175

کنوز فاطمیہ

الكنوز الفاطمية

اصناف

وحسبنا أن نختم حديثنا عن الحجاب المذكور بالتنبيه إلى الشبه بين الزخارف النباتية في أرضية هذه الحشوات، وبين بعض أنواع الزخارف الموجودة في منارتي جامع الحاكم وذات الصلة الوثيقة بالأساليب الزخرفية البيزنطية، كما أننا نلاحظ أيضا أن الرسوم الآدمية في تلك الحشوات عليها مسحة من الدقة تدل على صدق تصوير الطبيعة وعدم الخلود إلى الرسوم الخيالية المهذبة، وأن الموضوعات الزخرفية فيها تشبه ما نراه على حشوات كثيرة أخرى من العصر الفاطمي، أغلبها محفوظ في دار الآثار العربية. وأكبر الظن أن كثيرا من هذه الموضوعات الزخرفية يرجع إلى أصول كانت معروفة في الشرق الأدنى منذ الأزمان القديمة، وهضمت بيزنطة جل هذه الأصول ثم أحيتها في بلاد البحر الأبيض المتوسط.

وربما كانت حشوات هذا الحجاب أصدق مثال لتأثير الأساليب البيزنطية في الفنون الفاطمية، ولا سيما على يد الصناع من القبط؛ ولكن علينا أن نذكر في الوقت نفسه أن الأساليب الفنية الفاطمية كان لها في مواضع أخرى تأثيرات كبيرة في الفنون البيزنطية، كما يظهر من وجود تقليد الكتابة الكوفية على أحجار بيزنطية من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي). على أننا لا نعني أن تأثير الفنون البيزنطية حدث حتما في العصر الإسلامي؛ إذ إننا نعرف أنه كان ملموسا في مصر قبل الفتح العربي، فضلا عن ذلك كله فإن جل العناصر الزخرفية في حجاب الست بربارة لم يكن وقفا على مصر في العصور الوسطى؛ إذ إن الأشكال الآدمية تذكر بمثيلاتها في التحف العاجية التي كانت تصنع في الأندلس؛

349

بينما نرى في الفن البيزنطي رسوم الحيوانات والطيور التي نعرف أنها تقل كثيرا منها عن الفن الساساني.

ونحن إذا عرجنا الآن على الفترة الوسطى من عصر الفاطميين في مصر - وتشمل حكم الخليفين الظاهر والمستنصر - رأينا ما يعظم به إعجابنا من نماذج لصناعة النقش من الخشب، نلاحظ فيها تطور هذا الفن إلى أقصى ما بلغه في عهد الفواطم، ونرى الأساليب الزخرفية الطولونية تقل شيئا فشيئا، وعلى كل حال فإن هذه الفترة ممثلة خير تمثيل في مجموعة دار الآثار العربية، وهي كما نعلم أغنى المجموعات الخشبية في متاحف العالم أجمع.

ففي متحفنا جزء من مصراع باب (رقم السجل 4128) لم يبق منه إلا ثلاث حشوات،

350

وهو من مجموعة التحف الخشبية التي جيء بها من مارستان قلاون، والتي يرجح أنها كانت مستعملة بالقصر الغربي في العصر الفاطمي وهو القصر الذي قام في مكانه مارستان قلاون وضريحه.

351

وعلى كل حال فإن أرضية هذه الحشوات مكونة من زخارف نباتية دقيقة، قوامها سيقان وأوراق ذات ثلاثة فصوص، أما الزخرفة الأساسية فأكبر حجما، وتتكون من سيقان وأوراق ذات فصين، وتلتف الأوراق في تماثل وتعادل، وفي وسطها غزالان متواجهان (في إحدى الحشوات) أو حمامتان متواجهتان (في الحشوتين الوسطى والسفلى)، وفي جانبيهما طائران كأنهما جزء من الزخارف النباتية التي تبرز في كل حشوة.

نامعلوم صفحہ