وما إن خرج محدثي الرحالة - هكذا روى - من تلك الندوة، حتى سأل دليله في حذر وتلعثم: أين الشعب هنا؟ فقال الدليل: الشعب؟ ليس هنا، إنه هناك، هناك عند سفح الجبل، ها هنا القمة، قمة الصفوة الممتازة، ألم تصعد إلينا من سفح الجبل حيث أفراد الشعب يعملون ويقيمون؟
فأجاب الرحالة في ارتباك واضطراب: نعم، نعم، رأيتهم هناك، لكنني ظننت أنهم ...
فسأل الدليل: ظننت ماذا؟
فقال الرحالة: ظننتهم أفراد شعب لا ينتمي إلى هذه القمة وأهلها، كانت غفلة مني وكان سهوا لأن العلاقة بين القمة والسفح واضحة، واضحة لا تحتاج إلى بيان؛ فما على السائر إلا أن يصعد مجتازا حاجز السحاب فإذا هو في القمة المشمسة، أو يهبط مجتازا حاجز السحاب فإذا هو عند سفح الجبل.
وفي ضحى اليوم التالي، هبط رحالتنا إلى السفح في طريق عودته، فكان أول من لقيه من الناس امرأة عجوز متهدمة جلست على جانب الطريق، وأمامها صندوق خشبي صغير تناثرت على ظهره سبع قطع من الحلوى، فأما المرأة فكومة من أسمال سوداء، تكاد لا تميز فيها رأسا من صدر، حتى إذا ما رفعت وجهها، رأيت شيئا قريب الشبه بجماجم الموتى، غطاه جلد داكن متغضن، وكأنما كانت ترتعش بجسدها كله رعشة متصلة، وأما حلواها فسل عنها أقذر الذباب.
ترى كم مليما تربح هذه المسكينة في يومها؟ أين تسكن وعلى أي كومة من التراب والحصى تضع جنبها سواد الليل؟ ماذا تأكل؟ وكيف تغطي جسدها إذا ما اشتد برد الشتاء؟ أين وكيف تغسل جسدها؟ ومن ذا يجيبها إن تأوهت من ألم كما شاء الله لعباده المرضى أن يتأوهوا كلما اشتد بهم الألم؟
وأبطأ صاحبي الرحالة خطاه أمام بائعة الحلوى، وهو يفكر في أمرها ، ويسأل نفسه هذه الأسئلة عنها، فظنته المسكينة شاريا لبضاعتها، فقالت في أنفاس متقطعة واهنة: «حلاوة يا زباين.»
قال الرحالة: بكم تبيعين القطعة يا أمي؟
فقالت: القطعة بمليم.
قال: سأشتري منك حلواك كلها لأولادي.
نامعلوم صفحہ