قصة معاذ بن جبل وزيد بن ثابت مع العلم
لقد كان معاذ بن جبل ﵁ وأرضاه شابًا صغيرًا، ومات في سنة (١٨هـ)، وكان عمره (٣٥) سنة، أو (٣٦) سنة، أو (٣٨) سنة في أكثر الروايات تقديرًا لعمره، وكان الرسول ﵊ يقول عن معاذ بن جبل: (أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل) فالقيمة العلم عند الصحابة ﵃ وأرضاهم رفعوا قدر معاذ وعظموا أمره، فكانوا لا يرفعون أعينهم في وجهه حياء وإكبارًا له ﵁ وأرضاه.
ودخل أبو مسلم الخولاني مسجد دمشق فوجد شابًا صغيرًا جالسًا، وحوله شيوخ وهؤلاء الشيوخ الكثير منهم من الصحابة، وكانوا جالسين حول شاب صغير لا يتحركون إلا بأمره ولا يصدرون إلا عن رأيه، وإذا حزبهم أمر لجئوا إليه، فأستغرب أبو مسلم الخولاني وقال: ما هذا؟! ما الذي يحصل؟! من هذا الشاب الصغير الذي التف حوله الكهول من الصحابة؟! فقال: من هذا؟ فقالوا: هذا معاذ بن جبل ﵁.
نظرتم يا إخواني إلى قيمة العلم، هو لم يولد عالمًا، إنما مشى في طريق العلم، هناك جهد بذله، وكان مقدرًا لقيمة العلم فقد جعل كل حياته موجهة لتحصيله، فرفع ﵁ بهذا الأمر يقول عمر بن الخطاب رضي لله عنه وأرضاه: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن الله ﷿ يرفع بهذا الكتاب -أي: القرآن- أقوامًا ويضع به آخرين) يعني: من عرف القرآن يرفع، ومن لا يعرف عنه أي شيء يوضع.
وهذا زيد بن ثابت ﵁ وأرضاه كان شابًا صغيرًا من الأنصار، وكان الصحابة ﵃ وأرضاهم يجلونه تمام الإجلال ﵁، لدرجة أن عبد الله بن عباس وهو حبر الأمة ومن أعظم علماء المسلمين كان إذا ركب زيد بن ثابت دابته أمسك بلجامها ويمشي بها، وزيد بن ثابت كان يرفض ويقول: دع عنك يا ابن عم رسول الله، فيقول عبد الله بن عباس: أمرنا أن نفعل ذلك بعلمائنا، فيقول له زيد بن ثابت: أرني يدك، فيعطيه يده فيقبلها.
يعني: زيد بن ثابت العالم يقبل يد عبد الله بن عباس ويقول: وكذلك أمرنا أن نفعل بآل بيت رسولنا ﷺ.
انظروا إلى العلاقة الطيبة الجميلة بين علماء الأمة، هذا حبر الأمة عبد الله بن عباس، وهذا من أعظم علماء الأمة زيد بن ثابت ﵁ وأرضاه.
ولما دفن زيد بن ثابت قال عبد الله بن عباس: دفن هكذا دفن اليوم علم كثير.
أي: علم زيد بن ثابت ﵁ وأرضاه.
5 / 5