ونحن حين نفرغ الآن من إيجاز ما جاء في خطط المقريزي وغيرها من كتب التاريخ عن وصف كنوز المستنصر، لا يسعنا إلا أن نلاحظ ما في حديث المقريزي من دقة وإطناب يدلان على أنه استعان - كما استعان الذين نقل عنهم - بأقوال خبراء ماهرين في الصناعة لهم كفاية في هذا الميدان ولهم اتصال بما يصفونه، ولا غرو فإن هذا الوصف يذكرنا بالبيانات الشاملة
inventaires
التي كانت تكتب بعد عصر النهضة في أوروبا عن المجموعات التي كان يمتلكها الأمراء والنبلاء والأثرياء من تحف وعجائب.
ولكن وصف المقريزي قد تظهر فيه مبالغة لا ندهش لها من مؤرخ عربي في عصره؛ بيد أن هذا الوصف في مجموعه صحيح إلى حد كبير، ونحن إن حسبنا حساب ما فيه من المغالاة والمبالغة، بقي لنا شيء كثير، يكفي لأن يكشف لنا عن ثروة البلاد في هذا العصر، وعن ازدهار الصناعات والفنون فيه، ويثبت لنا صحة ذلك كله القليل الذي وصل إلينا من التحف الفاطمية وما نعرفه عن الفنون الفرعية في عصر الفواطم، كما سنرى في القسم الثاني من هذا البحث.
وفضلا عن ذلك فإن هناك نصوصا تاريخية أخرى تدل على شغف الخلفاء الفاطميين بجمع التحف والآثار، والمعروف أن الخليفة الظاهر كان شديد الاتصال بأبي سعد التستري
1
تاجر التحف الثمينة والآثار، وأن هذا أهدى إليه أمة له، أنجب منها الخليفة الظاهر ابنه المستنصر بالله،
2
وبعد وفاة الظاهر كان التستري من أخص المقربين للمستنصر ولوالدته وانتهز هذه الفرصة فألحق بمناصب الدولة كثيرين من أبناء دينه؛ بل واضطهد المسلمين حتى قال أحد شعرائهم:
يهود هذا الزمان قد بلغوا
نامعلوم صفحہ