لا غرابة إذن إن كان الخزفيون الفاطميون تأثروا بمنتجات زملائهم في الشرق الأقصى، وإن كانت مدرسة سعد أنتجت نوعا من الخزف الصيني ذي الزخارف المحفورة تحت الدهان كانت تقلد بها خزف سونج
Song
الصيني. وفي دار الآثار العربية كمية كبيرة من الخزف الذي كان الصناع المصريون المختلفون - ولا سيما سعد وتلاميذه - يقلدون به خزف سونج؛ ولكن الخزف الذي أنتجه هؤلاء الصناع المصريون كان مزينا بالبريق المعدني الذي لم يكن معروفا في الشرق الأقصى.
ولعل هذا يثبت أن المصريين لم يقلدوا تقليدا أعمى؛ وإنما كانوا يعملون على اقتباس أشكال بعض الأواني الصينية، وبعض زخارفها، وعلى إنتاج آنية تضارع الخزف الصيني في جودته وبهائه؛ ولكن الظاهر أن تقليد الخزف الصيني تقليدا جيدا لم تتسع دائرته في مصر إلا في عصر المماليك.
تحدثنا حتى الآن عن الخزف ذي البريق المعدني، وهو أبرز أنواع الخزف في العصر الفاطمي. وطبيعي أن أنواعا أخرى قامت إلى جانبه، وكانت صناعتها امتدادا للتقاليد الموروثة عند الفخاريين على ضفاف النيل.
فالفخار غير المدهون كانت تصنع منه أبسط الأواني اللازمة لطبقات الشعب؛ ولا سيما القلل التي كانت من الفخار غير المطلي؛ إلا في النادر جدا؛ لأن المقصود منها تبريد الماء ولا بد من المسام للوصول إلى هذا الغرض؛ ومن ثم فإن الذي وصل إلينا منها يكاد يكون خاليا من أي دهان زجاجي، على أن شبابيك القلل كانت تزينها زخارف دقيقة هندسية أو حيوانية، وعلى بعضها عبارات دعاء وتبريك، وربما كان أقدم ما في دار الآثار العربية يرجع إلى العصر الطولوني؛ ولكن طراز الحيوانات وشكل الكتابة على بعض هذه الشبابيك يجعلنا نذهب إلى أن جزءا منها يرجع إلى عصر الفواطم؛
237
لأنها تذكر بالحيوانات والكتابة، التي نراها على تحف الخزف المطلي، والخشب والنسيج من العصر المذكور.
وفضلا عن ذلك فإن في الدار قطعتين: كلتاهما من عنق إناء (رقم السجل 167 / 8577 و168 / 8577)، وقد بقي في كل منهما شباك، وهذان الجزءان مدهونان بطلاء أزرق عليه زخارف نباتية ببريق معدني من طراز الزخارف التي نراها على الخزف في القرنين الرابع والخامس بعد الهجرة (العاشر والحادي عشر).
وفي الدار كذلك جزء من عنق إناء (رقم السجل 167 / 8577) عليه بالبريق المعدني بقايا زخارف هندسية ونباتية، وأثر صورة سمكة على أرضية بيضاء، وشبابيك القطع الثلاث ليس عليها أي دهان.
نامعلوم صفحہ