ولقد كان جيرانهم من أهل البقاع وغيرها معهم في أمر لا يضبط شره، كل ليلة تنزل عليهم منهم طائفة، ويفعلون من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد. كانوا في قطع الطرقات وإخافة سكان البيوتات على أقبح سيرة عرفت من أهل الجنايات، ويرد إليهم النصارى من أهل قبرص فيضيفونهم ويعطونهم سلاح المسلمين، ويقعون بالرجل الصالح من المسلمين. فإما أن يقتلوه أو يسلبوه. وقليل منهم من يفلت منهم بالحيلة.
فأعان الله ويسر، بحسن نية السلطان وهمته، في إقامة شرائع الإسلام، وعنايته بجهاد المارقين أن غزوا غزوة شرعية، كما أمر الله ورسوله، بعد أن كشفت أحوالهم، وأزيحت عللهم، وأزيلت شبههم، وبذل لهم من العدل والإنصاف ما لم يكونوا يطمعون به، وبين لهم أن غزوهم اقتداء بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قتال الحرورية (الحرورية: هم الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب وسموا كذلك لأن أول خروجهم كان ببلدة تسمى حروراء).
المارقين، الذين تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بقتالهم ونعت حالهم، من وجوه متعددة. أخرج منها أصحاب الصحيح عشرة أوجه: من حديث علي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري. وسهل بن حنيف، وأبي ذر الغفاري. ورافع بن عمرو، وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال فيهم: [يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد. لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لاتكلوا عن العمل. يقتلون أهل الإسلام. ويدعون أهل الأوثان. يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، شر قتلى تحت أديم السماء. خير قتلى من قتلوه].
صفحہ 55