الحقوق والواجبات
(1) معنى الحق والواجب
ما للإنسان يسمى «حقا»، وما عليه يسمى «واجبا»، فإذا كان لي مائة جنيه على آخر يقال: إن لي حقا أن آخذ منه مائة جنيه، وواجب عليه أن يدفع لي هذا المبلغ.
والحق والواجب متلازمان، فمتى كان لشخص حق كان هناك واجب، بل الواقع أن كل حق يستلزم واجبين: واجبا على الناس أن يحترموا حق ذى الحق ولا يتعرضوا له أثناء فعله، وواجبا على ذى الحق نفسه، وهو أن يستعمل حقه في خيره وخير الناس، فمثلا إذا كان لي بيت فهو حق لي، وذلك يستلزم واجبين: واجبا على الناس ألا يتعدوا على هذا البيت بضرر، وأن يحترموا حقي في ملكيته وواجبا علي وهو أن أستعمل البيت في خيري وخير الناس، فإذا أشعلت فيه نارا أريد إحراقه أو آذيت الناس بايجاره لعمل مقلق للراحة لم أكن أديت ما وجب علي، وهكذا.
ولكن جهة التنفيذ في الواجبين ليست واحدة - فالذي ينفذ الواجب الأول هو القانون الوضعي - غالبا - فإذا تعدى أحد على بيتي فغصبه متى كان القانون الوضعي هو الذى يحمينى، فأستطيع أن أرفع الأمر إلى المحاكم، والقاضي يلزمه بمراعاة حقي وينفذ ما يجب عليه، أما الواجب الثاني - وهو الواجب علي في استعمال حقي على أحسن وجه - فليس الذى ينفذه هو القانون الوضعي - غالبا - وإنما يأمر به القانون الأخلاقي، ويترك تنفيذه إلى ذى الحق نفسه، وإلى الرأي العام، فلو أني هدمت بيتي وهو عامر، أو أتلفت هندسته، أو تركته مهجورا لا أسكنه ولا أسكنه لم يتدخل القانون الوضعي في ذلك، وإنما يتدخل القانون الأخلاقي، فيأمرني أن أعمل الواجب علي من استعمال بيتي لخيري وخير الناس، ويلومني إذا لم أتبع ذلك، وكذلك يلومني الرأي العام، فإذا قال القانون الوضعي: «لكل مالك أن يتصرف في ملكه كيف يشاء» فإن الأخلاق تقول: «ليس للمالك أن يتصرف في ملكه إلا بما فيه الخير له وللناس». (2) أساس الحق والواجب
لم كان لي حقوق وعلي واجبات؟ يقولون مثلا: إن لي حقا في أن أتعلم، وحقا في أن أكون حرا، وأن علي واجبا أن أرعى حقوق الناس، وأن أؤدى ما علي من الواجبات، فما الذي رتب هذه الحقوق وهذه الواجبات؟ وهلا يمكن الناس أن يعيشوا من غير حقوق وواجبات؟
أساس الحقوق والواجبات هو المعيشة الاجتماعية، فالإتصال الوثيق بين الفرد ومجتمعه الذى شرحناه في الفصل السابق هو أساس فكرة الحق والواجب، فلو أن الفرد يعيش وحده ما كان هناك معنى لحق ولا واجب، بل كان له أن يفعل ما يشاء بلا قيد ولا شرط، ولكنه لما كان عضوا في مجتمع، وكان المجتمع ككل جسم حي لا بد من أعمال للمحافظة عليه، وإذا لم تعمل تعرض المجتمع للخطر والفناء أو التدهور نشأت من ذلك فكرة الحق والواجب، فالأشياء الضرورية لبقاء المجتمع كالمحافظة على الأرواح والأموال سميناها حقوقا للأفراد في المرتبة الأولى وأوجبنا على كل فرد أن يحترمها، وأوقعنا العقوبات الشديدة على من ينتهك حرمتها، صونا للمجتمع من الفناء، والأشياء التي هي سبب في رفاهية المجتمع وكماله كالتعليم جعلناها حقوقا في المرتبة الثانية وأوجبناها وجوبا أقل من المسائل الأولى.
ولنذكر الآن بعض تلك الحقوق وما يجب بإزائها. (2-1) حق الحياة
لكل إنسان الحق أن يحيا، ولكن لما كانت معيشة الإنسان معيشة اجتماعية وكانت الحقوق التي له مستفادة من قبل المجتمع كان عدلا أن يضحي الفرد بحياته لحفظ حياة المجتمع إذا اقتضى الحال ذلك، كما إذا هوجمت الأمة من أمة أخرى قصد الإستيلاء عليها فتجند من أبنائها من يدافع عنها، وهذه أحوال نادرة، أما فيما عداها فحق الحياة حق مقدس لا يسمح به لأي شيء آخر.
وهذا الحق مع وضوحه قد جهلته بعض الأمم في بداوتها، فبعض قبائل العرب في جاهليتها كانت تئد البنات خوفا من العار، وتئد الأولاد خشية الفقر، وكثير من الأمم كانت تقتل أسرى الحرب متى ظفرت بهم - وفي بعض الأمم الآخذة بحظ وافر من المدنية لا يزال حق الحياة عندهم معرضا للخطر أحيانا، كما هو الشأن عند الأمم التي تبيح المبارزة، ولو أن الناس قدروا الحياة حق قدرها وتقدموا في فهم حقها لما تحاربوا، وحق الحياة لا يمكن أن يوفر لكل أفراد الأمة ما لم تتوافر لهم وسائل المحافظة على الحياة، وذلك بسهر الحكومة على المحافظة على الأمن والقبض على المجرمين ونحو ذلك، كما أنه لا يمكن أن يوفر حق الحياة إلا بتوفير وسائل المعيشة، حتى لا تقع الأمة في مجاعة، أو يكثر فيها العاطلون الذين لا يجدون ما يقيم أودهم، ويحفظ حياتهم.
نامعلوم صفحہ