وليكن لنا جميعا بين الليل والنهار ساعة، نخلو فيها بربنا جل اسمه وتعالى قدسه، نجمع بين يديه في تلك الساعة همومنا، ونطرح أشغال الدنيا من قلوبنا، فنزهد فيما سوى الله ساعة من نهار، فبذلك يعرف الإنسان حاله مع ربه، فمن كان له مع ربه حال، تحركت في تلك الساعة عزائمه. وابتهجت بالمحبة والتعظيم سرائره، وطارت إلى العلى زفراته وكوامنه. وتلك الساعة أنموذج لحاله العبد في قبره، حين خلوه عن ماله وحبه. فمن لم يخل قلبه لله ساعة من نهار، لما احتوشه من الهموم الدنيوية وذوات الآصار. فليعلم أنه ليس له ثم رابطة علوية، ولا نصيب من المحبة ولا المحبوبية، فليبك على نفسه، ولا يرضى منها إلا بنصيب من قرب ربه وأنسه.
فإذا حصلت تلك الساعة، أمكن إيقاع الصلوات الخمس على نمطها من الحضور والخشوع، والهيبة للرب العظيم في السجود والركوع فلا ينبغي لنا أن نبخل على أنفسنا في اليوم والليلة من أربع وعشرين ساعة بساعة واحدة لله الواحد القهار، نعبده فيها حق عبادته، ثم نجتهد على إيقاع الفرائض على ذلك النهج في رعايته، وذلك طريق لنا جميعا إن شاء الله تعالى إلى النفوذ، فالفقيه إذا لم ينفذ في علمه حصل له الشطر الظاهر، وفاته الشطر الباطن. لاتصاف قلبه بالجمود. وبعده في العبادة والتلاوة عن لين القلوب والجلود. كما قال تعالى: {تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} (الزمر:23) وبذلك يرتقي الفقيه عن فقهاء عصرنا. ويتميز به عنهم، فالنافذ من الفقهاء له البصيرة المنورة، والذوق الصحيح، والفراسة الصادقة، والمعرفة التامة، والشهادة على غيره بصحيح الأعمال وسقيمها. ومن لم ينفذ لم تكن له هذه الخصوصية، وأبصر بعض الأشياء وغاب عنه بعضها.
صفحہ 78