وليس غريبا أن يجتمع للفاطميين مثل هذه المكتبة العظيمة، فقد كانوا يعتمدون على الدعاوة والمخطوطات في نشر مذهبهم، وإذا صح ما ذكره ابن الأثير فإن عميدهم عبيد الله المهدي كانت عنده كتب ملاحم لآبائه، وكان يحملها في متاعه عند مسيره إلى سجلماسه، وحدث أن لحق به لصوص عند موضع يقال له: الطاحونة وسرقوا منه الكتب المذكورة، فحزن لضياعها أكثر من حزنه لفقد سائر ما أخذوه من حاجياته؛ ولكن الظاهر أن أبا القاسم بن المهدي استطاع أن يستعيد هذه الكتب وهو في طريقه لغزو الديار المصرية سنة (300ه/912م).
15
ولسنا نظن أن الفاطميين وجدوا في مصر عند قدومهم من شمالي أفريقيا كتبا كثيرة كانت نواة لمكتبتهم العظيمة؛ ولكنا نرجح أن رغبتهم الأكيدة في منافسة الدولة العباسية، وعملهم على تشجيع العلم والعلماء، وسياستهم في تقريب الأدباء والشعراء، واتخاذهم إياهم صحفا حية تلهج بذكرهم،
16
ثم روح التسامح التي كانت تسود البلاد في أكثر أيام حكمهم، كان كل ذلك من شأنه أن يشجع الدرس والتحصيل والبحث والتأليف، ونسخ الكتب ومعارضتها، ونقدها، والتعليق عليها، وكتابة الذيول لها، كما كان من شأنه أيضا أن يسوقهم إلى اقتناء المخطوطات، إن لم يكن لولع خاص؛ فلأنه كان من واجبات الخلفاء وشارات الفضل والعلم،
17
فضلا عن أن المكتبات كانت قد انتشرت في العالم الإسلامي وأدرك المسلمون فائدتها.
18
ولم يكن وزراء الفاطميين أقل حماسا في هذا الميدان من أولياء الأمر في البلاد؛ ولا سيما أن المتأمل في تاريخ الدولة الفاطمية يرى أن خلفاءها كانوا يتقربون إلى الشعب بتكريم فقهائه وعلمائه، فهذا يعقوب بن كلس اليهودي الذي أسلم في خدمة كافور، واتصل بالمعز، ووزر للعزيز كان - كما كتب ابن خلكان - «يحب أهل العلم ويجمع عنده العلماء، ورتب لنفسه مجلسا في كل ليلة جمعة يقرأ فيه مصنفاته على الناس، وتحضره القضاة والفقهاء والقراء والنحاة، وجميع أرباب الفضائل وأعيان العدول وغيرهم من وجوه الدولة وأصحاب الحديث، فإذا فرغ من مجلسه قام الشعراء ينشدونه المدائح، وكان في بيته قوم يكتبون القرآن الكريم، وآخرون يكتبون كتب الحديث والفقه والأدب حتى الطب ويعارضون ويشكلون المصاحف وينقطونها.»
19
نامعلوم صفحہ