133

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

الوجه السابع عشر: أنه سبحانه يخبر عن العذاب أنه عذاب يوم عقيم وعذاب يوم عظيم، وعذاب يوم أليم، ولا يخبر عن النعيم أنه نعيم يوم ولا في موضع واحد.

وقد ثبت في الصحيح: تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة والمعذبون متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم، والله سبحانه جعل العذاب على ما كان من الدنيا وأسبابها، وما أريد به الدنيا ولم يرد به وجه الله فالعذاب على ذلك.

وأما ما كان للآخرة وأريد به وجه الله فلا عذاب عليه، والدنيا قد جعل لها أجل تنتهي إليه فما انتقل منها إلى تلك الدار مما ليس لله فهو المعذب به. وأما ما أريد به وجه الله والدار الآخرة فقد أريد به مالا يفني ولا يزول، فيدوم بدوام المراد به، فإن الغاية المطلوبة إذا كانت دائمة لا تزول لم يزل ما تعلق به بخلاف الغاية المضمحلة الفانية، فما أريد به غير الله يضمحل ويزول بزوال مراده ومطلوبه وما أريد به وجه الله يبقى ببقاء المطلوب المراد فإذا اضمحلت الدنيا وانقطعت أسبابها وانتقل ما كان فيها لغير الله من الأعمال والذوات وانقلب عذابا وآلاما لم يكن له متعلق يدوم بدوامه بخلاف النعيم.

الوجه الثامن عشر: أنه ليس في حكمة أحكم الحاكمين أن يخلق خلقا يعذبهم أبد الآباد عذابا سرمدا لا نهاية له ولا انقطاع أبدا، وقد دلت الأدلة السمعية والعقلية والفطرية على أنه سبحانه حكيم وأنه أحكم الحاكمين فإذا عذب خلقه عذبهم بحكمه كما يوجب التعذيب والعقوبة في الدنيا وقدره، فإن فيه من الحكم والمصالح وتطهير العبد ومداواته وإخراج المواد الرديئة بتلك الآلام ما تشهده العقول الصحيحة وفي ذلك من تزكية النفوس وصلاحها وزجرها وردع نظائرها وتوقيفها على فقرها وضرورتها إلى ربها وغير ذلك من الحكم والغايات الحميدة مالا يعلمه إلا الله.

صفحہ 136