اللآلئ السنية في التهاني السلطانية

سليم قبعين d. 1370 AH
52

اللآلئ السنية في التهاني السلطانية

اللآلئ السنية في التهاني السلطانية

اصناف

لهمو بطول بقائك النعماء (5) في مدرسة الحقوق السلطانية

وتفضل عظمته فزار مدرسة الحقوق السلطانية صباح الخميس 19 فبراير، فسار بموكبه السلطاني محفوفا بالجلال والوقار، فاستقبل فيها بما يليق بعظمته من الإجلال والإعظام، ثم زار الفصول جميعها وسمع التدريس فيها فسر سرورا عظيما، وقد كان في كل عظمته في كل فصل ينثر على الطلبة درر الحكم وغرر الكلم، ومما قاله للطلبة من النصائح الغالية ما يأتي:

إني أهنئكم بما تتلقونه من الدروس العالية في هذه المدرسة، وأسأل الله أن يهديكم إلى الرشاد، فأنتم خريجو مدرسة الحقوق السلطانية، ويجب أن يعلم كل منكم متى أحرزتم شهادة الحقوق أنه لا يحسن لحامل هذه الشهادة أن يقصر كل آماله على التوظف في الحكومة، فالحكومة لا تتقاعد عن توظيف من يمكن توظيفه منكم، وإذا أتاح لها الله أن تدخل في خدمتها عددا ولبيرا من الذين يتخرجون في هذه المدرسة بادرت إلى ذلك بطيبة خاطر ككن المتخرجين كثيرون، ويجدر بالذين ينالون هذه الشهادة أن لا يكون اعتمادهم على التوظف وحده، فشهادة الحقوق هي شهادة عالية يفتخر بها وتدل على منزلة حاملها العالية في الهيئة الاجتماعية سواء جلس على كرسي القضاء أو كرسي النيابة أو اشتغل بالمحاماة أو خرج عن ذلك واشتغل بالزراعة أو التجارة أو غيرهما من شؤون العمران.

ولو ذهبتم إلى أوروبا لوجدتم بين حاملي شهادة الحقوق التاجر والمزارع والفلاح وصاحب الأشغال الأخرى، وجميعهم يشتغلون بأعمالهم المختلفة التي يتعاونون بها على خدمة بلادهم. ولكن ذلك لا يمنعهم من الافتخار بشهاداتهم الحقوقية، فيكتبون جميعهم على محالهم أسماءهم مقرونة بالألقاب التي أحرزوها من مدرسة الحقوق التي أخرجتهم وهي: «لسانسيه في علم الحقوق» أو (دكتور في علم الحقوق)، فعسى أن تسيروا على أثرهم في ذلك وتخدموا الأمة بالأعمال المختلفة النافعة لها فتكون العلوم التي تعلمتموها خير نبراس لكم تهتدون به إلى السبيل السوي. سيروا في طريق النور الذي استنارت به أذهانكم، وتفرغوا لدروسكم، وإياكم والتطرف أو الاشتغال بما لا ينفعكم ولا يعنيكم فأنتم لا تزالون شبانا يعوزكم الاختبار، وهذا الوطن هو وطني ووطنكم وقد وقفت حياتي على خدمتكم وأنا أقدر منكم على إسعاده، فدعوني أعمل لخيره واتكلوا علي وعلى أولياء الأمر في أموره المعضلة، وتعاونوا أنتم بعلمكم واجتهادكم على ترقيته بنشر العلم والتربية الصحيحة بين طبقات الأمة، إني لا أكلمكم بذلك كحاكم بل أكلمكم كأب بار بأبنائه. إنكم ستخرجون بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من هذه المدرسة حائزين لشهادتها، فأرجو لكم النجاح والتوفيق في أعمالكم، وأنصح لكم أن تتذرعوا بالصبر على نيل أمانيكم حتى تصلوا تدريجا إلى تحقيق رغباتكم إذ الطفرة محال، فأنا سلطان مصر وابن ساكن الجنان الخديوي إسماعيل، هل تظنون أنني وصلت إلى ما أنا فيه طفرة؟ كلا ثم كلا، إنني تقلبت في وظائف كثيرة صغيرة وكبيرة ومرت علي أيام كنت فيها مفتشا في الأقاليم فذقت الأمرين، وكنت أسير مع الفلاح قدما وأقطع المسافات الشاسعة على ترعة الخطاطبة قبل إنشاء سكة الحديد، وأقسم لكم إنني كنت أقضي حينئذ أياما بدون أن أذوق الخبز الطري ولم يكن لي طعام إلا البقسماط اليابس، فالصبر يا أولادي مفتاح الفرج، فاستعينوا به على تذليل المصاعب التي تعترضكم، وبرهنوا بالعمل الطيب على حبكم وإخلاصكم، وإني أشكركم وأتمنى لكم مستقبلا سعيدا.

فأثرت أقواله الدرية ونصائحه الأبوية أعظم تأثير في الحاضرين. (6) في مدرسة الزراعة

أنشئت مدرسة الزراعة الحالية عام 1889 في عهد المغفور له توفيق باشا، وقد تجدد بناء المدرسة الحالية في عام 1902 وكان الإقبال عليها في أول عهدها ضعيفا، ولكنه لم يلبث أن أصبح وطلبات الدخول فوق ما تستطيع المدرسة قبوله، فقد بلغ عدد طالبي الدخول في عام 1914: 99 طالبا كلهم من حملة الشهادة الثانوية، وكان التعليم منذ افتتاح هذه المدرسة إلى عام 1910 باللغة الإنجليزية ثم جعل باللغة العربية بعد ذلك، وكانت واسطة الالتحاق بها قبل عام 1911 هي الشهادة الابتدائية، فاستبدلت بالشهادة الثانوية منذ تلك السنة، وبذلك رفعت درجتها فأدرجت في سلك المدارس العليا. ويبلغ عدد الطلاب الذين يتلقون العلم بالمدرسة الآن 153. وقد بلغ عدد خريجي المدرسة الحاصلين على دبلومها منذ افتتاحها 269 يشغل كثير منهم وظائف ذات مسؤولية في وزارات الزراعة والداخلية والأوقاف، وفي مصلحة الأراضي الأميرية والجمعية الزراعية وغيرها. وعدد أساتذتها 30، وقد قامت المدرسة بخدمات جليلة للبلاد في ترقية الزراعة وتربية الطيور الداجنة وغير ذلك، وفي شهر يناير سنة 1914 ألحقت بوزارة الزراعة.

وقد تفضل عظمة مولانا السلطان فزار هذه المدرسة صباح الثلاثاء الموافق 10 ربيع الثاني/24 فبراير، فسار إليها محفوفا بموكبه السلطاني المهيب وعن يساره في مركبته صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وزير الزراعة وخلفه في مركبة أخرى صاحب السعادة محمود شكري باشا رئيس الديوان السلطاني وسعيد ذو الفقار باشا كبير أمنائه، فاستقبله في بابها جناب المستر هينز وكيل وزارة الزراعة وصاحب السعادة محمود نصرت بك مدير الجيزة وسالم محمد بك وكيل مديريتها وجناب المستر شيرر ناظر المدرسة وحضرة عبد الحميد بك فتحي وكيلها، وحيت عظمته ثلة من رجال البوليس التحية الواجبة، وبعد أن صافح عظمته جمهور المستقبلين دخل إلى المدرسة فزار فرقة السنة الرابعة متعهدا حالة الطلبة والتدريس ومستمعا الدرس الزراعي الذي يلقى عليهم، فسر بذلك سرورا عظيما والتفت إلى الطلبة فقال:

أبنائي، أنتم تتمون دراستكم في هذا العام فإذا لم تسمح ميزانية وزارة الزراعة لاستخدامكم جميعا فأنا أتكفل باستخدام الباقين منكم في الدائرة الخاصة السلطانية والأوقاف الخصوصية السلطانية.

فضج الطلبة بالدعاء لعظمته وشكروا له عطفه عليهم شكرا جزيلا.

وبعد ذلك تفضل عظمته فزار فريقا من الطلبة وهم يتلقون الدروس البيطرية، وكان يسأل كثيرين منهم عن أسمائهم وأسماء آبائهم وبلدانهم ويشجعهم على مواصلة الدروس والاجتهاد والسهر ليكونوا رجالا نافعين لأنفسهم ولوطنهم.

نامعلوم صفحہ