت بميل إليه، ما لبث أن استحال إلى حب، وهكذا مهد الشعر طريق الزواج للشاعر .
على أن لامرتين لم يشعر في الأول بسوى ميل طفيف نحو الآنسة ماريان بيرك، التي لم تكن على قسط من الجمال، بل كانت على كثير من اللطف والثقافة، وهذه الثقافة لم يكتشفها الشاعر في زوجته العتيدة إلا في صيف العام التالي 1820، فكتب إليها يطارحها حبه ويعرض عليها الزواج، فلم ترفض ...
وكان أن علاقتها بالشاعر أثارت غيرة صديقه لويس فينييت، الذي كان مأخوذا بالآنسة بيرك، فراح يدس بين الخطيب وخطيبته رجاء أن يعكر الماء بينهما فلم يفلح؛ لأن خطيبة الشاعر كانت واثقة من جدارة خطيبها، فلم تزعزعها النميمة.
وفي السادس من شهر حزيران 1820 عقد لهما في كنيسة قصر شامبيري، مأوى آل بيرك. وفي الخامس عشر منه، سافر الشاعر وزوجته إلى إيطاليا ليتسلم وظيفته الجديدة في سفارة نابولي.
كانت زوجته غنية؛ فقد أعطتها أمها مهرا قدره عشرة آلاف ليرة إنكليزية، وكان هو غنيا أيضا؛ فقد وهبه والده قصر سان بوان وثمنه مائة ألف فرنك، على أن يعطي كلا من أختيه أربعة وعشرين ألف فرنك، ووهبه عماه وعمتاه قصرا كبيرا في ماكون، ومبلغا قدره مائة وخمسة وعشرون ألف فرنك.
نامعلوم صفحہ