لحن الحرية والصمت
لحن الحرية والصمت: الشعر الألماني في القرن العشرين
اصناف
الطريدة فوق النجوم المتهرئة،
المنفية بلا ذاكرة،
بلا جواز سفر بلا حذاء، (كأنها) قد حطت فوق صياديها المريرين،
المتعبين حتى الموت،
جميل هو المساء.
نرى الشاعر في هذه «القصيدة» يلتزم الصمت التام، فلا يتحدث عن الموضوع صراحة - اللهم إلا في العنوان! - ومع هذا فكل شيء فيها يشير إليه، وكأنما يشير إلى سر أو معجزة أو خرافة أو أمر خارق بعيد عن التصديق، ويستمر التوتر في التصاعد والحدة، حتى نصل إلى العبارة الأخيرة التي تفاجئنا ببساطتها: جميل هو المساء، فنشعر بالراحة ونلتقط الأنفاس بعد رحلة طويلة، طفنا فيها بين البيوت والأشجار واللصوص والحمامة البيضاء المنفية خلف الجبال وفوق النجوم، الحمامة التي تحط فجأة فوق صياديها المتعبين المريرين ... إنها أشبه بحكاية ساحرة من حكايات «الحواديث»، تروى عن الذين خرجوا من بيوتهم وديارهم ليكتشفوا الحب ويعرفوه، فإذا به يهبط عليهم فجأة، بعد أن أشرفوا على الموت، والحمامة مطرودة ومنفية، بلا ذاكرة ولا جواز سفر ولا حذاء، وكأن الشاعر يستحي أن يصرح باسمها، بل يترك لنا مهمة اكتشافه، ويضع للقصيدة عنوانا يصلح لإحدى الاغنيات المبتذلة - ولكنها في النهاية حكاية خرافية عجيبة، تنذر كل من يحاول السير على أرضها بكسر رقبته!
40
هذا الشعر يسير إذن في طريق التجريد من الموضوع أو المضمون إلى أبعد مدى ممكن، ويتعمد البعد عن ذات الشاعر بعده عن الموضوع، ويصطنع في سبيل ذلك مختلف الحيل والأساليب، كالتخفي وراء الأقنعة أو تعرية كل الأقنعة، والتشتت المقصود وتجميع الصور المتنافرة والعناصر المتباينة والمواقف والأعمال اليومية المبتذلة، وتضمين الاصطلاحات العلمية المتخصصة أو الأمثلة الشعبية الجارية، أو العبارات المكتوبة على اللافتات والإعلانات وأعمدة الصحف، وعرض القيم المقدسة والمشاعر المحترمة في صورة تافهة أو شائهة، وتفتيت النظام العقلي والواقعي المألوف، وكأنه لوح من الزجاج يكسره الشاعر ليفحصه من جديد.
وينعكس هذا التفتيت والتشويه واللعب على البنية اللغوية، فتختزل الجملة وتحطم العبارة ويعتدى على القواعد المحفوظة، ويغير ترتيب الطباعة وشكلها، ويبلغ هذا مداه في قصيدة «حب»، يقول فيها الشاعر السويسري أويجن جومر ينجر
Eugen Gomringer
نامعلوم صفحہ