تعتبر فترة حكم بطليموس الرابع فيلوباتور بوجه عام نقطة تحول كبرى في تاريخ الأسرة الحاكمة؛ فقد كتب مرسوم رفح عقب انتصار فيلوباتور على الملك السوري في 22 من شهر يونيو عام 217 قبل الميلاد (هولبل 2001: 162-164). هذا وقد كان مرسوم رفح ثلاثي اللغة تماما مثل مرسوم كانوبوس ومرسوم حجر رشيد، ويظهر الملك فيه بالشكل الإغريقي يمتطي جوادا وفي يده رمح ويرتدي التاجين المصريين لمصر العليا والسفلى، خلفه أخته وزوجته أرسينوي الثالثة، مرتدية غطاء الرأس الملكي المعتاد. كانت تلك الصور للملك في الحرب شائعة إلى حد كبير في الرسومات البارزة في معبد رمسيس الثاني (في معبدي الكرنك والأقصر)، ومعبد رمسيس الثالث (في معبده الجنائزي في مدينة هابو على الضفة الغربية في طيبة). توجد على مسلة رفح نسخة مختصرة من هذا المرسوم، ومع ذلك فإن الرسالة تظل واحدة؛ ففي هذا المرسوم يمارس بطليموس الرابع دوره كمدافع عن مصر. وهكذا يمثل أسلوب التصوير وحده رسالة أيدولوجية وسياسية قوية (هولبل 2001: 165).
يرجع مرسوم حجر رشيد إلى عام 196 قبل الميلاد وتظهر عليه صورة مختلفة جدا عن صور نظرائه الأقدم (هولبل 2001: 165-166). ظل المرسوم يظهر نفس الاهتمام الدقيق بالتفاصيل عند وصف التماثيل الدينية لبطليموس الخامس التي ستوضع في كل المعابد المصرية. ومنح الكهنة، الذين كانوا سيؤدون الطقوس الدينية الملكية الجديدة لملكهم المراهق، أنفسهم ألقابا شرفية (هولبل 2001: 165). لكن ربما كان أكثر ما يعبر عن اضطراب تلك الفترة هو منح عامة الشعب المصري تخفيضا للضرائب وعفوا عاما في جرائم معينة. كانت حالات العفو العام هذه تمنح بسبب الثورات والانتفاضات التي كانت تحدث في ذلك الوقت في مصر. ويختم هولبل حديثه عن هذا المرسوم بقوله إنه يظهر ملكا يمارس دوره الديني لكنه مجبر على الخضوع لرغبات الكهنة (2001: 166).
طوال عصر البطالمة يمكن رؤية توجهات تظهر؛ فقد كان العصر الذهبي لحكم البطالمة عصر حكم أول ثلاثة ملوك. ويعتبر دوما عصر حكم بطليموس الرابع نقطة تغير وتحول فقد خلالها الملك سيطرته على مصر وعلى البلاط، غالبا - إذا كنا سنصدق كلام الكاتب القديم أثينوس - بسبب سلوكه الفاسق («مأدبة الحكماء» 12. 549إي). وبالمثل، فإن فترات الحكم المضطربة لبطليموس الخامس والسادس، اللذين كانا صغيري السن عند توليهما السلطة، كان لها دور فعال في انهيار هذه الأسرة الحاكمة.
عقب وفاة بطليموس الخامس، حكمت زوجته، كليوباترا الأولى، مع ابنهما بطليموس السادس؛ بينما ظلت ابنتها، التي ستصبح كليوباترا الثانية، في بلاط البطالمة. كان الوضع الذي وجدت كليوباترا الثانية نفسها فيه عقب وفاة والدتها كليوباترا الأولى في عام 176 قبل الميلاد مشابها في كثير من النواحي لوضع كليوباترا السابعة؛ فقد كان لها أخوان تزوجت أكبرهما وهو بطليموس السادس عام 176 قبل الميلاد على الأرجح في محاولة لتوطيد العلاقات الأسرية (وايتهورن 1994: 89). بعد ست سنوات انضم الأخ الأصغر بطليموس الثامن لأخويه على عرش مصر (وايتهورن 1994: 93 للمناقشة). عزل بطليموس السادس بعد ذلك من السلطة ونصب بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية حكاما (هولبل 2001: 183-186). يقول ليفيوس (45. 11. 6) إن كليوباترا هي التي سوت الخلاف بينهما وحاول الثلاثة الحكم معا مرة أخرى. استمرت المشكلات، ومع ذلك، كانت ثمة فوائد لكونها امرأة وكانت كليوباترا الثانية عضوا دائما في أي تحالف، ومنحها دورها الذي لا تحسد عليه المزيد من المرونة والسلطة أكثر من أخويها.
عقب وفاة بطليموس السادس عام 145 قبل الميلاد، تزوج بطليموس الثامن أخته وقتل ابن أخيه بطليموس السابع، في يوم زفافهما على حد قول جاستن، وبذلك يكون قد تخلص من الوريث الشرعي للعرش. يوصف عادة الحكم الفردي المضطرب لبطليموس الثامن، الذي نتج جزئيا عن قوة كليوباترا الثانية والثالثة، اللتين حكم معهما، بأنه يمثل النقطة التي لم يعد بالإمكان بعدها استعادة مجد الأسرة الحاكمة. في ذلك الوقت طلب من روما التدخل دفاعا عن مصلحة بطليموس الثامن. وفي المقابل، وكنوع من التأمين تعهد هو بضم مملكته إلى روما في حال موته دون وريث (هولبل 2001: 187).
في عام 132 / 131 قبل الميلاد نظمت كليوباترا الثانية ثورة ضد زوجها وأخيها بطليموس الثامن، الذي نفي إلى قبرص مع زوجته الثانية وابنة أخته كليوباترا الثالثة. سجل كل من ديودورس (34-35. 14) وجاستن (38. 12-13) رد فعله؛ فقد قتل ابنهما ممفيتس وأرسل جثمانه لأخته. استمرت كليوباترا الثانية في الحكم مع بطليموس الثامن. وعلى الرغم من جريمته البشعة الثالثة - أولى جرائمه هي قتل بطليموس السابع وثانيتهما اغتصاب كليوباترا الثالثة - فقد تلاها حكم ثلاثي آخر عام 130 قبل الميلاد بين بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية (الأخت) وكليوباترا الثالثة (الزوجة)، وكان مشحونا بالاضطراب مثل التحالف السابق لكنه استمر حتى عام 116 قبل الميلاد.
في وقت لاحق من حكم بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية والثالثة صدر عفو عام عن جميع الجرائم ما عدا القتل وتدنيس المقدسات (بي. تيبت. 5). في الوقت نفسه كان بطليموس الثامن يمول أحد أكبر مشاريع بناء المعابد في أسرته الحاكمة في جميع أنحاء مصر في مدن تمثل مراكز دينية مصرية تقليدية (أشتون 2003ب: 217-219). تحت حكم بطليموس الثامن كان ينظر إلى كل من الطبقة الأرستقراطية المصرية وعامة الشعب بعين الاعتبار في محاولة لتهدئة الوضع السياسي بعد الحروب الأهلية، فأنشئت مدن جديدة في صعيد مصر خلال حكم بطليموس السادس أو الثامن. واستقرت قوات الجيش فيها مثلما استقر المستوطنون الإغريق الأوائل في الفيوم خلال حكم بطليموس الأول والثاني، فكانت هذه السياسات امتدادا موهنا للسياسات التي طبقت تحت حكم حكام الأسرة الأوائل، عندما كان الإغريق يحصلون على الأرض كمكافآت (طومسون 2006: 98-104، ورولاندسون 2003: 254-259).
في عام 116 قبل الميلاد توفي بطليموس الثامن وترك مصر إلى زوجته المفضلة كليوباترا الثالثة (جاستن 39. 3. 1)، رغم أن والدتها كان ما تزال على قيد الحياة وحكمت مع ابنتها في السنة الأولى التي تلت وفاة زوجهما. وضع هذا الملكة الشابة في موقف قوي ومعرض للخطر في الوقت نفسه. وفقا لما جاء في وصية بطليموس الثامن كان مسموحا لها أن تختار أيا من أبنائها لتشاركه الحكم. وفي الواقع أجبرت على تغيير ولائها بين ابنيها الاثنين، بناء على اختيار والدتها في البداية ثم على أساس أكثرهما شعبية لدى أهالي الإسكندرية (هولبل 2001: 205). تصور كليوباترا الثالثة بوجه عام على نحو مثير للشفقة بوصفها ضحية لشهوة خالها بطليموس الثامن في السنوات الأولى من حياتها، ما نتج عنه كما أشرنا، الحكم المشترك غير الموفق بين هذا الحاكم وكليوباترا الثانية وابنتها كليوباترا الثالثة (جاستن 38. 8). لكن خلف هذه الانطباعات الأدبية الأخيرة كانت تكمن امرأة تهدف بوضوح لزيادة سلطتها ورفع مكانتها. وقد رأى ابنها بطليموس العاشر أنها تمثل تهديدا واضحا، وقتلت عام 101 قبل الميلاد. (2) تصوير الحكم الملكي البطلمي
لا تتضح الحدود الفاصلة بين الحكم الملكي الإغريقي الهلنستي والحكم الملكي المصري على الفور دوما وتتأثر بطريقة التعامل العلمية الحديثة مع الموضوع، فيجد علماء المصريات بسهولة أوجه تشابه من العصور القديمة، بينما يقارن دارسو العصر الكلاسيكي سريعا التطورات الموجودة في ممالك هلنستية أخرى، وهم لا يدركون أحيانا أن أوجه التشابه تلك متأصلة بشدة في تقاليد أصلية أخرى.
يمكن تتبع أيدولوجية الحكم الملكي عبر المراسيم المذكورة آنفا. ويمكن للسجل الأثري أن يوضح أيضا ما إن كان الحكام يرون أنفسهم ملوكا إغريقا أم مصريين ويوضح تحولا مثيرا للاهتمام في تصوير البيت الملكي في بداية القرن الثاني قبل الميلاد. قلد الحكام الأوائل، من بطليموس الأول وحتى بطليموس الرابع، سمات التماثيل ذات الطابع المصري لحكام الأسرة الثلاثين. واستمر هذا الأسلوب التقليدي حتى نهاية عصر البطالمة (أشتون 2003ب: 218-220، 2004ب: 545). لكن في عهد بطليموس الخامس ظهرت ظاهرة جديدة (أشتون 2001أ: 25-36، ستانويك 2002: 56-57 و85-88)؛ فقد بدأ الفنانون المصريون في صنع تماثيل تعرض الصورة الإغريقية للحاكم الذكر ويظهر في بعضها الشعر تحت غطاء للرأس. أما صور النساء من الأسرة الحاكمة فتحاكي صور أزواجهن. وفي الوقت نفسه كان الحكام الأوائل يأمرون برسم «صور» لهم على الطراز الإغريقي أو ترسم بالنيابة عنهم. يمكن التعرف على هذه الصور إلى حد كبير من خلال مقارنة الأعمال النحتية بصور الحكام والملكات زوجاتهم الموجودة على العملات. يظهر بعضها صورا لا تحمل طابعا مثاليا لحكام مثل بطليموس الثامن وابنيه بطليموس التاسع والعاشر؛ ففي تلك الفترة حدث انخفاض في أعداد التماثيل على الطراز الإغريقي. كذلك توقفت العملات التي صدرت في عهد بطليموس التاسع والعاشر عن استخدام الصور الملكية على وجهيها. أعيد إدخال هذه السمة مرة أخرى خلال عهد بطليموس الثاني عشر والد كليوباترا.
نامعلوم صفحہ