"قال (ابن المازري) ووجدت هذا الغزالي يعول على ابن سينا في أكثر ما يشير إليه في علوم الفلسفة، حتى إنه في بعض الأحايين ينقل نص كلامه من غير تغيير، وأحيانا يغيره، وينقله إلى الشرعيات أكثر مما نقل ابن سينا، لكونه أعلم بأسرار الشرع منه، فعلى ابن سينا ومؤلف رسائل إخوان الصفا عول الغزالي في علم الفلسفة" (الكتاب المذكور ص117).
نقده للفلاسفة:
من هذا يتبين كيف غمر الغزالي نفسه في الفلسفة ولم يستطيع الخروج منها، لأنه طلبها ليعرف الحقيقة من ورائها فكانت نيته في الطلب سببا في أن أحاط به غمارها، وكان يعيش في أقطارها، فالتقى العلم الشرعي بالعقل الفلسفي، ففلسف الشريعة، أو ألبس الفلسفة لبوس الشرع من حيث يشعر أو لا يشعر.
أما ابن تيمية فقد طلبها ليهدمها، فكان يقرؤها ويفهمها، وهو في غير محيطها، ولم ينغمر في غمارها، وشدد النكير على الغزالي في منهاجه، وأخذ يتبع هفواته ويتقصى هناته.
ولقد كان يرى أن علم الشرع من النبوة وحدها، سواء في ذلك أصول العقيدة، وفروع الفقه والأحكام العلمية، لأن النبوة جاءت بكل ذلك، فما جاءت به النبوة مصدر العلم به وطريق معرفته، ولا طريق سواه، ويرى أن أولئك الذين يضعون مقدمات عقلية تسبق الدراسة الشرعية، ويجعلون ما جاء في القرآن يسير على منهاجها، فيؤولون صريحة ليوافقها، إنما يجعلون علم العقل فوق علم النبوة، ويقول في ذلك:
"يقدمون في كتبهم الكلام في النظر والدليل والعلم، وأن النظر يوجب العلم وأنه واجب، ويتكلمون في جنس النظر وجنس الدليل وجنس العلم بكلام قد اختلط فيه الحق بالباطل، ثم إذا صاروا إلى ما هو الأصل والدليل في الدين استدلوا بحدوث الأعراض على حدوث الأجسام، وهو دليل مبتدع في الشرع" (معارج الوصول ص4 من مجموعة رسائل لابن تيمية طبعة الخانجي).
صفحہ 48