النوع الأول:
لا يحتاج هذا النوع إلى شرح طويل، فالفرق بين الحر والرقيق واضح جلي، وقد كان الاسترقاق فاشيا في العصور الماضية، ولم يكن ينظر إليه بعين المقت التي ينظر إليه بها اليوم، حتى إن أرسطو - أكبر فلاسفة اليونان - كان يرى أن بعض الناس بفطرته غير قادر على أن يتصرف في شؤون نفسه فخير له أن يكون رقيقا يدبر غيره أمره - وفي العصور الحديثة ساد القول بأن الحرية حق طبيعي لكل إنسان، وبعبارة أخرى حق منحه الله للإنسان منذ ولد.
وإنما منح الناس جميعا الحرية لسببين: أولهما أن حب الحرية متأصل في نفس كل إنسان، فمن الظلم أن نسلبه هذه الرغبة، وثانيهما أن الإنسان لا يستطيع أن يقرر شؤونه بنفسه إلا إذا كان حرا، أى أنه لا يمكن أن يكون مسئولا إلا إذا كان حرا، أعني أنه لا يكون إنسانا إلا إذا كان حرا.
قد ينعم بعض الناس في ظل العبودية أكثر مما ينعمون في ظل الحرية، وبعض الأرقاء كانوا أسعد حالا من بعض العمال اليوم، ولكن قل أن يرضى هؤلاء العمال بحريتهم بديلا، قد تكون الحرية مدرسة شاقة متعبة، ولكنها المدرسة الوحيدة التي يتعلم فيها الإنسان أن يكون إنسانا حقا.
النوع الثاني:
حرية الأمم أي استقلالها. والأمة تحب أن تتمتع بحريتها وتحكم نفسها، كما يحب الفرد أن يكون سيد نفسه، وتحس الضعة والمذلة إذا حكمها غيرها.
فإن قلت: ما الفائدة التي تعود على الأمة من استقلالها، قلنا: إن فائدتها من ذلك كفائدة من يفك الحجر عنه، فإنا إذا منحنا المحجور عليه حرية التصرف فقد يخطئ، ولكن هذا هو خير طريق ليعتني بشؤونه وليكون مسئولا، وأنه إذا كان حر التصرف زاد طموحه لتكميل نفسه ، وشعر بأنه إنسان حقا، وكذلك الشأن في الأمم، إذا منحت استقلالها شعرت بمسئوليتها، وطمحت ببصرها لتكون خيرا مما هي، واعتقدت أن نتيجة مجهودها لها لا لغيرها فضاعف ذلك في جدها.
ووجه آخر، وهو أن الأمة إذا كانت محكومة بأخرى فكثيرا ما يحدث أن تتعارض مصالح الأمتين فيحدث الإحتكاك ويكثر التصادم وفي ذلك ما يعوق الأمة عن التقدم.
وعلى الجملة فلا تحس الأمة شخصيتها إلا إذا نالت حريتها، ولا تنهض وتجد في نيل كمالها إلا إذا كانت تدير شؤون نفسها بنفسها، وهذا النوع من الحرية هو الخطوة الأولى في كثير من الأحيان لتحقيق الأنواع الأخرى كالحرية المدنية والسياسية.
النوع الثالث:
نامعلوم صفحہ