قلت له: فلان وفلانة وفلانة.
وسكت قليلا.
وظننت أنه سيقول لي: كذابون. وينتهي الكلام ويخرج إلى عمله.
لكنني سمعته يقول وهو ينظر بعيدا عني: لقد صدقوا، إنني أحبها، وإنني أقابلها كل يوم، وأذهب إلى بيتها. ماذا تريدين؟
وفتحت فمي لأرد، لكن الكلمات تجمدت على شفتي وأحسست أن قلبي لم يعد يدق، وأن الحياة داخلي تجمدت، وانتهيت ... وأفقت بعد قليل ورأيت حولي عيونا كثيرة صغيرة تنظر إلي وتقول لي: ماما.
ولم أحتضنها ولم أقبلها، رأيتها عيونا غريبة عني، تشبه عيني الرجل الذي كان جالسا أمامي منذ لحظات، وأحسست أن أعماقي الميتة لم يعد فيها أثر لأمومتي. وما هي أمومتي؟ أليست هي امتدادا لحبي؟ أليست هي حبي لنتاج حبي؟
ومشيت بلا وعي. إلى أين أذهب؟ إلى أبي، إلى أمي، وماذا أقول لهما؟ زوجي يخونني! يا للعار الذي ينصب على رأسي قبل رأسه! يا للكرامة التي ستهدر التي هي كرامتي! لا، لن أذهب إليهما، لن يعرف أحد من الإنس أو الجن أن زوجي يخونني، بعض الناس يرونه مع امرأة ويشكون، ولكن الشك غير اليقين؛ إن كل الناس يشكون في كل الناس، هذا شيء طبيعي عام كالهواء والماء، ولكن اليقين! لا لن أبوح لهم بالسر الخطير. ومشيت، ومشيت، وأحسست أن قدمي تؤلمني. آه! ليتني اشتريت الحذاء بدلا من المنامة. إلى أين أذهب، إلى أين أذهب؟
ولا أدري كيف قفزت صورته في رأسي، رجل متوسط الطول له عينان زرقاوان ضيقتان، حينما رأيته مع زوجي لأول مرة كرهته بلا سبب، لعل حركات رقبته الكثيرة وهو يشد ربطة عنقه أثارت اشمئزازي، أو لعل صوته الرفيع الحاد الذي يشبه صوت النساء جعلني أنفر منه، لكن زوجي كان يحبه ويهتم به، فكان لا بد لي ألا أظهر نفوري منه، ورأيت هذا الرجل كثيرا مع زوجي. وفي مرة جاء ولم يكن زوجي بالبيت، وظننت أنه سيمضي، لكنه جلس وطلب فنجانا من القهوة، وأخذ يكلمني وينظر إلي؛ إلى ذراعي، وإلى صدري، وإلى ساقي حينما أمشي، وأحسست أن نظراته الغريبة تكاد تخلع ملابسي كلها من فوق جسدي. وكان جريئا وقحا، وسمعته يقول لي بصوت كئيب فيه شهوة فجة ماعت لها معدتي وأمعائي وأحسست برغبة في القيء: إن زوجك محظوظ. هذا الرجل، إني أحسده.
لا أدري كيف تذكرت هذا الرجل، مع أن هذه الحادثة وقعت من سنتين ولم تتكرر بعد ذلك، حتى إنني نسيتها. هل لأنه الرجل الوحيد الذي غازلني بعد أن تزوجت؟ هل لأنني أصبحت في حاجة إلى أن أستعيد كلماته لي: «إن زوجك محظوظ. هذا الرجل، إني أحسده.» وأحسست أن ثقتي بأنوثتي بدأت تهتز، وأغمضت عيني. آه! لا أريد أن أحس ذلك، لا أريد أن أرى أنوثتي وهي تحتضر أمامي. لا، لن أدعها تحتضر، سأنقذها من الموت!
وفتحت عيني في الطريق ومشيت أجري إليه، وكنت أعرف بيته، فقد كان زوجي يمر عليه كثيرا، ورأيت ملامحه تتقلص في دهشة كبيرة حينما فتح الباب ورآني، وظن أول الأمر أن حادثا وقع لزوجي، لكني جلست وجففت عرقي، وظللت ساهمة بعض الوقت، وقد تجسم نفوري منه حين رأيته بملابسه الداخلية فقط، وذراعاه وساقاه رفيعتان معوجتان ويغطيهما شعر كثيف أسود لا يبدو نظيفا، كأنه لم يستحم منذ شهور.
نامعلوم صفحہ