10

ہر چیز اور بہت کچھ

كل شيء وأكثر: تاريخ موجز للانهائية

اصناف

الأمر الذي لا ريب فيه بشأن جميع قوائم الكتب هذه أن تأليفها آمن لا ينطوي على أي نوع من الخطورة؛ بمعنى أن القراء ذوي التفكير النقدي من الأوساط الأكاديمية سرعان ما سيقولون في أنفسهم: «آه، هذا كتاب من هذا النوع.» وبعدها سينخرطون في نقده، إذا هم رغبوا في ذلك، وفقا لقواعد هذا النوع.

يشغل الكتاب الذي بين أيدينا حيزا يصعب تحديده أو وصفه في مخطط فن الذي تشكل في الفقرات السابقة (وقبل الخوض في تفاصيل ذلك، سأكتفي بتقديم معلومات تحذيرية مسبقة، مفادها أن الكتب التي بدون إحداثيات واضحة على مخطط فن غالبا ما تزعج الناس أو تستثير حفيظتهم؛ لأنها لا توضح أي مجموعة من القواعد الأساسية التفسيرية والنقدية يتعين تطبيقها).

بادئ بدء، قيل إن ديفيد فوستر والاس كاتب خيال علمي (استنادا إلى روايته «المرح اللامتناهي») بالرغم من أنه لم يكن ليصنف نفسه كذلك على الأرجح. بطبيعة الحال، الكتاب الذي بين أيدينا ليس من كتب الخيال العلمي أو حتى كتب الخيال على الإطلاق، مع كامل الاحترام لبعض منتقديه، لكن مجرد الحقيقة القائلة بأن ديفيد فوستر والاس كان كاتب خيال علمي تشوش على التصنيف السليم للكتاب، حتى قبل أن نبدأ قراءته. فالروائيون، الذين يحملون شهادات أو وثائق اعتماد غير رسمية - هذا إن منحوا تلك الوثائق من الأساس - ليس من السهل أن ينسجموا مع الأوساط الأكاديمية التي تعد فيها وثائق الاعتماد الرسمية كل شيء، كما أن الكتاب الذين يؤلفون كتبا حول الموضوعات المتخصصة التي تستهدف قراء غير مختصين، عادة ما تحصل على تقييمات سلبية من كلا الجانبين: أي شيء ينقصه دراسة روجعت بالكامل من قبل الأقران يعد خطأ، ويكون عرضة للانتقاد من جانب الأشخاص الذين تكون مهمتهم أن يجعلوها صحيحة، وأي مادة تحتاج إلى جهد غير عادي لقراءتها تضعف من استحقاق العمل الوصول إلى عموم القراء. ومن ثم فإنه في تأليفه كتابا كهذا الذي بين أيدينا، يذكرنا ديفيد فوستر والاس بالجندي الذي ينال قلادة باستدعائه ضربة مدفعية على موقعه مع التوضيح المحتمل بأنه في هذه الحالة يكون في الخارج وسط أرض محايدة مستدعيا ضربات من كلا الاتجاهين.

الدرجة العلمية التي نالها ديفيد فوستر والاس كانت في منطق الموجهات، الذي إن لم تكن تعرفه من قبل، لا يمكن تمييزه عن الرياضيات البحتة من جانب جميع الأشخاص العاديين تقريبا، بالرغم من أنه حتى أكثر تجريدا بكثير مما يمكن أن تكون عليه الرياضيات. وبالرغم من أنه لم يتعقب هذا المسار المهني لنيل درجة الدكتوراه وتقلد منصب أكاديمي، فإن الحقيقة القائلة بأنه كان قادرا على دراسة مثل هذا المجال العويص من الأساس تسلط الضوء بوضوح على حقيقة أنه كان يمتلك كل ما يؤهله لأن يكون متخصصا محترفا في مجال العلوم الطبيعية (الرياضيات، المنطق)، ومن ثم، يجوز انتقاده في نظر نقاد الرياضيات الصرفة. ولذا، ينبغي علينا أن نسأل ما إذا كان ينبغي أن يأخذ عالم حقيقي الكتاب الذي بأيدينا على محمل الجد باعتباره كتابا متخصصا، أم أن هذا نوع من النشر الترويجي. لقد طلب محرروه بوضوح النشر الترويجي له، وفي نهاية المطاف حققوا شيئا أقرب إلى كونه كتابا متخصصا. لا نقول إن ديفيد فوستر والاس قدم إسهامات متخصصة فعلية في مجال الرياضيات - هو لم يفعل ولم يحاول أن يفعل - لكنه تعمق في المادة بطريقة لم يكن بمقدور المحررين، بحكم المنطق، أن يطلبوها أو يتوقعوها من أي كاتب، وترقية أجزاء من النص إلى مستوى متخصص أعلى من المستوى، وهو ما يعد عموما نقلة جيدة في كتب رسالتها الترويج للعلم. ولو افترضنا أن كل ما كان يحرص عليه ديفيد فوستر والاس هو أن يحظى باستقبال جيد ومتحمس من جانب النقاد، فإن هذا قد لا يكون النهج التكتيكي الأمثل. لكنه، على ما يبدو، لم يكن من هذه النوعية من الناس على الإطلاق.

وبلغة الجهاز المناعي، فإن أجزاء هذا الكتاب المليئة بالمعادلات تجعله يعبر عن أجسام مضادة معينة تستثير الرغبة العقابية لدى نقاد العلوم الطبيعية والرياضيات. والصورة التمثيلية هنا معكوسة لأنه عند استثارة الجهاز المناعي، فإنه يولد مجموعة من الاستجابات التي تتراوح ما بين إحساس طفيف بأن ثمة شيئا ما ليس على ما يرام والانفعال والطفح الجلدي وصولا إلى الهجوم المضاد الكامل للخلايا التائية ولفظ العضو الغريب.

وأخيرا، يتناوب تصنيف هذا الكتاب، في كثير من أجزائه، بين القائمتين الثالثة والرابعة (انظر التحليل التصنيفي أعلاه)، حيث نجده في بعض الأحيان أقرب إلى مادة السير الذاتية عندما يسلط الضوء على الكيفية التي تعلم بها ديفيد فوستر والاس الرياضيات، بصفة أساسية على يد د. جوريس، ونجده في أحيان أخرى بمثابة كتاب لتاريخ العلم نتعلم منه أشياء عن الحياة الشخصية والمهنية لكل من ديديكند وفايرشتراس وكانتور وآخرين.

وبالنظر إلى كل هذه الأشياء مجتمعة، فإن أضعف ادعاء يمكنني أن أؤكد عليه الآن هو أنني أحببت بحق هذا الكتاب، وأنني خلال قراءتي له، لم يحدث أن اعتراني نوع من المشقة أو الارتباك أو الانزعاج أو التشوش بسبب أي من الخصائص الملمح إليها: فحقيقة أنه قد جرى تأليفه بواسطة أحد كتاب الخيال، والخوض في الخطاب الشديد التخصص، والإشارات - التي أوردها ديفيد فوستر والاس مرارا وتكرارا وبوضوح - إلى أن التفاصيل المتخصصة قد بسطت وصقلت المادة العلمية بطريقة قد لا تروق علماء الرياضيات، واستخدام كل من مادة السيرة الذاتية التي يكتبها بنفسه عن نفسه، ومادة تسلط الضوء على جانب من السيرة الذاتية للغير. ومن ثم فإن نصيحتي لك، عزيزي القارئ، أن تقرأ الكتاب وحسب، وإذا ما صادفتك تفصيلة رياضية صعبة أو شديدة التخصص، طالع أوجه النقد اللاذعة الموجهة إلى الكتاب، التي ظهرت في أدبيات الرياضيات، واعمل على تحسين فهمك للمحتوى الرياضي البحت عن طريق دراسة الوثائق التي خضعت لمراجعة الأقران والتي تناولت الموضوعات ذاتها، وبوجه عام، تأكد من أن هذا الكتاب ليس آخر ما تقرؤه عن الموضوع قبل الامتحانات الشفهية.

بعد أن قدمت إليك هذه النصيحة، أود أن أضيف نصيحة جديدة بشأن الكيفية التي تقرأ بها هذا الكتاب، وهي أن تسترخي ولا تهتم - بخلاف قراءته والاستمتاع به بطبيعة الحال - بخصيصة يتسم بها هذا الكتاب أثارت قدرا كبيرا وسخيفا من النقد؛ وهي اعتياد ديفيد فوستر والاس على استخدام تعبيرات غير اصطلاحية أو دارجة أو عامية جنبا إلى جنب مع مفردات متخصصة؛ لا سيما عندما يتحدث عن أمور خيالية. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إجادته الكتابة. فاللغة العامية أو الدارجة غالبا ما تكون أكثر أجنحة اللغة قدرة على التعبير. وقد تمتع ديفيد فوستر والاس بالقدرة على كتابة لغة نثرية قوية ربما يتفوق بها على الكثيرين غيره، لكنه أدرك قيمة المزج بين تلك اللغة النثرية واللغة الإنجليزية اليومية الدارجة، وبالرغم من تميزه فيها بشدة، ينبغي أن يوضع في الحسبان أنه لم يكن الكاتب الإنجليزي الرائع الوحيد الذي فعل هذا. ففي مقابل كل شاعر من أمثال ميلتون الذي سعى لأن يجعل لغته دوما راقية وفخمة، كان هناك شعراء أمثال شكسبير علموا كيف يؤثرون فينا باستخدام لغة بسيطة في التوقيت المناسب (ضمن كتاب مقالات الرأي الذين يحملون درجات علمية في الإنسانيات، يبدو أنه يتعين أيضا التنويه - أو الإشارة بشيء من التفصيل - إلى «ما بعد الحداثة»، باعتباره موضوعا لا يحظى بأي اهتمام من أغلب القراء).

أستنبط من ذلك أن بعض الذين وضعت سمعتهم الأكاديمية على المحك نتيجة لتكليفهم بكتابة مقال رأي عن هذا الكتاب، قد شعروا بشيء من الحنق أو الارتباك؛ نتيجة لإحجام ديفيد فوستر والاس أو رفضه الصريح لاستخدام أسلوب التعبير الأكاديمي الرفيع الذي ينتظر من الأشخاص الذين يريدون أن يزدهروا في إطار هذه المنظومة، والذي، في الوقت نفسه، يمكن أن يتنازل عنه الروائيون مقابل ارتداء «زي مهرج البلاط الملكي». ومن الأمثلة التي تسلط الضوء على هذه الحقيقة، تلك العادة التي يكتب فيها المرء عقب اقتباسه من نص نثري لديفيد فوستر والاس عبارة «هكذا كتبت». وما دمت لست من نوعية الأشخاص الذين لديهم عادة استخدام عبارة «هكذا كتبت» بعد الاقتباس من أعمال الآخرين في مراسلاتك الكتابية، فلن تكون لديك مشكلة مع الأسلوب الذي جرى به تأليف هذا الكتاب. •••

كل ما سبق كان سلبيا تماما، ليس بمنظور علم النفس الرائج فيما يتصل بتبني نبرة مثبطة، لكن بالمنظور التخصصي البحت على اعتبار أن الأمر تعرض لنفي عدد من الافتراضات (لم يقتنع ديفيد فوستر والاس بإجماع بروميثيوس، وهذا الكتاب لا ينسجم مع مخطط فن، فضلا عن انتقادات معينة للكتاب ليست مثيرة للاهتمام أو مفيدة لأغلب القراء). أود أن أختم هذه المقدمة بشيء إيجابي (من كلا المنظورين؛ علم النفس الرائج والمنظور المتخصص). يعكس أسلوب كتابة ديفيد فوستر والاس موقفا جميلا؛ إيمانا مؤثرا ومستندا في أغلبه إلى أسس جيدة بأنك تستطيع توضيح أي شيء بالكلمات إذا اجتهدت بما فيه الكفاية، وأظهرت قدرا من الاحترام الكافي للقراء. وفي حين أن هذا الموقف قد ظهر على الأرجح في أزمنة وأماكن أخرى، فإنه موقف تتبناه دائما المدن الجامعية في الغرب الأوسط الأمريكي.

نامعلوم صفحہ