الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
نامعلوم صفحہ
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
نامعلوم صفحہ
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
نامعلوم صفحہ
كوخ العم توم
كوخ العم توم
تأليف
هارييت بيتشر ستو
تحرير
جريس دافي بويلان
ترجمة
عبد الفتاح عبد الله
مراجعة
هاني فتحي سليمان
نامعلوم صفحہ
الفصل الأول
كان كوخ العم توم عبارة عن مبنى خشبي صغير قابع بجوار «المنزل الكبير»، وهو الاسم الذي يطلقه الزنوج على مسكن سيدهم. في مقدمته كانت هناك حديقة أنيقة تنمو فيها الخضراوات والفواكه في كل صيف في ظل عناية شديدة. وكانت مقدمة الكوخ بأكملها مغطاة بكرمة بيجونيا قرمزية اللون، وورد متسلق جميل ملتو ومتشابك لدرجة أنه يكاد لا يبقي شيئا ظاهرا من الخشب المصنوع منه الكوخ.
أما وجه العمة كلوي المستدير الأسود اللامع فكان براقا لدرجة أنها بدت وكأنها غسلت وجهها ببياض البيض، مثل إحدى قطع بقسماط الشاي الخاص بها. وكانت ملامحها الممتلئة تشع بهجة وفرحة تحت عمامتها المبسوطة؛ ذلك أن سيدها اليافع جورج كان موجودا، وكان من المؤكد أنه سيثني على طعام العشاء الذي أعدته؛ مما سيعطيها إحساسا كبيرا بالرضا. «بهذه الطريقة كتبت الحرف
q . ألا ترى؟»
كانت العمة كلوي طباخة ماهرة بكل تأكيد، وكانت تعشق الطبخ بكل جوارحها. كان يهابها كل الدجاجات والديوك الرومي والبط في الحظيرة حين يرونها تتقدم نحوهم، وكانوا يفكرون في نهايتهم. وفي الواقع كانت العمة كلوي تفكر دوما في أمور الحشو والشواء، لدرجة كانت تبث الرعب في نفوس الدجاج لو كان ذا عقل. وكانت كعكة الذرة التي تعدها بكل أشكالها المتنوعة - الهوكيك والكعك المحلى والمافن - تعد لغزا محيرا لكل الطباخين الأقل منها مهارة، وكانت تهز خاصرتها السمينة فرحا حين يحاول أحد الخدم الآخرين إعداد وجبة لأي من أصدقاء سيدها. كان وصول الرفاق إلى المنزل، وترتيب طاولات الطعام في الغداء والعشاء بطريقة أنيقة يوقظ في العمة كلوي طاقاتها، ولم يكن هناك منظر محبب إليها أكثر من وجود مجموعة من حقائب السفر على الشرفة؛ ذلك أنها كانت ترى حينها فرصة جديدة لبذل المزيد من المجهود وتحقيق انتصارات جديدة.
وفي إحدى زوايا الكوخ كان هناك سرير مغطى بلحاف أنيق لونه ثلجي، وعلى قطعة من سجادة ذات حجم معقول تغطي جزءا من الأرضية أمام السرير، كانت العمة كلوي تقف في مهابة مثيرة للإعجاب. كانت تلك الزاوية الصغيرة هي الصالون بالنسبة للكوخ. أما السرير على الجانب الآخر فكان هو المصمم للاستخدام، وعليه كان الأطفال السود الصغار يلعبون ويتقافزون كيفما يحلو لهم، من دون كلمة استنكار واحدة من أمهم.
وعلى مقعد صلب بجوار الموقد العريض كان هناك طفلان ذوا شعر يشبه الصوف يحاولان تعليم طفلة صغيرة أخرى كيفية المشي. كانت الطفلة الصغيرة السوداء تقف على قدميها، وتسعى للحفاظ على توازن جسدها للحظات، ثم تقع مرة أخرى بينما يضحك الطفلان الآخران ويهللان لها.
وكانت هناك طاولة آيلة للسقوط كالطفلة الصغيرة سالفة الذكر، كانت تلك الطاولة مركونة في مكان مريح أمام نار الموقد، ومغطاة بقماش وموضوعا عليها فناجين الشاي وأطباقها. جلس العم توم - وهو رجل أسود طويل تبدو عليه علامات الجلد والقوة - إلى الطاولة وكان يحاول نسخ حروف الهجاء على ورقة مقطوعة، وكان السيد جورج ذو الثلاثة عشر عاما يحاول أن يجعل العم توم يفهم هذه الحروف. كان أطفال المنزل الكبير جميعهم يحبون توم ويثقون به. كان يكبر أباهم بقليل، ولم يسأموا أبدا من سماعه وهو يقول كيف أن «السيد شيلبي العجوز» وهو جدهم قد وضع الطفل الصغير الذي أحبه للغاية بين ذراعيه السوداوين حين كان في سن السادسة وقال: «هذا هو سيدك الصغير يا توم. اعتن به والعب معه، ومت في سبيله إذا لزم الأمر. تذكر أنك ملك له.»
وفي نهاية قصته هذه كان توم يقول دوما: «ولم أخذل سيدي أبدا بأي طريقة كانت.»
وقال توم لجورج بينما كانا ينتظران نداء العمة كلوي معلنة عن موعد العشاء: «لقد كنا معا في الطفولة والبلوغ، وسنظل معا في العالم الآخر، حين تفتح السماء أبوابها، وأطفال السيد آرثر الصغار كذلك - إني أحبهم كحبي لأطفالي.»
نامعلوم صفحہ
أجابه جورج: «نحن نحبك تماما كما تحبنا أيها العم توم. لقد علمتني كل شيء أعرفه - أن أسبح وأمتطي الحصان وكل شيء - كما تصنع لي طائرات ورقية أفضل من أي شخص آخر.»
ضحك العم توم وقال: «هذا فتاي! لكنني يا سيدي جورج لم أواجه أبدا صعوبة في صنع ذيول هذه الطائرات الورقية كما أواجه صعوبة في رسم ذيل الحرف
g
الغريب هذا. إنني فقط لا أتذكر كيف كنا نرسم ذيله.»
قال الصبي: «ليس بهذا الشكل أيها العم توم؛ ليس بهذا الشكل.» بينما رسم العم توم ذيل الحرف بطريقة خاطئة. واستكمل جملته قائلا: «بهذه الطريقة كتبت الحرف
q . ألا ترى؟»
قالت العمة كلوي بإعجاب: «بحق السماء، أترى أيها الصبي؟! ليس هناك أطفال في مثل ذكائه! لقد أعددت شيئا رائحته رائعة يا عزيزي؛ رائحته في غاية الروعة!» «حسنا أيتها العمة كلوي؛ إنني جائع أكثر من ذئب يتضور جوعا! كيف الحال أيها العم توم؟»
كانت أصابع الرجل السوداء الكبيرة تتحرك بشكل أخرق بينما أجاب توم: «سأصبح أفضل من كتب بيده يوما.»
وقال جورج: «أيتها العمة كلوي، لقد كنت أتباهى بك أمام العم توم لينكوم. كنت أقول له إن طباخه لا يمكن أن يضاهيك.»
جلست العمة كلوي في كرسيها، وراحت تضحك كثيرا من روح الدعابة التي يتحلى بها سيدها الصغير، وظلت تضحك حتى تدحرجت دموعها على خديها الأسودين اللامعين، وبينما هي كذلك كان يتخلل ضحكها جمل من قبيل «سيد جورج» و«يا لك من فتى!» مخبرة إياه مازحة أنه حالة يخشى منها وأنه ربما يقتلها، بل من المؤكد أنه سيقتلها يوما ما. وبين كل توقع وآخر من هذه التوقعات كانت تغرق في نوبة ضحك كبيرة، وكل نوبة منها أطول وأقوى من الأخرى، حتى بدأ جورج يظن فعلا أنه بارع في إطلاق الدعابات إلى حد كبير، وأنه من الأفضل أن يكون حذرا في حديثه «بطريقة هزلية قدر ما أمكنه.» «أهكذا قلت لتوم؟ أكنت تتباهى هكذا في وجهه؟ يا إلهي! سيدي جورج، يمكنك أن تجعل حتى الحشرات تضحك!»
نامعلوم صفحہ
قال جورج: «أجل، قلت له: «توم، ينبغي أن تتذوق بعض الشطائر التي تعدها العمة كلوي؛ إنها الأفضل.» وأنوي أن أطلب من توم الحضور هنا في يوم ما من الأسبوع المقبل، ثم تقومين أنت بصنع أفضل ما يمكنك أيتها العمة كلوي، وسنذهله.»
قالت العمة كلوي بنبرة مبتهجة: «أجل، أجل، بكل تأكيد. سترى. يا إلهي! ذكرتني ببعض وجبات العشاء التي أعددتها! أتذكر شطيرة الدجاج الرائعة التي أعددتها حين كان الجنرال نوكس يتناول عشاءه عندنا؟ كنت أنا والسيدة نتجادل بشأن ما إن كانت الشطيرة مقرمشة أم لا. لا أعرف ماذا يصيب السيدات أحيانا؛ لكن في بعض الأحيان حين يحمل المرء عبء مسئولية كبيرة ملقاة على عاتقه ويكون تحت ضغط كبير ومشغولا دوما، فإنه كثيرا ما يتجول في الأرجاء ويتدخل في أمور الطبخ نوعا ما! والآن كانت السيدة تريد أن أفعل كذا، وأن أنجز كذا؛ وفي النهاية انزعجت وقلت: «أيتها السيدة، انظري إلى يديك البيضاء الجميلة، وتلك الأصابع الطويلة التي تتلألأ فيها الخواتم، وكأنها زنابق بيضاء يتلألأ الندى عليها؛ وانظري إلى يدي الكبيرتين وأصابعي البدينة القصيرة. والآن ألا تعتقدين أن الرب كان يريدني أنا أن أعد الشطيرة مقرمشة، وكان يريد منك أن تمكثي في صالون الاستقبال؟» يا إلهي! كنت في غاية الفظاظة أيها السيد جورج.»
قال جورج: «وماذا قالت أمي؟» «قالت: لقد ابتسمت ولمعت عيناها - تلكما العينان الرائعتان - وقالت: «حسنا أيتها العمة كلوي، أعتقد أنك محقة في هذا.» وذهبت إلى الصالون. كان بإمكانها أن تشق رأسي لكوني بهذه الفظاظة؛ لكن هكذا أنا؛ لا يمكنني أن أتعامل بلباقة مع السيدات في المطبخ!»
قال جورج: «حسنا، وقد أبليت بلاء رائعا في ذلك العشاء؛ أتذكر أن الجميع كان يقول ذلك.»
قالت العمة كلوي بينما اعتدلت في جلستها: «أليس كذلك؟ لقد وقفت خلف باب حجرة الطعام في ذلك اليوم، وشاهدت الجنرال وهو يمرر طبقه ثلاث مرات طالبا المزيد من شطيرة التوت تلك. وقال: «لا بد أنك تمتلكين طباخة ماهرة أيتها السيدة شيلبي.» يا إلهي! كنت أضحك حتى كدت أقتل نفسي؛ فذلك الجنرال يعرف الكثير من فنون الطبخ. إنه رجل رائع، ذلك الجنرال. إنه ينحدر من سلالة أحد أفضل العائلات في ولاية فيرجينيا! وهو يميز بين الأشياء، مثلي تماما؛ فكما تعرف، هناك مقادير لكل شطيرة أيها السيد جورج، لكن ليس كل شخص يعرف ماهية هذه المقادير. لكن الجنرال يعرف، وقد عرفت ذلك بسبب الملاحظات التي ذكرها.»
في هذه اللحظة كان السيد جورج قد وصل إلى تلك النقطة التي يمكن أن يصل إليها حتى الطفل الصغير، ذلك أنه لم يستطع حقا أن يأكل قضمة أخرى؛ ومن ثم كان لديه من الفراغ ما يمكن أن يسمح له بملاحظة الأطفال ذوي الشعر الصوفي والعيون اللامعة تتابع صنع الكعك بنظرات جائعة من الزاوية المقابلة.
فقال وهو يقطع لقيمات ويلقي بها إليهم: «هاك يا موس ويا بيت. تريدون بعضا من هذا، أليس كذلك؟ هيا أيتها العمة كلوي، أعدي لهما بعض الكعك.»
وانتقل جورج وتوم إلى كرسي مريح في زاوية المدخنة، بينما أخذت العمة كلوي طفلتها على حجرها - بعد أن خبزت بعض الكعك - وبدأت تحشو فم الطفلة وفمها بشيء منه، وبدأت توزع على موس وبيت، اللذين فضلا أن يتناولا الكعك وهما يتدحرجان على الأرض تحت الطاولة، ويدغدغ أحدهما الآخر ويشدان الطفلة الصغيرة من أصابع قدميها بين الحين والآخر.
قالت الأم: «أوه، توقفا أيها الصغيران! ألا يمكنكما أن تتأدبا في حضور السيد الأبيض؟ توقفا عما تفعلانه الآن! من الأفضل لكما أن تنتبها إلى تصرفاتكما، وإلا فسأعاقبكما حين يغادر السيد جورج!»
قال العم توم: «إنهما يتقافزان طوال اليوم ويتداعبان، ولا يستطيعان أن يتأدبا.»
نامعلوم صفحہ
في هذه اللحظة خرج الطفلان من تحت الطاولة وبدآ يقبلان الطفلة بينما كان العسل يغطي أيديهما ووجهيهما.
قالت الأم وهي تحاول إبعادهما: «ابتعدا ! ستلتصقان كل منكما بالآخر ولن تستطيعا أن تنفصلا أبدا إذا ما لم تتوقفا عن ذلك. اذهبا إلى النبع واغتسلا!» قالت ذلك وهي تصفعهما صفعا تسبب في أن يضحك الطفلان ويقع أحدهما على الآخر وهما يخرجان من الباب.
قالت العمة كلوي: «هل سبق ورأيت طفلين مزعجين بهذا القدر؟» بينما كانت تخرج منشفة وتصب عليها بعض الماء من براد الشاي وبدأت تغسل العسل عن وجه الطفلة ويديها، وبعد أن نظفتها حتى أصبحت الطفلة تلمع، وضعتها في حضن توم، بينما انشغلت هي في رفع طعام العشاء عن المائدة. أما الطفلة فانشغلت في العبث بأنف توم ووجهه ولعبت بيديها البدينة في شعر توم الخشن، وهو شيء بدا أنه يرضيها أكثر.
قال توم بينما أمسكها ومد ذراعيه بها لينظر إليها نظرة كاملة: «أليست طفلة جميلة؟» ثم قام وأجلسها على كتفه وبدأ يثب بها ويراقصها، بينما داعبها السيد جورج بمنديله، أما موس وبيت اللذان كانا قد عادا فقد بدآ يزأران عليها وكأنهما دبان حتى صاحت العمة كلوي قائلة إنهما «كادا يصيبانها بالجنون» بسبب إزعاجهما.
قالت العمة كلوي: «أتمنى أنكما نلتما كفايتيكما» حين كانا يزأران ويتقافزان ويتراقصان، وبدأت تخرج سريرا متحركا على شكل صندوق قذر وقالت: «والآن ادخلا يا موس وبيت إلى السرير؛ لأننا سنعقد اجتماعنا الآن.» «أمي، لا نريد ذلك. نريد أن نحضر الاجتماع.»
قال السيد جورج بنبرة حاسمة وهو يدفع السرير: «لا أيتها العمة كلوي، أدخليه مكانه ودعيهما يحضران.»
احتفظت العمة كلوي بكياستها، وأظهرت سرورها البالغ لأن تدفع بسريرهما الصغير تحت السرير الكبير، وقالت وهي تفعل ذلك: «حسنا، ربما سيفيدهما ذلك.»
والآن كان يتعين النظر في أمر تجهيزات وترتيبات الاجتماع.
قالت العمة كلوي: «ماذا نصنع بأمر الكراسي الآن، أعترف بأنني لا أعلم.» وفيما كان الاجتماع يعقد في كوخ العم توم أسبوعيا ولمدة زمنية طويلة من دون فعل أي شيء يتعلق ب «الكراسي»، فقد بدا أن هناك تحفيزا يوقظ الأمل لاكتشاف طريقة لحل تلك المشكلة في اللحظة الراهنة.
قال موس مقترحا: «لقد كسر العم بيتر العجوز ساقي الكرسي كلتيهما الأسبوع الماضي.»
نامعلوم صفحہ
قالت العمة كلوي: «ابدأ أنت! سأحاول أن أعدل من وضع الكرسي.»
قال موس: «سيقف الكرسي مستقيما إذا ما أسندنا ظهره إلى الحائط.»
قال بيت: «إذن لا ينبغي للعم بيتر أن يجلس فيه؛ لأنه دائما ما يسقط من على الكرسي. لقد تدحرج في الغرفة حين سقط عن الكرسي في المرة السابقة.»
صاح موس: «لنقلده إذن! إنه يبدأ في غناء «تعالوا أيها القديسون والمخطئون، اسمعوني أغني.» ثم يسقط عن الكرسي.» ثم بدأ الصبي يحاكي النغمات التي تصدر عن أنف الرجل العجوز، وهو يسقط على الأرض، ليظهر بذلك ما يمكن أن يحدث.
قالت العمة كلوي: «توقف، ألا تشعر بالخجل؟»
لكن السيد جورج شاركه الضحك وأعلن أن موس كان «شقيا.»
قالت العمة كلوي: «حسنا أيها الرجل العجوز، سينبغي عليك أن تحمل تلك البراميل.»
قال موس لبيت على انفراد: «براميل أمنا هي مثل الملائكة الكريمة التي كان السيد جورج يقرأ عنها في الكتاب المقدس - إنهم لا يخذلون أبدا.»
قال بيت: «أنا واثق أن أحدهم انهار في الأسبوع الماضي، وخذلهم جميعا في وسط الغناء؛ كان هذا خذلانا، أليس كذلك؟»
وأثناء هذا الحديث الجانبي بين موس وبيت، تدحرج برميلان فارغان إلى داخل الكوخ، وتم إيقافهما عن الدحرجة بتثبيتهما عن طريق استخدام أحجار على كل جانب منهما، ووضعت بينهما ألواح من الخشب مع وضع عدة دلاء وأحواض صغيرة وكراس متهالكة، وبذا اكتمل التحضير.
نامعلوم صفحہ
قالت العمة كلوي: «السيد جورج قارئ بارع، وأعلم أنه سيبقى ليقرأ لنا. يبدو أن الأمر سيكون في غاية الإمتاع.»
وافق جورج على ذلك بسهولة كبيرة؛ ذلك أن الصبي مستعد دوما للقيام بأي شيء يجعل منه شخصا ذا أهمية.
قرأ السيد جورج الفصول الأخيرة من سفر الرؤيا.
سرعان ما امتلأت الغرفة، وبعد برهة بدأ الغناء مما أسعد جميع الحاضرين. ولم تكن حتى عوائق الإيقاع الأنفي قادرة على منع الأصوات الجميلة الطبيعية التي عجت بها الغرفة المليئة بالحيوية والحماسة. كانت الكلمات في بعض الأحيان هي الترانيم والتراتيل الشائعة والمعروفة التي يتم إنشادها في الكنائس، وفي بعض الأحيان الأخرى تكون الكلمات حماسية ومجهولة أكثر، ويتم اختيارها في اجتماعات المخيم.
وكان أحد الكوبليهات التي تم غناؤها بحماسة كبيرة يقول:
مت في ميدان المعركة،
مت في ميدان المعركة،
المجد لروحي.
وبناء على طلبهم، قرأ السيد جورج الفصول الأخيرة من سفر الرؤيا، وكان عادة ما يقطع قراءته صيحات تعجب وهتافات من قبيل «ها هي الغاية!» و«اسمعوا لتلك!» و«تفكروا في هذه!» و«هل كل هذا سيصبح واقعا؟ أحقا؟»
كان جورج - ذلك الفتى الألمعي الذي تلقى تدريبا دينيا جيدا على يدي والدته - يجد نفسه محط إعجاب الجميع في مثل هذه الاجتماعات التي يقيمها بين الحين والآخر بالكثير من الجدية والجاذبية، وبذلك كان يحصل على إعجاب الصغار ومباركة الكبار، وقد اتفق الجميع على أن «لا يمكن لرجل الدين أن يقرأ بطريقة أفضل منه» و«أنه فتى مذهل بحق!» وسار الفتى نحو منزله تحت ضوء القمر في شموخ كبير وقلبه يمتلئ بمشاعر الحب لأصدقائه المتواضعين في كوخ العم توم.
نامعلوم صفحہ
وفي المنزل الكبير، ووسط أصوات الغناء، جلس السيد شيلبي مع تاجر يحمل اسم هالي في غرفة الطعام، إلى طاولة مغطاة بأوراق وأدوات كتابة. كان وجه السيد شيلبي حزينا، لكنه كان مشغولا بإحصاء ورقات نقدية ثم تقديمها للتاجر الذي كان يحصيها هو الآخر بدوره.
قال الأخير: «حسنا، مضبوط. والآن لنوقع هذه الأوراق!»
سحب السيد شيلبي عقود البيع نحوه بسرعة ووقعها بطريقة رجل يريد أن ينتهي من عمل لا يريد القيام به، ثم دفعها عنه مع الورقات النقدية. ومن حقيبة بالية كانت معه، أخرج هالي ورقة اختطفها السيد شيلبي في لهفة كبيرة.
قال التاجر بينما كان ينهض: «حسنا، لقد تم الأمر.»
قال السيد شيلبي: «لقد تم الأمر.» ثم كررها مرة أخرى بينما كان يطلق زفيرا طويلا.
هالي.
أضاف التاجر قائلا: «لا يبدو لي أنك مسرور بما حدث.»
قال مالك المزرعة بنبرة جادة: «تذكر يا هالي أنك وعدتني أنك لن تبيع توم من دون أن تعلم عن الأشخاص الذين سيذهب إليهم.»
أجابه التاجر: «لقد فعلت ذلك لتوك. لقد بعتني إياه!»
الفصل الثاني
نامعلوم صفحہ
تربت إلايزا على يد سيدتها منذ نعومة أظفارها، فأصبحت مدللتها والمفضلة لديها. كانت إلايزا فتاة ذات شعر أشقر ووجه يكاد يكون أبيض اللون وعينين بنيتين، وكان شعرها مجدولا في شكل ضفائر مجعدة لها كتلة كبيرة تنسدل على جبهتها العريضة، وكانت وجنتاها ورديتي اللون، وكان أحد أجدادها الأربعة زنجيا. وقد تزوجت إلايزا من خلاسي نابه يحمل اسم جورج هاريس كان يعيش في مزرعة مجاورة وأنجبا صبيا جميلا له شعر مجعد قصير، وكان الصبي محط تدليل العائلة ولب قلب والدته الشابة.
في تلك الليلة ارتعشت أصابع إلايزا البنية النحيلة وهي تمسك بالضفائر الجميلة لشعر السيدة شيلبي، فرفعت السيدة نظرها ووجدتها تبكي.
فسألتها بنبرة عطوفة قائلة: «ما الأمر يا طفلتي؟ هاري على ما يرام، أليس كذلك؟»
تداعت إلايزا فنزلت على ركبتيها وقالت وهي تشهق: «أوه، سيدتي! كان هناك تاجر هنا، وكان يتحدث مع سيدي. لقد سمعته.» «حسنا، أيتها الطفلة الساذجة، فلنفترض أن ذلك صحيح.» «أوه، سيدتي. أتعتقدين أن سيدي سيبيع هاري؟»
ألقت الأم الشابة المسكينة بنفسها على الأرض عند قدمي سيدتها وبدأت تشهق وتبكي بحرقة.
قالت السيدة شيلبي بينما ربتت على كتف خادمتها: «يبيعه؟ أيتها الفتاة السخيفة! بالطبع لن يفعل! تعرفين أن سيدك لا يتعامل مع تجار العبيد هؤلاء، وهو لا يبيع أي عبد من عبيده ما داموا يحسنون التصرف. لماذا أيتها الفتاة السخيفة؟! أتعتقدين أن العالم كله يريد أن يأخذ صغيرك منك؟»
أجهشت بالبكاء قائلة: «أوه، سيدتي.» «لكن يا سيدتي ... أوه سيدتي! أنت لن توافقي أبدا، أليس كذلك؟» «هذا هراء يا فتاتي! لكن ولكي تطمئني بالا فلن أفعل. هاك، كفكفي دموعك واذهبي واحتضني طفلك بين ذراعيك. سأمشط شعري بنفسي الليلة.»
انحنت إلايزا وقبلت يد سيدتها البيضاء الصغيرة وذهبت باتجاه الباب، وعنده ترددت ونظرت خلفها وقالت: «أوه، سيدتي. هل أنت واثقة تمام الثقة؟» لمع ثغر السيدة شيلبي بابتسامة منها وأكملت إلايزا طريقها وهي تشعر بارتياح كبير.
كانت السيدة الرقيقة لا تزال مشغولة بضفائرها وجدائل شعرها حين دخل زوجها الحجرة. أخرج الرجل ورقة وجلس يزفر كما فعل من قبل، فقالت زوجته: «آرثر، من كان ذلك الرجل الكريه الشكل الذي كان هنا اليوم؟ أهو أحد تجار الزنوج؟» «لماذا يا عزيزتي؟ ما الذي جعلك تعتقدين هذا؟» «لا شيء، لكن أتت إلايزا إلى هنا بعد العشاء وكانت قلقة للغاية وتبكي. قالت بأنك كنت تتحدث إلى تاجر، وأنها سمعته يخبرك بعرض يخص طفلها.»
قال السيد شيلبي: «أحقا؟» ثم عاد ببصره إلى الورقة التي كان يمسكها والتي بدا أنه يركز في النظر إليها كثيرا، حتى إنه لم يلحظ أنه كان يمسكها مقلوبة رأسا على عقب.
نامعلوم صفحہ
قال في نفسه: «سينكشف الأمر في النهاية. هكذا يحدث دوما.»
قالت السيدة شيلبي بينما أكملت تمشيط شعرها: «لقد أخبرت إلايزا أنك لا تتعامل إطلاقا مع مثل هؤلاء. أنا أعرف أنك بالطبع لا تنتوي بيع أي من عبيدنا.»
قال زوجها: «في الواقع يا إميلي، كان هذا ما كنت أقوله دوما وما أفعله؛ لكن الحقيقة أنني واقع في مأزق ولا يمكنني الخروج منه؛ لذا فسأضطر إلى بيع أحد مساعدي.» «لذلك المخلوق؟ مستحيل! لا يمكنك أن تكون جادا!»
قال السيد شيلبي: «يؤسفني أنني جاد في هذا. لقد وافقت على بيع توم.»
قالت السيدة شيلبي بنبرة تنم عن الحزن والسخط: «ماذا! توم! ذلك الرجل الصالح والمخلص، الذي كان خادمك المخلص مذ كنت صبيا! لقد وعدته أن تعطيه حريته أيضا - لقد تحدث كلانا إليه مئات المرات عن هذا الأمر. حسنا، يمكنني الآن أن أصدق أي شيء - يمكنني الآن أن أصدق أنك ستبيع هاري، ابن إلايزا الوحيد!» «في الواقع، وبما أنك ستعلمين بالأمر كله، فهذا هو ما حدث فعلا. لقد وافقت على بيع كل من توم وهاري كليهما؛ ولا أعلم لماذا تحدثينني وكأنني وحش فقط لأنني أفعل ما يفعله الجميع كل يوم.»
قالت السيدة شيلبي وهي تستجمع رباطة جأشها: «عزيزي، أستميحك عذرا. لقد تسرعت في غضبي. لكنك فاجأتني وكنت غير مستعدة تماما لمثل هذا؛ لكنك بلا شك ستسمح لي أن أتشفع لهؤلاء المساكين. إن توم رجل مخلص وقلبه طيب، رغم أنه زنجي. أعتقد أنه لو كان أمامه خيار أن يفديك بحياته لفعل.» «يؤسفني شعورك هذا يا إميلي.»
قال السيد شيلبي: «أجل، أعلم ذلك؛ لكن ما فائدة كل هذا؟ لا يمكنني أن أجد حلا. أنا آسف حيال شعورك هذا يا إميلي - حقا أنا آسف. وأنا أقدر ما تشعرين به أيضا رغم أنني لا أزعم أنني أشاركك القدر نفسه من هذه المشاعر؛ لكنني أقول لك الآن وبكل صدق إنه لا جدوى من ذلك - لا يمكنني أن أجد حلا. لم أكن أنتوي أن أخبرك بذلك يا إميلي؛ لكن وبصراحة ليس هناك حل وسط بين بيع هذين الزنجيين وبيع كل شيء. إما هما أو كل شيء. لقد حصل هالي - وهو اسم ذلك التاجر - على ملكية رهن، وإن لم أسدده له مباشرة فسيأخذ كل شيء كمقابل له. لقد بحثت حقا هنا وهناك واقترضت المال وفعلت كل شيء عدا أن أستجديه، وكنت ما زلت في حاجة إلى ثمن هذين الزنجيين لكي أكمل المبلغ، وكان علي أن أبيعه إياهما. كان هالي يرغب في الطفل، وقد وافق على تسوية الأمر بهذا الشكل، وليس بأي شكل آخر. كنت تحت سيطرته، وكنت مضطرا إلى فعل ذلك. وإذا كان هذا هو شعورك تجاه بيعهما، فهل سيكون من الأفضل أن نتخلى عن كل شيء؟»
أصيبت السيدة شيلبي بذهول كبير، وفي النهاية استدارت نحو طاولة المزينة ووضعت وجهها بين كفيها وراحت تبكي.
قال السيد شيلبي: «أنا آسف يا إميلي، في غاية الأسف، لكن الأمر قد قضي؛ لقد وقعنا عقود البيع بالفعل وهي بحوزة هالي، وينبغي أن تكوني ممتنة أن شيئا سيئا لم يحدث. كان في مقدرة ذلك الرجل أن يدمرنا جميعا، والآن انصرف عنا. لو أنك كنت تعرفين الرجل كما أعرفه، لكنت فكرت في أننا لن نخرج من هذا المأزق إلا بصعوبة بالغة.» «أهو بهذه القسوة إذن؟» «ليس وقحا بالتحديد، لكنه رجل قاس - إنه يعيش فقط لكي يتاجر ويربح - إنه رجل هادئ وصارم لا يعرف التردد.» «والآن ذلك الصعلوك يمتلك توم وصبي إلايزا؟» «في الواقع يا عزيزتي، هذا أمر يشق علي كثيرا؛ إنني أكره أن أفكر في هذا. يريد هالي أن يعجل بالأمر، ويحوزهما غدا. سأخرج على صهوة جوادي في وقت مبكر للغاية وسأبتعد عن هنا. حقا لا يمكنني أن أرى توم وهو يغادر؛ ومن الأفضل لك أن تذهبي بالعربة إلى أي مكان وتصحبي إلايزا معك. أريد أن يحدث الأمر وهي بعيدة عن الأنظار.»
قالت السيدة شيلبي: «لا، لا. لن أشارك في هذا الأمر المؤلم بأي شكل. سأذهب لأرى توم العجوز المسكين؛ فليساعده الرب في محنته! ينبغي أن يرى العبيد أن سيدتهم تشعر بهم وتشاطرهم حزنهم. أما بالنسبة لإلايزا، فلا أمتلك حتى الجرأة في التفكير في الأمر. ليسامحنا الرب على ذلك!»
نامعلوم صفحہ
وكان هناك مستمع واحد فقط لهذه المحادثة لم يخطر ببال السيد والسيدة شيلبي أنه كان يصغي إلى كلامهما.
كان في حجرتهما خزينة كبيرة بها باب يفضي إلى الممر الخارجي. وحين صرفت السيدة شيلبي الفتاة إلايزا في ذلك المساء، اختبأت إلايزا بتلك الخزانة الكبيرة وضغطت أذنها على الصدع في الباب وسمعت كل كلمة دارت في المحادثة.
وحين صمتت الأصوات، انتصبت من مكانها وتسللت خلسة. كانت إلايزا تتحرك في المدخل وقد شحب لونها وارتعش جسدها وتصلبت ملامحها وضغطت بشفتيها إحداهما على الأخرى، ثم وقفت أمام باب حجرة سيدتها للحظة، ورفعت يدها وكأنها تستجدي السماء في صمت، ثم انسلت إلى حجرتها. كانت حجرتها هادئة وأنيقة وتقع في الطابق نفسه الذي تقع به حجرة سيدتها، وكانت بها نافذة جميلة تدخل منها الشمس. كانت إلايزا تجلس إلى جوارها وهي تحيك؛ وحقيبة صغيرة بها بضعة كتب وبضع أدوات إلى جانبها وكذلك هدايا عيد الميلاد؛ وكان بالحجرة أيضا خزينة ملابسها البسيطة ذات الأدراج - باختصار كانت هذه الحجرة هي منزلها وقد كان كاملا وهانئا. لكن على السرير كان يرقد صبيها ويغط في سبات عميق، كانت جدائل شعره الطويلة تلتف حول وجهه الغائب عن الوعي، وكان فمه وردي اللون نصف مفتوح ، وكانت يداه ممتدتين على مفرش السرير، وقد اعتلت وجهه ابتسامة مشرقة، فبدا وكأنه شمس منيرة.
قالت إلايزا: «طفلي المسكين! لقد باعوك! لكن أمك ستنقذك!»
وأخرجت ورقة وقلما وكتبت في عجالة:
يا سيدتي! سيدتي العزيزة! لا تظني بأنني ناكرة للجميل، لا تظني بأنني وضيعة - لقد سمعت الحوار الذي دار بينك وبين سيدي الليلة وسأحاول أن أنقذ صغيري - ولا تلوميني على ذلك! فليباركك الرب ويجزك عن طيبة قلبك!
وبعد أن طوت الورقة في عجالة ووضعتها، توجهت نحو أحد الأدراج وأعدت كومة صغيرة من الثياب لطفلها، وأحكمت وثاقها حول خصرها بمنديل.
قال الصبي حيث استيقظ حين اقتربت إلايزا من السرير وهي تمسك بمعطفه وقبعته: «إلى أين تذهبين يا أمي؟»
قالت: «اصمت يا هاري. لا ينبغي أن ترفع صوتك، وإلا فسيسمعوننا. هناك رجل شرير يريد أن يأخذ هاري الصغير من أمه ويذهب به بعيدا في الظلام، لكن والدتك لن تسمح له بذلك - ستلبس صغيرها معطفه وقبعته وستهرب معه؛ حتى لا يستطيع الرجل القبيح أن يمسك به.»
وحين قالت تلك الكلمات، كانت قد عدلت ملابس الطفل البسيطة وزررتها ووضعته على ذراعها وهمست له أن يحافظ على سكونه التام، ثم فتحت بابا في غرفتها يفضي إلى الشرفة الخارجية وانسلت عبره في سكون تام.
نامعلوم صفحہ
توهج وجه الفتاة فجأة بفعل ضوء الشمعة.
كانت الليلة متلألئة بأضواء النجوم، وكان الطقس باردا نوعا ما، فلفت الأم شالها على طفلها بينما تعلق هو برقبتها في صمت بفعل شعوره بالرعب.
كان الكلب برونو العجوز من سلالة نيوفاوندلاند يرقد عند نهاية الشرفة، فانتصب واقفا وقد أطلق زمجرة خفيضة بينما كانت إلايزا تقترب منه. تحدثت هي إليه في لطف، فتقافز الكلب العجوز يهز ذيله وكان على استعداد لأن يتبعها. كان الكلب على وشك أن يطلق نباحه تعبيرا عن فرحته ودهشته، لكن مد هاري يده الصغيرة وهمس له «هش!» محذرا إياه، وفي لحظات كانت إلايزا تنقر بإصبعها على زجاج نافذة العم توم.
انتفضت العمة كلوي من مكانها وسحبت الستائر فيما صاحت قائلة: «ما هذا؟ يا إلهي، إنها ليزي!»
فتحت العمة كلوي الباب، فتوهج وجه الفتاة فجأة بفعل ضوء الشمعة.
قالت إلايزا لاهثة: «سأهرب أيها العم توم، وأيتها العمة كلوي! وسآخذ طفلي معي. لقد باعه السيد!»
ارتفعت أربع أياد سوداء في استياء وانزعاج بينما قال كل من العم توم والعمة كلوي: «باعه؟»
قالت إلايزا بنبرة حازمة: «أجل، لقد تسللت إلى الخزانة وسمعت السيد وهو يخبر السيدة أنه باع هاري وباعك أنت أيضا يا توم. أوه، عزيزي توم! باعك أنت أيضا!»
شعر توم وكأنه في حلم، ثم أذهلته الصيحة التي أطلقتها زوجته، فوقع على الكرسي وغاص برأسه بين ركبتيه.
قالت العمة كلوي: «ليرحمنا الرب! ما الذي فعله توم لكي يبيعه سيدنا؟» «لم يفعل أي شيء - لم يبعه لهذا السبب. إن سيدنا لا يريد أن يبيعه، وسيدتنا كذلك - إنها سيدة صالحة. لقد سمعتها وهي تتوسل إلى سيدنا وتستجديه باسمنا؛ لكنه أخبرها أن هذا لن يجدي نفعا؛ وأنه كان مدينا لذلك الرجل، وذلك الرجل كان صاحب سطوة عليه؛ وأن سيدنا إذا لم يدفع ما عليه من دين ويسدده، فكان سيضطر لأن يبيعه هذا المكان بكل ما فيه من أشخاص وينتقل من هنا. أجل، لقد سمعته يقول إنه ليس هناك خيار بين بيع هؤلاء الاثنين وبيع كل شيء، وكان الرجل قاسيا عليه في الاختيار.»
نامعلوم صفحہ
قالت كلوي: «حسنا أيها العجوز! لماذا لا تهرب معها أيضا؟ هل ستنتظر حتى تحمل في النهر؟ إنني لأفضل الموت على الذهاب في ذلك الاتجاه أبدا! لا يزال هناك وقت أمامك - اهرب مع ليزي - وأنت لديك إذن بالتنقل في أي وقت. هيا، هيئ نفسك وسأعد لك أشياءك.»
رفع توم رأسه ببطء ونظر حوله في حزن لكن في هدوء وقال: «لا، لا. لن أهرب. دعي ليزي تهرب - هذا حقها! لكنك سمعت ما قالته! إذا كان ولا بد أن أباع أنا أو أن يباع كل الأشخاص في هذا المكان ويتدمر كل شيء، فسأختار أن يتم بيعي أنا. كان سيدي دوما ما يجدني وقت حاجته - ولن أخذله أبدا. لم أخن ثقته من قبل قط، ولم أستخدم الإذن بحوزتي بأي طريقة تخالف تعهدي، لن أفعل أبدا. من الأفضل أن أرحل أنا وحدي بدلا من أن يتدمر المكان كله ويباع كل من فيه. لا ينبغي أن نلقي باللوم على سيدنا يا كلوي، كما أنه سيعتني بك وبهؤلاء المساكين.»
هنا استدار توم إلى السرير المهترئ الذي يعج بالأطفال الصغار ذوي الشعر الخشن، وانهار تماما. استند توم إلى ظهر الكرسي وغطى وجهه بيديه الكبيرتين، بينما اهتز الكرسي بفعل نحيبه المرتفع العميق والأجش، وتساقطت الدموع من بين أصابعه على الأرض.
قالت إلايزا بينما وقفت عند الباب: «والآن، لم أر زوجي منذ ظهيرة الأمس، ولم أكن أعرف حينها ما كان سيحصل. لقد أصبح لا يطيق وقد قال لي اليوم بأنه كان سيهرب. حاولوا أن تصلوا إليه وأن تخبروه كيف هربت ولماذا، وأخبروه بأنني سأحاول أن أذهب إلى كندا. وإذا لم أره مرة أخرى، فقولوا له إنني أحبه.» ثم أدارت ظهرها لهم ووقفت لحظة ثم أضافت في صوت أجش: «أخبروه أن يكون صالحا قدر إمكانه، وأن يقابلني في الجنة. واستدعيا الكلب برونو أيضا إلى هنا، وأغلقا الباب عليه، ذلك الكلب المسكين! لا ينبغي له أن يهرب معي!»
وبعد أن قالت بضع كلمات أخيرة، وذرفت بضع دمعات وودعتهم وتمنت لهم أن يباركهم الرب، حملت إلايزا طفلها بين ذراعيها وانطلقت بعيدا.
الفصل الثالث
في صبيحة اليوم التالي تساءلت السيدة شيلبي: «لماذا تأخرت إلايزا هكذا؟! لقد دققت الجرس ثلاث مرات ولا يمكنها سماعي! آندي.» فدخل طفل أسود يحمل مياها للحلاقة للسيد شيلبي «اذهب إلى باب غرفة إلايزا واستدعها.» ثم أضافت في نفسها بينما أطلقت تنهيدة: «آه، أيها الطفل المسكين!»
جاء آندي عبر الردهة يتأتئ من الدهشة وقال: «سيدتي، إن أشياء ليزي مبعثرة في غرفتها ويبدو أنها هربت!»
انتفضت السيدة شيلبي واقفة على قدميها ونظرت إلى زوجها. وصاحت قائلة: «شكرا للرب!» لكن السيد شيلبي غمغم بشيء لم يكن مسموعا وأسرع خارجا من الغرفة.
عج المكان بالكثير من الإثارة، لكن السيدة شيلبي كانت في غرفتها تذرعها جيئة وذهابا وهي تبكي وتدعو أن تتمكن الأم الشابة المسكينة من الهرب بسلام قبل أن يلحق بها هالي على حصانه السريع.
نامعلوم صفحہ
كان هناك مجموعة من العبيد السود يقفون وكأنهم غربان على حديد الشرفة حين ظهر التاجر.
سألت ماندي ذات الشعر الخشن كالصوف في نبرة تنم عن اهتمام كبير: «هل ستأخذ هاري الصغير؟»
أجابها التاجر بينما ضربها على ساقيها السوداوين العاريتين بسوطه: «أجل.»
تحول الوهن في وجهها إلى ابتسامة صفيقة وقالت: «هل ستأخذه الآن أم ستنتظر حتى تمسك به؟» وبينما كان التاجر ينظر إليها في دهشة رد عليها راستوس الذي كان جاثما على أحد العواميد: «لقد جعلت ليزي من نفسها صيدا لهم، أوه، ما الذي يجعلها تفعل ذلك؟»
كان هالي قد تقدم نحو المنزل بعد أن دفع بالعبيد على الأرض، فتركهم مجموعة من الأيادي والسيقان السوداء التي تتقافز وتضحك.
ثم تحدث مع السيد شيلبي حديثا قصيرا حانقا اتهمه فيه بأنه ساعد الأم وابنها على الهرب، ثم تلقى سام أمرا بأن يحضر الجياد بعد أن كان قابعا تحت أشعة الشمس ينتظر أن يحدث شيء مثير.
قال آندي لاهثا بينما أراد أن يشدد على أهمية كلماته: «لقد عصت ليزي الأمر وهربت، ويريد السيد منكم جميعا أن تساعدوا السيد هالي في اللحاق بها.»
قفز سام على قدميه وقال: «أوافقك الرأي! تلك المرأة الزنجية ذكية مثل توم، ولكنني سأحضرها إلى هنا في أقصر وقت ممكن.»
اقترب آندي منه كثيرا وحدثه بنبرة خفيضة: «أوه، أحقا؟ حسنا، إذا قبضت عليها فعلا فستجز لك سيدتنا شعرك. إنها لا تريد أن يلقى القبض على ليزي. أتسمعني! لقد سمعتها وهي تقول «شكرا للرب!» حين أخبرتها أن الفتاة قد هربت. إذا كنت لا تريد أن تلهب السيدة ظهرك بالسياط، فعليك أن تحرص على ألا يمسكوا بالفتاة اليوم!»
حك سام شعره الخشن وبدت عليه الحيرة، وعندما رأى التاجر وهو يقترب منهما، بادر قائلا: «تحرك سريعا وجهز تلك الجياد، كما أخبرتك. تتبع الآثار الآن أيها الألمعي، لقد سمعت السيدة وهي تقول «لماذا لا يساعدهم سام صاحب الأنف القوي مع كل من جيري وبيل؟»»
نامعلوم صفحہ
وعندما سمع سام ذلك بدأ يتعامل بجدية وسرعان ما عاد بالحصانين القويين في كامل تجهيزاتهما. كان حصان هالي فرسا يافعا مليئا بالحيوية والنشاط، وكان يتقافز ويتواثب بينما كان سام يسحبه من رسنه.
قال سام وقد لمعت عينه فجأة: «على رسلك! هل أنت خائف؟ حسنا، سأجهزك أنت وسيدك!»
كان هناك شجرة زان طويلة وكبيرة تظلل المكان وتحتها كانت ثمار أشجار الزان الصغيرة المدببة والمثلثة الشكل مبعثرة بكثرة في الأرجاء. اقترب سام بيده من الحصان بينما كان يحمل إحدى هذه الثمار في يده، وبدأ يداعبه ويربت عليه وبدا وكأنه يحاول تهدئة اهتياجه. تظاهر سام بأنه يعدل من وضع السرج، ووضع هذه الثمرة الحادة الصغيرة تحت السرج بطريقة تتسبب للحصان بالانزعاج عند أدنى حمولة عليه، وذلك من دون أن تصيبه بأي خدش أو جرح.
ثم قال سام وهو يدور بعينيه بينما اعتلت شفتيه ابتسامة تدل على أن الأمر قد أنجز: «ها أنا أحاول ضبط كل شيء!»
في هذه اللحظة ظهرت السيدة شيلبي في الشرفة العلوية وأومأت إليه. «لماذا تتلكأ يا سام؟ لقد أرسلت آندي ليخبرك أن تسرع.»
قال سام: «باركك الرب سيدتي! لا يمكن تجهيز الجياد في دقائق، إنهم سيذهبون إلى أقصى المراعي الجنوبية، والرب وحده يعلم ما يمكن أن يحدث!» «حسنا يا سام، ستذهب مع السيد هالي لتدله على الطريق وتساعده. كن حريصا على الجياد يا سام، تعلم أن الحصان جيري كان يعرج قليلا في الأسبوع الماضي، لا تركض به بسرعة كبيرة!»
قالت السيدة شيلبي كلماتها الأخيرة هذه بنبرة خفيضة وتأكيد قوي.
وتشقلب رأسا على عقب.
قال سام بينما رفع عينيه بنظرة تنم عن معان كثيرة: «لنترك الأمر كله لذلك الحصان اليافع.»
ثم قال بينما عاد إلى موقعه تحت شجرة الزان: «والآن يا آندي، أترى، لن أكون متفاجئا إذا ما طرح هذا الحصان السيد النبيل أرضا إذا حاول أن يمتطيه. تعرف يا آندي أن هذه المخلوقات يمكن أن تفعل مثل هذه الأشياء.» ثم نكز سام آندي في جانبه.
نامعلوم صفحہ
قال آندي بنبرة استحسان فوري: «عظيم!» «أجل، أترى يا آندي، تريد السيدة أن تمنحها بعض الوقت - هذا واضح ويمكن لأي شخص عادي أن يلاحظه. وكل ما أفعله أنني أوفر لها بعض الوقت. والآن، أترى، أطلق سراح تلك الجياد، دعها تتحرك بحرية في هذه المساحة وحتى الباب الخشبي، وأتوقع ألا ينطلق سيدنا مسرعا.»
ابتسم آندي.
ثم قال سام: «ولا يمكن لأي شخص أبدا أن يعرف ما سيفعله الحصان. وإذا حدث أن هرب حصان السيد هالي، فسيكون من الطبيعي أن نترك جيري وبيل لكي نساعده.»
وتبعه آندي.
وبدأ الاثنان ينفذان أشكالا كثيرة من رقصات صامتة للتعبير عن فرحتهما، ثم قفز سام في النهاية من الشرفة وأخذ يتشقلب حتى وصل إلى السياج وكأنه كرة سوداء كبيرة. وتبعه في ذلك آندي، فكان يتقافز على يديه وقدميه حتى حط عند أسفل المنحدر تماما في اللحظة نفسها التي خرج فيها السيد هالي من المنزل.
نادى عليهما قائلا: «تعاليا إلى هنا أيها الوغدان الأسودان! أحضرا حصاني.»
صاح سام: «أمرك سيدي!» بينما حل حزام اللجام من العامود وبعد لحظة جاء آندي برفقة الحصانين بيل وجيري.
قال التاجر: «أسرعا، واحرصا على ألا نضيع المزيد من الوقت.» ثم قفز إلى السرج فطرحه حصانه أرضا بقفزة منه ووثب بعيدا وهرع بأقصى سرعة له نحو النهاية البعيدة في الجهة الأخرى من الساحة، وتبعه بيل وجيري.
قفز هالي واقفا على قدميه وصاح: «أمسكا به!» بينما كان يحاول الجري خلف الجياد الهاربة. نظر آندي بعينين بريئتين من فوق كتفيه وقال: «أمرك يا سيدي، من المؤكد أننا سنمسك به، أليس كذلك أيها الفتيان الأذكياء؟ هيا أيها الأطفال، ستساعدوننا جميعا في الإمساك بحصان السيد هالي!»
بدأ خمسون فتى زنجيا أو أكثر بأعمار متفاوتة في الجري وهم يصيحون ويفتحون أذرعهم، وكانت الجياد بالطبع تفر وتتواثب وظلت بعيدة عن متناولهم. ثم اشتركت جميع كلاب المزرعة في العملية، وزادوا من حالة الفوضى، وبدا أن حصان التاجر السريع والمفعم بالحيوية يستمتع حين يرى مدى اقتراب مطارديه منه من دون أن يتمكنوا من الإمساك به. عدت الجياد الهاربة الثلاثة مسافة ميل تقريبا في أرض بها مرج، وبعد هذه الأرض كان هناك غابة مساحتها أربعون فدانا. كان سام قد ترك الحاجز بين الساحة وبين الغابة مفتوحا، فكانت الجياد بين الحين والآخر تختفي فيها لبرهة من الوقت ثم تعاود الظهور مرة أخرى ويبدو عليها وكأنها على استعداد لأن تستسلم. لكن في اللحظة التي تمتد إحدى الأيادي التي تلاحقهم نحو لجام أي منهم، كانت الجياد تهرب بعيدا بأقصى سرعة لديها، وكان التاجر يندفع ويستشيط غضبا، لكن صوته كان غير مسموع في خضم جلبة النباح والصياح وجلبة حوافر الجياد.
نامعلوم صفحہ
كان السيد شيلبي يحاول أن يصيح إليهم بالتوجيهات من النافذة، وكانت السيدة شيلبي في الشرفة العلوية تشاهدهم وتضحك وتبكي، بينما كانت تدعو بأن تحصل إلايزا وطفلها على المزيد من الوقت. وفي الساعة الثانية عشرة تقريبا، كان سام يمتطي ظهر الحصان جيري ويسير بجانبه حصان السيد هالي.
قال الوغد الأسود: «لقد أمسكنا به! ألم أقل لك إننا سنمسك به؟»
غمغم التاجر: «أنتما؟ لولاكما لما حدث كل هذا.»
خرجت السيدة شيلبي إلى الشرفة التحتية وعلى محياها ترتسم ابتسامة لطيفة.
فقالت بنبرة ودية: «ينبغي أن تنتظر يا سيد هالي حتى وقت الغداء، لن نؤخرك طويلا، كما أنه لا بد أنك تشعر بالتعب.»
نظر إليها الرجل بإمعان، لكنها بدت بمظهر بريء تماما، فقال الرجل: «شكرا لك سيدتي؛ أعتقد أنني سأنتظر بالفعل.»
بينما كان كل من آندي وسام آمنين تحت مظلة الحظيرة يتدحرجان على الأرض ويضحكان بسبب نجاحهما.
قال سام: «لن يغادر من هنا قبل الساعة الثانية، وبحلول تلك الساعة لا بد أن تكون ليزي قد قطعت مسافة كبيرة. هيا يا آندي، لنذهب إلى المطبخ. ستحرص سيدتنا على أن نتناول غداء ممتازا هذه المرة.»
الفصل الرابع
عبرت إلايزا حدود المزرعة والأيك والغابة، وسارت على طول الطريق حاملة طفلها بين ذراعيها. كانت كثيرا ما ترافق سيدتها لزيارة أقارب لها في إحدى القرى الصغيرة التي لم تكن تبعد كثيرا عن نهر أوهايو، وكانت تعرف الطريق جيدا. ووفقا لخطة هروبها العاجلة الأولى، فكرت إلايزا في أنها إن استطاعت عبور النهر فستتمكن من الذهاب إلى كندا حيث تعرف أنها ستكون بأمان مع طفلها. كانت تجري طوال الليل وكأنها أحد الأشباح، وقلما كانت تشعر بثقل ابنها الصغير على ذراعيها؛ لكن حين طلع النهار عرفت أنها ينبغي عليها أن تكون حذرة أكثر وألا تثير حولها الشكوك بفعل تعجلها. فعدلت من قلنسوتها وشالها، وأنزلت هاري عن ذراعيها ليمشي بجانبها؛ وحين كانت قدماه الصغيرتان تتعبان، كانت تدحرج أمامه ثمار التفاح وتشجعه على أن يجري خلفها. قطعت مع طفلها أميالا كثيرة بهذه الاستراتيجية، ثم حين وصلا إلى المسارات المليئة بالأشجار، رفعته إلى كتفها وهرعت به باتجاه النهر.
نامعلوم صفحہ