عَطاء الذّكر هُوَ مجَالِس الْحَلَال وَالْحرَام. كَيفَ تشتري كَيفَ تبيع وَتصلي، وتصوم وتحج، وَتنْكح وَتطلق وَأَشْبَاه ذَلِك، وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة. لم يُعْط أحد بعد النُّبُوَّة أفضل من الْعلم وَالْفِقْه فِي الدّين وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو ذَر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا بَاب من الْعلم نتعلمه أحب إِلَيْنَا من ألف رَكْعَة تَطَوّعا، وَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لمَوْت ألف عَابِد قَائِم اللَّيْل صَائِم النَّهَار أَهْون من موت الْعَالم الْبَصِير بحلال الله تَعَالَى وَحَرَامه، والآيات وَالْأَخْبَار والْآثَار فِي ذَلِك كَثِيرَة.
فَإِذا كَانَ الْفِقْه بِهَذِهِ الْمرتبَة الشَّرِيفَة. والمزايا المنيفه. كَانَ الاهتمام بِهِ فِي الدرجَة الأولى. وَصرف الْأَوْقَات النفيسة بل كل الْعُمر فِيهِ أولى، لِأَن سَبيله سَبِيل الْجنَّة. وَالْعَمَل بِهِ حرز من الْمنَار وجنة، وَهَذَا لمن طلبه للتفقه فِي الدّين على سَبِيل النجَاة لقصد الترفع على الأقران وَالْمَال والجاه، قَالَ رَسُول الله ﷺ: " من تعلم علما مِمَّا يبتغى بِهِ وَجه الله تَعَالَى لَا يتعلمه إِلَّا ليصيب بِهِ غَرضا من الدُّنْيَا لم يجد عرف الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة "، وَقَالَ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من طلب الْعلم ليماري بِهِ السُّفَهَاء أَو يكاثر بِهِ الْعلمَاء أَو يصرف وُجُوه النَّاس إِلَيْهِ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " ورد من رِوَايَة كَعْب بن مَالك وَقَالَ: " أدخلهُ الله النَّار " عَافَانَا الله الْكَرِيم من ذَلِك.
اعْلَم أَن طلاب الْعلم مُخْتَلفُونَ باخْتلَاف مقاصدهم، وهممهم مُخْتَلفَة باخْتلَاف مَرَاتِبهمْ فَهَذَا يطْلب الغوص فِي الْبَحْر وَنَحْوه لنيل الدُّرَر الْكِبَار، وَهَذَا يقنع بِمَا يجد فِي غَايَة الِاخْتِصَار، ثمَّ هَذَا القانع صنفان: أَحدهمَا ذُو عِيَال قد غَلبه الكد، وَالْآخر مُتَوَجّه إِلَى الله تَعَالَى بِصدق وجد. فَلَا الأول يقدر على مُلَازمَة الْخلق، والسالك مَشْغُول بِمَا هُوَ بصدده لَيْلَة ونهاره مَعَ نَفسه فِي قلق، فَأَرَدْت رَاحَة كل مِنْهُمَا بِبَقَاء مَا هُوَ عَلَيْهِ وَترك سعى كل مِنْهُمَا فِيمَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ وَأَرْجُو من الله الْعَزِيز الْقَدِير. تسهيل مَا يحصل بِعْ الْإِيضَاح والتيسير. فَإِنَّهُ رَجَاء الراجين. وَجَابِر الضُّعَفَاء والمنكسرين، ووسمت كتابي هَذَا ب (كِفَايَة الأخيار، فِي حل غَايَة الإختصار) وأسأل الله الْعَظِيم الْغفار. الْعَفو عني وَعَن أحبابي من مكره وغضبه وَعَذَاب النَّار، إِن على مَا يَشَاء قدير، وبالإيجابة جدير. قَالَ الشَّيْخ ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين﴾ [الْحَمد] هُوَ الثَّنَاء على الله تَعَالَى بجميل صِفَاته الذاتية وَغَيرهَا، وَالشَّر هُوَ الثَّنَاء عَلَيْهِ بإنعامه، وَلِهَذَا يحسن أَن تَقول حمدت فلَانا على علمه وسخائه وَلَا تَقول شكرته على علمه، فَكل شكر حمد وَلَيْسَ كل حمد شكرا، وَقيل غير ذَلِك (لله) اللَّام فِي الِاسْم الْكَرِيم للاستحقاق مَا تَقول الدَّار لزيد، وأضيف الْحَمد إِلَى هَذَا الِاسْم الْكَرِيم دون بَقِيَّة الْأَسْمَاء لِأَنَّهُ اسْم ذَات وَلَيْسَ بمشتق، والمحققون على أَنه مُشْتَقّ [رب الْعَالمين] الرب يكون
1 / 8
بِمَعْنى الْمَالِك وَيكون بِمَعْنى التربية والإصلاح، لهَذَا يُقَال ربى فلَان الضَّيْعَة: أَي أصلحها فَالله تَعَالَى مَالك الْعَالمين ومربيهم ﷾، وَالْعَالمِينَ جمع عَالم لَا وَاحِد لَهُ من لفظ، وَاخْتلف الْعلمَاء فيهم فَقيل هم الْإِنْس وَالْجِنّ قَالَه ابْن عَبَّاس، وَقيل جَمِيع المخلوقين. قَالَه قَتَادَة وَالْحسن وَمُجاهد. قَالَ: (وَصلى الله على مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ)
الصَّلَاة من الله الرَّحْمَة، وَمن الْمَلَائِكَة الاسْتِغْفَار وَمن الْآدَمِيّ تضرع وَدُعَاء، وَسمي رَسُول الله ﷺ مُحَمَّدًا لِكَثْرَة خصاله المحمودة، وَاخْتلف فِي الْآل فَقيل هم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِي وَأَصْحَابه، وَقيل هم عترته وَأهل بَيته، وَقيل آله جَمِيع أمته وَاخْتَارَهُ جمع من الْمُحَقِّقين وَمِنْهُم الْأَزْهَرِي [وَالْأَصْحَاب] جمع صَاحب، وَهُوَ كل مُسلم رأى النَّبِي ﷺ وَصَحبه وَلَو سَاعَة، وَقيل من طَالَتْ صحبته ومجالسته، وَالْأول هُوَ الرَّاجِح عِنْد الْمُحدثين، وَالثَّانِي هُوَ الرَّاجِح عِنْد الأصولين. قَالَ الشَّيْخ: (سَأَلَني بعض أصدقائي حفظهم الله تَعَالَى أَن أعمل مُخْتَصرا فِي الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي فِي غَايَة الإختصار وَنِهَايَة الإيجاز يخف على الطَّالِب فهمه ويسهل على الْمُبْتَدِئ حفظه وَأَن أَكثر فِيهِ من التقسيمات وَحصر الْخِصَال فأجبته إِلَى ذَلِك طَالبا للثَّواب. رَاغِبًا إِلَى الله سُبْحَانَهُ فِي التَّوْفِيق للصَّوَاب. إِنَّه على مَا يَشَاء قدير. وبعبادة خَبِير بَصِير) [الْمُخْتَصر] مَا قل لَفظه وَكَثُرت مَعَانِيه، و[مَذْهَب الشَّافِعِي] طَرِيقَته، وَالشَّافِعِيّ مَنْسُوب إِلَى جده شَافِع، وكنيته أَبُو عبد الله، واسْمه مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان بن شَافِع بن السَّائِب بن عبيد بن يزِيد بن هَاشم بن الْمطلب بن عبد منَاف، ويلتقي مَعَ رَسُول الله ﷺ فِي عبد منَاف، فَإِنَّهُ ﵊ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف، وَالنِّسْبَة الصَّحِيحَة إِلَيْهِ شَافِعِيّ، وشفعوي لحن، وَغَايَة الشَّيْء مَعْنَاهَا ترَتّب الْأَثر على ذَلِك الشَّيْء كَمَا تَقول غَايَة البيع الصَّحِيح حل الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ، و[غَايَة] الصَّلَاة الصَّحِيحَة إجزاؤها وَعدم الْقَضَاء، وَالْمرَاد هُنَا نِهَايَة وجازة اللَّفْظ، و[التَّوْفِيق] هُوَ خلق قدرَة الطَّاعَة بِخِلَاف الخذلان فَإِنَّهُ خلق قدرَة الْمعْصِيَة، و[الصَّوَاب] ضد الْخَطَأ وَالله أعلم.
1 / 9
كتاب الطَّهَارَة الْكتاب مُشْتَقّ من الْكتب وَهُوَ الضَّم وَالْجمع يُقَال تكْتب بَنو فلَان إِذا اجْتَمعُوا وَمِنْه كَتِيبَة الرمل وَالطَّهَارَة فِي اللُّغَة النَّظَافَة تَقول طهرت الثَّوْب أَي نظفته وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن رفع الْحَدث أَو إِزَالَة النَّجس أَو مَا فِي مَعْنَاهُمَا أَو على صورتهما كالغسلة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة والأغسال المسنونة وتجديد الْوضُوء وَالتَّيَمُّم وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يرفع حَدثا وَلَا يزِيل نجسا وَلكنه فِي مَعْنَاهُ قَالَ
أَنْوَاع الْمِيَاه
(الْمِيَاه الَّتِي يجوز بهَا التَّطْهِير سبع مياه مَاء السَّمَاء وَمَاء الْبَحْر وَمَاء النَّهر وَمَاء الْبِئْر وَمَاء الْعين وَمَاء الثَّلج وَمَاء الْبرد) الأَصْل فِي مَاء السَّمَاء قَوْله تَعَالَى ﴿وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء مَاء ليطهركم بِهِ﴾ وَغَيرهَا وَفِي مَاء الْبَحْر قَوْله ﷺ لما سُئِلَ عَن مَاء الْبَحْر فَقَالَ
(هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته) وَفِي مَاء الْبِئْر حَدِيث سهل ﵁ (قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك تتوضأ من بِئْر بضَاعَة وفيهَا مَا يُنجي النَّاس وَالْحَائِض وَالْجنب فَقَالَ رَسُول الله ﷺ (المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شىء) وَمَاء
1 / 11
النَّهر وَمَاء الْعين فِي مَعْنَاهُ وَأما مَاء الثَّلج وَمَاء الْبرد فَالْأَصْل فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ واسْمه عبد الرَّحْمَن بن صَخْر على الْأَصَح قَالَ
(كَانَ رَسُول الله ﷺ إِذا كبر فِي الصَّلَاة سكت هنيه قبل أَن يقْرَأ فَقلت يَا رَسُول الله مَا تَقول قَالَ أَقُول اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب اللَّهُمَّ نقني من خطاياي كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس اللَّهُمَّ اغسلني من خطاياي بِمَاء الثَّلج وَالْبرد) قَالَ
بَاب أَقسَام الْمِيَاه
(ثمَّ الْمِيَاه على أَرْبَعَة أَقسَام طَاهِر مطهر غير مَكْرُوه وَهُوَ المَاء الْمُطلق) المَاء الَّذِي يرفع الْحَدث ويزيل النَّجس هُوَ المَاء الْمُطلق وَاخْتلف فِي حَده فَقيل هُوَ العاري عَن الْقُيُود وَالْإِضَافَة اللَّازِمَة وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة وَالْمُحَرر وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فَقَوله عَن الْقُيُود خرج بِهِ مثل قَوْله تَعَالَى ﴿من مَاء مهين﴾ ﴿من مَاء دافق﴾ وَقَوله الْإِضَافَة اللَّازِمَة خرج بِهِ مثل مَاء الْورْد وَنَحْوه وَاحْترز بِالْإِضَافَة الْإِضَافَة غير اللَّازِمَة كَمَاء النَّهر وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا تخرجه هَذِه الْإِضَافَة عَن كَونه يرفع الْحَدث ويزيل النَّجس لبَقَاء الْإِطْلَاق عَلَيْهِ وَقيل المَاء الْمُطلق هُوَ الْبَاقِي على وصف خلقته وَقيل مَا يُسمى مَاء وَسمي مُطلقًا لِأَن المَاء إِذا أطلق انْصَرف إِلَيْهِ وَهَذَا مَا ذكره ابْن الصّلاح وَتَبعهُ النَّوَوِيّ عَلَيْهِ فِي شرح الْمُهَذّب قَالَ
(وطاهر مطهر مَكْرُوه وَهُوَ المَاء المشمس) هَذَا هُوَ الْقسم الثَّانِي من أَقسَام المَاء وَهُوَ المشمس وَهُوَ طَاهِر فِي نَفسه لم يلق نَجَاسَة ومطهر أَي يرفع الْحَدث ويزيل النَّجس لبَقَاء إِطْلَاق اسْم المَاء عَلَيْهِ وَهل يكره فِيهِ الْخلاف الْأَصَح عِنْد الرَّافِعِيّ أَنه يكره وَهُوَ الَّذِي جزم بِهِ المُصَنّف وَاحْتج لَهُ الرَّافِعِيّ بِأَن رَسُول الله ﷺ
(نهى عَائِشَة ﵂ عَن المشمس وَقَالَ إِنَّه يُورث البرص وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ
(من اغْتسل بِمَاء مشمس فَأَصَابَهُ وضح فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه) وَكَرِهَهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ إِنَّه يُورث البرص فعلى هَذَا إِنَّمَا يكره المشمس بِشَرْطَيْنِ
1 / 12
أَحدهمَا أَن يكون التشميس فِي الْأَوَانِي المنطبعة كالنحاس وَالْحَدِيد والرصاص لِأَن الشَّمْس إِذا أثرت فِيهَا خرج مِنْهَا زهومة تعلو على وَجه المَاء وَمِنْهَا يتَوَلَّد البرص وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك فِي إِنَاء الذَّهَب وَالْفِضَّة لصفاء جوهرهما لكنه يحرم استعمالهما على مَا يَأْتِي ذكره فَلَو صب المَاء المشمس من إِنَاء الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي إِنَاء مُبَاح لَا يكره لفقد الزهومة وَكَذَا لَا يكره فِي أواني الخزف وَغَيرهَا لفقد الْعلَّة الشَّرْط الثَّانِي أَن يَقع التشميس فِي الْبِلَاد الشَّدِيدَة الْحَرَارَة دون الْبَارِدَة والمعتدلة فَإِن تَأْثِير الشَّمْس فيهمَا ضَعِيف وَلَا فرق بَين أَن يقْصد التشميس أم لَا لوُجُود الْمَحْذُور وَلَا يكره المشمس فِي الْحِيَاض والبرك بِلَا خلاف وَهل الْكَرَاهَة شَرْعِيَّة أَو إرشادية فِيهَا وَجْهَان أصَحهمَا فِي شرح الْمُهَذّب أَنَّهَا شَرْعِيَّة فعلى هَذَا يُثَاب على ترك اسْتِعْمَاله وعَلى الثَّانِي وَهِي أَنَّهَا إرشادية لَا يُثَاب فِيهَا لِأَنَّهَا من وجهة الطِّبّ وَقيل إِن المشمس لَا يكره مُطلقًا وَعَزاهُ الرَّافِعِيّ إِلَى الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة قَالَ النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وَهُوَ الرَّاجِع من حَيْثُ الدَّلِيل وَهُوَ مَذْهَب أَكثر الْعلمَاء وَلَيْسَ للكراهية دَلِيل يعْتَمد وَإِذا قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه لَا تمنع صِحَة الطَّهَارَة وَيخْتَص اسْتِعْمَاله بِالْبدنِ وتزول بالتبريد على الْأَصَح وَفِي الثَّالِث يُرَاجع الْأَطِبَّاء وَالله أعلم انْتهى وَمَا صَححهُ من زَوَال الْكَرَاهِيَة بالتبريد قد صحّح الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير بقاءها وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب الصَّوَاب أَنه لَا يكره وَحَدِيث عَائِشَة هَذَا ضَعِيف بِاتِّفَاق الْمُحدثين وَمِنْهُم من جعله مَوْضُوعا وَكَذَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عَمْرو الْخطاب أَنه يُورث البرص ضَعِيف لِاتِّفَاق الْمُحدثين على تَضْعِيف إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد وَحَدِيث ابْن عَبَّاس غير مَعْرُوف وَالله أعلم وَمَا ذكره من أثر عمر ﵁ فَمَمْنُوع ودعواه الِاتِّفَاق على تَضْعِيف إِبْرَاهِيم أحد الروَاة غير مُسلم فَإِن الشَّافِعِي وَثَّقَهُ وَفِي تَوْثِيق الشَّافِعِي كِفَايَة وَقد وَثَّقَهُ غير وَاحِد من الْحفاظ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد آخر صَحِيح قَالَ النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وَيكرهُ شَدِيد الْحَرَارَة والبرودة وَالله أعلم وَالْعلَّة فِيهِ عدم الإسباغ وَقَالَ فِي آبار ثَمُود إِنَّه مَنْهِيّ عَنْهَا فَأَقل الْمَرَاتِب أَنه يكره اسْتِعْمَالهَا قَالَ
(وطاهر غير مطهر وَهُوَ المَاء الْمُسْتَعْمل)
1 / 13
هَذَا هُوَ الْقسم الثَّالِث من أَقسَام المَاء وَهُوَ المَاء الْمُسْتَعْمل فِي رفع الْحَدث أَو إِزَالَة النَّجس إِذا لم يتَغَيَّر وَلَا زَاد وَزنه فَهُوَ طَاهِر لقَوْله ﵊
(خلق الله المَاء طهُورا لاينجسه شَيْء إِلَّا مَا غير طعمه أَو رِيحه) وَفِي رِوَايَة
(أَو لَونه) وَهُوَ ضَعِيف وَالثَّابِت
(طعمه أَو رِيحه) فَقَط وَهل هُوَ طهُور يرفع الْحَدث ويزيل النَّجس أَيْضا فِيهِ خلاف الْمَذْهَب أَنه غير طهُور لِأَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم مَعَ شدَّة اعتنائهم بِالدّينِ مَا كَانُوا يجمعونه ليتوضؤوا بِهِ ثَانِيًا وَلَو كَانَ ذَلِك سائغًا لفعلوه وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي عِلّة منع اسْتِعْمَاله ثَانِيًا وَالصَّحِيح أَنه تأدى بِهِ فرض وَقيل إِنَّه تأدى بِهِ عبَادَة وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِي صُورَتَيْنِ الأولى فِيمَا اسْتعْمل فِي نفل الطَّهَارَة كتجديد الْوضُوء والأغسال المسنونة والغسلة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فعلى الصَّحِيح يكون المَاء طهُورا لِأَنَّهُ لم يتأد بِهِ فرض وعَلى الضَّعِيف لَا يكون طهُورا لِأَنَّهُ تأدى بِهِ عبَادَة وَلَا خلاف أَن مَاء الرَّابِعَة طهُور على العلتين لِأَنَّهُ لم يتأد بِهِ فرض وَلَا هِيَ مَشْرُوعَة والغسلة الأولى غير طهُور على العلتين لتأدى الْفَرْض وَالْعِبَادَة بِمَائِهَا الصُّورَة الثَّانِيَة المَاء الَّذِي اغْتَسَلت بِهِ الْكِتَابِيَّة عَن الْحيض لتحل لزَوجهَا الْمُسلم هَل هُوَ طهُور يَنْبَنِي على أَنَّهَا لَو أسلمت هَل يلْزمهَا إِعَادَة الْغسْل فِيهِ خلاف إِن قُلْنَا لَا يلْزمهَا فَهُوَ غير طهُور وَإِن قُلْنَا يلْزمهَا إِعَادَة الْغسْل وَهُوَ الصَّحِيح فَفِي المَاء الَّذِي استعملته حَال الْكفْر وَجْهَان بينان على العلتين إِن قُلْنَا إِن الْعلَّة تأدى الْفَرْض فالماء غير طهُور وَإِن قُلْنَا إِن الْعلَّة تأدى الْعِبَادَة فَهُوَ طهُور لِأَن الْكَافِرَة لَيست من أهل الْعِبَادَة وَاعْلَم أَن الزَّوْجَة الْمَجْنُونَة إِذا حَاضَت وغسلها زَوجهَا حكمهَا حكم الْكَافِرَة فِيمَا ذَكرْنَاهُ وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة ذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي صفة الْوضُوء وأسقطها النَّوَوِيّ من الرَّوْضَة وَاعْلَم أَن المَاء الَّذِي تَوَضَّأ بِهِ الصَّبِي غير طهُور وَكَذَا المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ المنتفل وَكَذَا من لَا يعْتَقد وجوب النِّيَّة على الصَّحِيح فِي الْجَمِيع ثمَّ مَا دَامَ المَاء مترددًا على الْعُضْو لَا يثبت لَهُ حكم الِاسْتِعْمَال وَلَو جرى المَاء من عُضْو المتوضيء إِلَى عُضْو آخر صَار مُسْتَعْملا حَتَّى لَو انْتقل من إِحْدَى الْيَدَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى صَار مُسْتَعْملا وَلَو انْتقل المَاء الَّذِي يغلب فِيهِ الِانْتِقَال من عُضْو إِلَى مَوضِع آخر من ذَلِك الْعُضْو كالحاصل عِنْد نَقله من الْكَفّ إِلَى الساعد ورده إِلَى الْكَفّ وَنَحْوه لَا يضر انْتِقَاله وَإِن خرقه الْهَوَاء وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة ذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي آخر الْبَاب الثَّانِي من أَبْوَاب التَّيَمُّم وأهملها النَّوَوِيّ إِلَّا أَنه ذكر هُنَا من زِيَادَة الرَّوْضَة أَنه لَو انْفَصل المَاء من بعض أَعْضَاء الْجنب إِلَى بَعْضهَا وَجْهَيْن الْأَصَح عِنْد
1 / 14
الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ أَنه لَا يضر وَلَا يصير مُسْتَعْملا وَالرَّاجِح عِنْد الخراسانيين أَنه يصير مُسْتَعْملا وَقَالَ الإِمَام إِن نَقله قصدا صَار مُسْتَعْملا وَإِلَّا فَلَا وَصحح النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيق أَنه يصير مُسْتَعْملا وَصحح ابْن الرّفْعَة أَنه لَا يصير مُسْتَعْملا وَلَو انغمس جنب فِي مَاء دون قُلَّتَيْنِ وَعم جَمِيع بجدنه ثمَّ نوى ارْتَفَعت جنابته بِلَا خلاف وَصَارَ المَاء مُسْتَعْملا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره وَلَا يصير مُسْتَعْملا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صرح بِهِ الْخَوَارِزْمِيّ حَتَّى إِنَّه قَالَ لَو أحدث حَدثا ثَانِيًا حَال انغماسه جَازَ ارتفاعه بِهِ وَإِن نوى الْجنب قبل تَمام الانغماس ارْتَفَعت جنابته عَن الْجُزْء الملاقى للْمَاء بِلَا خلاف وَلَا يصير المَاء مُسْتَعْملا بل لَهُ أَن يتم الانغماس وترتفع عَنهُ الْجَنَابَة عَن الْبَاقِي على الصَّحِيح الْمَنْصُوص وَالله أعلم قَالَ
(والمتغير بِمَا خالطه من الطاهرات) هَذَا من تَتِمَّة الْقسم الثَّالِث وَتَقْدِير الْكَلَام وَالْمَاء الْمُتَغَيّر بِشَيْء من الطاهرات طَاهِر فِي نَفسه غير مطهر كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمل وضابطه أَن كل تغير يمْنَع اسْم المَاء الْمُطلق يسلب الطّهُورِيَّة وَإِلَّا فَلَا فَلَو تغير تغيرًا يَسِيرا فَالْأَصَحّ أَنه طهُور لبَقَاء الِاسْم وَقَوله بِمَا خالطه احْتِرَازًا عَمَّا إِذا تغير بِمَا يجاوره وَلَو كَانَ تغيرًا كثيرا فَإِنَّهُ بَاقٍ على طهوريته كَمَا إِذا تغير بدهن أَو شمع وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لبَقَاء اسْم المَاء وَلَا بُد أَن يكون الْوَاقِع فِي المَاء مِمَّا يسْتَغْنى عَنهُ كالزعفران والجص وَنَحْوهمَا أما إِذا كَانَ التَّغَيُّر بِمَا لَا يَسْتَغْنِي المَاء عَنهُ كالطين والطحلب والنورة والزرنيخ وَغَيرهمَا فِي مقرّ المَاء وممره والمتغير بطول الْمكْث فَإِنَّهُ طهُور للعسر وَبَقَاء اسْم المَاء وَيَكْفِي فِي التَّغَيُّر أحد الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة الطّعْم أَو اللَّوْن أَو الرَّائِحَة على الصَّحِيح وَفِي وَجه ضَعِيف يشْتَرط اجتماعها وَلَا فرق بَين التَّغَيُّر الْمشَاهد أَو التَّغَيُّر الْمَعْنَوِيّ كَمَا إِذا اخْتَلَط بِالْمَاءِ مَا يُوَافقهُ فِي صِفَاته مَاء الْورْد الْمُنْقَطع الرَّائِحَة وَمَاء الشّجر وَالْمَاء الْمُسْتَعْمل فَإنَّا نقدر أَن لَو كَانَ الْوَاقِع يُغَيِّرهُ بِمَا يدْرك بالحواس ويسلبه الطّهُورِيَّة فَإنَّا نحكم بسلب طهورية هَذَا المَاء الَّذِي وَقع فِيهِ من الْمَائِع مَا يُوَافقهُ فِي صِفَاته وَإِلَّا فَلَا يسلبه الطّهُورِيَّة وَلَو تغير المَاء بِالتُّرَابِ الْمَطْرُوح فِيهِ قصدا فَهُوَ طهُور على الصَّحِيح والمتغير بالملح فِيهِ أوجه أَصَحهَا يسلب طهوريته الْجبلي دون المائي وَلَو تغير المَاء بأوراق الْأَشْجَار المتناثرة بِنَفسِهَا إِن لم تتفتت فِي المَاء فَهُوَ طهُور على الْأَظْهر وَإِن تفتتت واختلطت فأوجه الْأَصَح أَنه بَاقٍ على طهوريته لعسر الِاحْتِرَاز عَنْهَا فَلَو طرحت الأوراق فِي المَاء قصدا وَتغَير بهَا فَالْمَذْهَب أَنه غير طهُور سَوَاء طرحها فِي المَاء صَحِيحَة أَو مدقوقة وَالله أعلم قَالَ
(وَمَاء نجس وَهُوَ الَّذِي حلت فِيهِ نجاسه وَهُوَ دون الْقلَّتَيْنِ أَو كَانَ قُلَّتَيْنِ فَتغير)
هَذَا هُوَ الْقسم الرَّابِع من الْمِيَاه وَهُوَ كَمَا ذكر يَنْقَسِم إِلَى قَلِيل وَكثير فَأَما الْقَلِيل فينجس بملاقاة لنجاسة المؤثرة سَوَاء تغير أم لَا كَمَا أطلقهُ الشَّيْخ لمَفْهُوم قَوْله ﵊
(إِذا بلغ المَاء
1 / 15
قُلَّتَيْنِ لم يجمل خبثًا) وَفِي رِوَايَة
(نجسا) فَدلَّ الحَدِيث بمفهومه على أَنه إِذا كَانَ دون قُلَّتَيْنِ يتأثر بِالنَّجَاسَةِ وَاحْترز بِالنَّجَاسَةِ المؤثرة عَن غير المؤثرة قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة كالميتة الَّتِي لَا نفس لَهَا سَائِلَة مثل الذُّبَاب والخنافس وَنَحْوهَا وكالنجاسة الَّتِي لَا يُدْرِكهَا الطّرف لعُمُوم الْبلوى بِهِ وكما إِذا وَقع الذُّبَاب على نَجَاسَة ثمَّ سقط فِي المَاء ورشاش الْبَوْل الَّذِي لَا يُدْرِكهُ الطّرف فيعفى عَنهُ وكما إِذا ولغت الْهِرَّة الَّتِي تنجس فمها ثمَّ غَابَتْ وَاحْتمل طَهَارَة فمها فَإِن المَاء الْقَلِيل لَا ينجس فِي هَذِه الصُّور وَيسْتَثْنى أَيْضا الْيَسِير من الشّعْر النَّجس فَلَا ينجس المَاء الْقَلِيل صرح بِهِ النَّوَوِيّ فِي بَاب الْأَوَانِي من زِيَادَته وَنَقله عَن الْأَصْحَاب قَالَ
(وَلَا يخْتَص بِشعر الْآدَمِيّ فِي الْأَصَح) أَي تَفْرِيعا على نَجَاسَة شعر الْآدَمِيّ ثمَّ قَالَ
(وَيعرف الْيَسِير بِالْعرْفِ)
قَالَ الإِمَام لَعَلَّه الَّذِي يغلب انتتافه لكنه قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب يُعْفَى عَن الشعرة والشعرتين وَالثَّلَاث وَيسْتَثْنى أَيْضا الْحَيَوَان إِذا كَانَ على منفذه نَجَاسَة ثمَّ وَقع فِي المَاء فَإِنَّهُ لَا يُنجسهُ على الْأَصَح لمَشَقَّة صونه ذكره الرَّافِعِيّ فِي شُرُوط الصَّلَاة بِخِلَاف لَو كَانَ مستجمرًا بِحجر فَإِنَّهُ يُنجسهُ بِلَا خلاف كَمَا قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب فَإِن المستجمر بِالْحجرِ وَنَحْوه يُمكنهُ الِاحْتِرَاز وَيسْتَثْنى أَيْضا مَا إِذا أكل الصَّبِي شَيْئا نجسا ثمَّ غَابَ وَاحْتمل طَهَارَة فَمه كالهرة فَإِنَّهُ لَا ينجس المَاء الْقَلِيل ذكر ذَلِك ابْن الصّلاح وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة
وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى المَاء الْقَلِيل لَا ينجس إِلَّا بالتغير كالكثير وَهُوَ وَجه فِي مَذْهَبنَا وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ وَفِي قَول قديم أَن المَاء الْجَارِي لَا ينجس إِلَّا بالتغير وَاخْتَارَهُ جمَاعَة مِنْهُم الْغَزالِيّ والبيضاوي فِي كِتَابه غَايَة القصوى وَهُوَ قوي من حَيْثُ النّظر لِأَن دلَالَة
(خلق الله المَاء طهُورا) دلَالَة نطق وَهِي أرجح من دلَالَة الْمَفْهُوم فِي قَوْله ﵊
(إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ) الحَدِيث وَأما الْكثير وَهُوَ قلتان فَصَاعِدا فَلَا ينجس إِلَّا بالتغير بِالنَّجَاسَةِ لقَوْله ﷺ
(خلق الله المَاء طهُورا) الحَدِيث وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على نَجَاسَته بالتغير ثمَّ لَا فرق بَين التَّغَيُّر الْيَسِير وَالْكثير سَوَاء تغير الطّعْم أَو اللَّوْن أَو الرَّائِحَة وَهَذَا لَا اخْتِلَاف فِيهِ هُنَا بِخِلَاف مَا مر فِي التَّغَيُّر بالطاهر وَسَوَاء كَانَت
1 / 16
النَّجَاسَة الملاقية للْمَاء مُخَالطَة أَو مجاورة فِي وَجه شَاذ أَن النَّجَاسَة الْمُجَاورَة لَا تنجسه وَقَوله حلت فِيهِ نَجَاسَة احْتَرز بِهِ عَمَّا لَو تروح المَاء بجيفة ملقاة على شط المَاء فَإِنَّهُ لَا ينجس لعدم الملاقاة وَقَوله فَتغير احْتَرز بِهِ عَمَّا إِذا لم يتَغَيَّر المَاء الْكثير بِالنَّجَاسَةِ وَقد تكون قَليلَة وتستهلك فِي المَاء فَإِنَّهُ لَا ينجس وَيسْتَعْمل جَمِيع المَاء على الْمَذْهَب الصَّحِيح وَفِي وَجه يبْقى قدر النَّجَاسَة وَلَو وَقع فِي الماءالكثير نَجَاسَة توافقه فِي صِفَاته كبول مُنْقَطع الرَّائِحَة فَإنَّا نقدره على مَا تقدم فِي الطهارات وَلَو وَقع فِي المَاء الْكثير نَجَاسَة جامدة فَقَوْلَانِ الْأَظْهر أَنه يجوز لَهُ أَن يغترف من أَي مَوضِع شَاءَ وَلَا يجب التباعد لِأَنَّهُ طَاهِر كُله وَالْقَوْل الآخر أَنه يتباعد عَن النَّجَاسَة قدر قُلَّتَيْنِ وَلَو تغير بعض المَاء الْكثير فَالْأَصَحّ فِي الرَّافِعِيّ الْكَبِير نَجَاسَة جَمِيع المَاء وَالأَصَح فِي زِيَادَة الرَّوْضَة إِن كَانَ الْبَاقِي دون قُلَّتَيْنِ فنجس وَإِلَّا فطاهر وَرجحه الرِّفَاعِي فِي الشَّرْح الصَّغِير وَالله أعلم
(فرع) فِي زِيَادَة الرَّوْضَة إِذا وَقع فِي المَاء نَجَاسَة وَشك هَل هُوَ قلتان أم لَا فَالَّذِي جزم بِهِ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره أَنه نجس لتحَقّق النَّجَاسَة وَللْإِمَام فِيهِ احْتِمَال وَالْمُخْتَار بل الصَّوَاب الْجَزْم بِطَهَارَتِهِ لِأَن الأَصْل طَهَارَته وَلَا يلْزم من النجاية التنجس وَالله أعلم قَالَ
(والقلتان خَمْسمِائَة رَطْل بالعراقي تَقْرِيبًا فِي الْأَصَح) لما روى الْمَاوَرْدِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ
(إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ بقلال هجر لَا يُنجسهُ شَيْء) قَالَ الشَّافِعِي ﵁ قَالَ ابْن جريج رَأَيْت قلال هجر والقلة تسع قربتين أَو قربتين وشيئًا فاحتاط الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَجعل الشَّيْء نصفا والقربة لَا تزيد فِي الْغَالِب على مائَة رَطْل وَحِينَئِذٍ فجملة ذَلِك خمس قرب وَهِي خَمْسمِائَة رَطْل بالعراقي وَهل ذَلِك على سَبِيل التَّقْرِيب أَو التَّحْدِيد الْأَصَح أَنه على سَبِيل التَّقْرِيب فعلى هَذَا الْأَصَح أَنه لَا يضر نُقْصَان قدر لَا يظْهر بنقصه تفَاوت فِي التَّغَيُّر بِقدر من الْمُغيرَات مِثَاله لَو وَضعنَا قدر رَطْل من الْمُغيرَات فِي خَمْسمِائَة رَطْل مَا تأثرت وَلَو نقصنا من مَاء آخر قدر رطلين مثلا أَو ثَلَاثَة وَهِي خَمْسمِائَة رَطْل ووضعنا رَطْل مَا تأثرت فَهَذَا النُّقْصَان لَا يُؤثر فَلَو وَضعنَا قدر رَطْل من الْمُغيرَات فِي خَمْسمِائَة رَطْل إِلَّا خَمْسَة أَرْطَال مثلا فأثر قُلْنَا هَذَا النَّقْص يُؤثر وعَلى قَول التَّحْدِيد يضر أَي نقص كَانَ كنصب الزَّكَاة وَقيل يُعْفَى عَن نقص رطلين وَقيل ثَلَاثَة وَنَحْوهَا وَقدر الْقلَّتَيْنِ بالمساحة ذِرَاع وَربع طولا وعرضًا وعمقًا وقدرهما بالدمشقي مائَة رَطْل وَثَمَانِية أَرْطَال وثلثي رَطْل تَقْرِيبًا على قَول الرَّافِعِيّ أَن رَطْل بَغْدَاد مائَة وَثَلَاثُونَ درهما وَالله أعلم قَالَ
1 / 17
بَاب جُلُود الْميتَة وعظمها
(فصل وجلود الْميتَة تطهر بالدباغ إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا) الْحَيَوَان الَّذِي ينجس بِالْمَوْتِ إِذا دبغ جلده يطهر بالدباغ سَوَاء فِي ذَلِك مَأْكُول اللَّحْم وَغَيره وَالْأَصْل فِي ذَلِك حَدِيث مَيْمُونَة ﵂ حَيْثُ قَالَ النَّبِي ﷺ فِي شَاتِهَا
(لَو أَخَذْتُم إهابها فَقَالُوا إِنَّهَا ميتَة فَقَالَ رَسُول الله ﷺ يطهره المَاء والقرظ) وَعَن ابْن عَبَّاس ﵄ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ
(إِذا دبغ الإيهاب فقد طهر) ثمَّ إِذا دبغ الْجلد طهر ظَاهره قطعا وَكَذَا بَاطِنه على الْمَشْهُور الْجَدِيد فَيصَلي عَلَيْهِ وَفِيه وَيسْتَعْمل فِي الْأَشْيَاء الْيَابِسَة والرطبة وَيجوز بَيْعه وهبته وَالْوَصِيَّة بِهِ وَهل يجوز أكله من مَأْكُول اللَّحْم رجح الرَّافِعِيّ بِالْجَوَازِ وَرجح النَّوَوِيّ التَّحْرِيم وَيكون الدّباغ بالأشياء الحريفة كالشب والشث والقرظ وقشور الرُّمَّان والعفص وَيحصل الدّباغ بالأشياء المتنجسة والنجسة كذرق الْحمام على الْأَصَح وَلَا يَكْفِي التجميد بِالتُّرَابِ وَالشَّمْس على الصَّحِيح وَيجب غسله بعد الدّباغ إِن دبغ بِنَجس قطعا وَكَذَا إِن دبغ بطاهر على الْأَصَح قَالَ الْأَصْحَاب وَيعْتَبر فِي كَونه صَار مدبة غا ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا نزع فضلاته الثَّانِي أَن يطيب نفس الْجلد الثَّالِث أَن يَنْتَهِي فِي الدبغ إِلَى حَالَة بِحَيْثُ لَو نقع فِي المَاء لم يعد الْفساد وَالنَّتن وَالله أعلم وَأما جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا فَلَا يطهر بالدباغ عندنَا بِلَا خلاف لِأَنَّهُمَا نجسان فِي حَال الْحَيَاة والدباغ إِنَّمَا يطهر جلدا نجس بِالْمَوْتِ لِأَن غَايَة الدّباغ نزع الفضلات وَدفع الاستحالات وَمَعْلُوم أَن الْحَيَاة أبلغ فِي ذَلِك من الدّباغ فَإِذا لم تفد الْحَيَاة الطَّهَارَة فَأولى أَن لَا يُفِيد الدّباغ
(وَعظم الْميتَة وشعرها نجس إِلَّا الْآدَمِيّ) الأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى ﴿حرمت عَلَيْكُم الْميتَة﴾ وَتَحْرِيم مَا لَيْسَ بِحرَام وَلَا ضَرَر فِي
1 / 18
أكله يدل على نَجَاسَته وَلَا شكّ أَن الْعظم وَالشعر من أَجزَاء الْحَيَوَان نعم فِي الشّعْر خلاف فِي أَنه ينجس بِالْمَوْتِ أم لَا وَهُوَ قَولَانِ أَحدهمَا لَا ينجس لِأَنَّهُ لَا تحله الْحَيَاة فَلَا روح فِيهِ فَلَا ينجس بِالْمَوْتِ بِدَلِيل أَنه إِذا قطع لَا يحس وَلَا يألم وأظهرهما أَنه ينجس وَهُوَ الَّذِي جزم بِهِ الشَّيْخ لِأَنَّهُ إِن حلته الْحَيَاة فينجس إِلَّا فينجس تبعا للجملة لِأَنَّهُ من جُمْلَتهَا كَمَا يجب غسله فِي الطَّهَارَة والجنابة
وَأما الْعظم فَفِيهِ خلاف قيل إِنَّه كالشعر وَالْمذهب الْقطع بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ يحس ويألم بِالْقطعِ وَالصُّوف والوبر والريش كالشعر فَإِذا قُلْنَا بنجاستة الشّعْر فَفِي شعر الْآدَمِيّ قَولَانِ بِنَاء على نَجَاسَته بِالْمَوْتِ إِن قُلْنَا ينجس بِالْمَوْتِ فَكَذَا ينجس شعره وَإِن قُلْنَا لَا ينجس وَهُوَ الرَّاجِح فَلَا ينجس شعره بِالْمَوْتِ على الْأَصَح وَالله أعلم
بَاب الْآنِية
(ولايجوز اسْتِعْمَال أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة وَيجوز اسْتِعْمَال غَيرهمَا من الْأَوَانِي)
لما فِي الحَدِيث الصَّحِيح من رِوَايَة حُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول ﷺ يَقُول
(لاتلبسوا الْحَرِير وَلَا الديباج وَلَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة فَإِنَّهَا لَهُم فِي الدُّنْيَا وَلكم فِي الْآخِرَة وَفِي مُسلم
(الَّذِي يشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة إِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم) وَفِي رِوَايَة
(من شرب فِي إِنَاء من ذهب أَو فضَّة فَإِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَارا من جَهَنَّم) وَفِي رِوَايَة
(إِن الَّذِي يَأْكُل وَيشْرب) الحَدِيث وجيم يجرجر الثَّانِيَة مَكْسُورَة بِلَا خلاف قَالَه النَّوَوِيّ وَفِي الإقليد حِكَايَة الْخلاف وَأما النَّار فَيجوز فِيهَا الرّفْع وَالنّصب وَالنّصب هُوَ الصَّحِيح وَمَعْنَاهُ أَن الشَّارِب يلقِي النَّار فِي بَطْنه بتجرع متتابع يسمع لَهُ جرجرة وَهِي الصَّوْت لتردده فِي حلقه وعَلى رِوَايَة الرّفْع تكون النَّار فاعلة وَمَعْنَاهُ أَن النَّار تصوت فِي جَوْفه عَافَانَا الله تَعَالَى مِنْهَا وَمن فعل يقربنا إِلَيْهَا
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ أَصْحَابنَا انْعَقَد الْإِجْمَاع على تَحْرِيم الْأكل وَالشرب وَسَائِر الِاسْتِعْمَال فِي إِنَاء ذهب أَو فضَّة إِلَّا مَا حُكيَ عَن دَاوُد وَقَول الشَّافِعِي قديم للشَّافِعِيّ إِنَّه يكره والمحققون لَا يعتدون بِخِلَاف دَاوُد وَكَلَام الشَّافِعِي مؤول كَمَا قَالَه صَاحب التَّقْرِيب مَعَ أَن الشَّافِعِي رَجَعَ عَن
1 / 19
هَذَا الْقَدِيم فَحصل أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على تَحْرِيم اسْتِعْمَال إِنَاء الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الْأكل وَالشرب وَالطَّهَارَة وَالْأكل بعلقة من أَحدهمَا والتبخر بمبخرة مِنْهَا وَجَمِيع وُجُوه الِاسْتِعْمَال وَمِنْهَا المكحلة والميل وظرف الغالية وَغير ذَلِك سَوَاء الْإِنَاء الصَّغِير وَالْكَبِير وَيَسْتَوِي فِي التَّحْرِيم الرجل وَالْمَرْأَة بِلَا خلاف وَإِنَّمَا فرق بَين الرجل وَالْمَرْأَة فِي التحلي لقصد زِينَة النِّسَاء للزَّوْج وَالسَّيِّد وَيحرم اسْتِعْمَال مَاء الْورْد والأدهان فِي قماقم الذَّهَب وَالْفِضَّة هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَفِي القناني وَكَذَا يحرم تَزْيِين الحوانيت والبيوت والمجالس بأواني الذَّهَب وَالْفِضَّة هَذَا هُوَ الصَّوَاب وَجوزهُ بعض الْأَصْحَاب وَهُوَ غلط لِأَن كل شَيْء أَصله حرَام فالنظر إِلَيْهِ حرَام وَقد نَص الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب أَنه لَو تَوَضَّأ أَو اغْتسل من إِنَاء ذهب أَو فضَّة عصى وَيحرم اتِّخَاذ هَذِه الْأَوَانِي من غير اسْتِعْمَال على الصَّحِيح لِأَن مَا حرم اسْتِعْمَاله حرم اتِّخَاذه كالآت اللَّهْو عَافَانَا الله الْكَرِيم من تعَاطِي مَا هُوَ سَبَب للنار وَيحرم على الصَّائِغ صَنعته وَلَا يسْتَحق أُجْرَة لِأَن فعله مَعْصِيّة وَلَو كسر شخص هَذِه الْأَوَانِي فَلَا أرش عَلَيْهِ وَلَا يحل لأحد أَن يُطَالِبهُ بِالْأَرْشِ وَلَا رَفعه إِلَى ظَالِم من حكام زَمَاننَا لأنعم جهلة ويتعاطون هَذِه الْأَوَانِي حَتَّى يشربون الْمُسكر مَعَ آلَات اللَّهْو وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ
(يمسخ نَاس من أمتِي فِي آخر الزَّمَان قردة وَخَنَازِير قَالُوا يَا رَسُول الله أَلَيْسَ يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله قَالُوا بلَى وَلَكنهُمْ اتَّخذُوا المعازف والقينات فَبَاتُوا على لهوهم ولعبهم فَأَصْبحُوا وَقد مسخوا قردة وَخَنَازِير) وَفِي حَدِيث أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ
(من جلس إِلَى قينة يستمع مِنْهَا صب فِي أُذُنَيْهِ الآنك) والآنك بِضَم النُّون وَالْمدّ هُوَ الرصاص الْمُذَاب وَالله أعلم
وَأما أواني غير الذَّهَب وَالْفِضَّة فَإِن كَانَت من الْجَوَاهِر النفيسة كالياقوت والفيروزج وَنَحْوهمَا فَهَل تحرم فِيهِ خلاف قيل تحرم لما فِيهَا من الْخُيَلَاء والسرف وَكسر قُلُوب الْفُقَرَاء وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَا تحرم وَلَا خلاف أَنه لَا يحرم الْإِنَاء الَّذِي نفاسته فِي صَنعته وَلَا يكره كلبس الْكَتَّان وَالصُّوف النفيسين
(فرع) لَو اتخذ إِنَاء من نُحَاس وَنَحْوه وموهه بِالذَّهَب أَو الْفضة إِن حصل بِالْعرضِ على النَّار مِنْهُ شَيْء حرم على الصَّحِيح وَإِن لم يحصل بِالْعرضِ على النَّار مِنْهُ شَيْء فالمرجح فِي هَذَا الْبَاب أَنه لَا يحرم والمرجح فِي بَاب زَكَاة النَّقْدَيْنِ أَنه يحرم قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَلَو موه
1 / 20
السَّيْف وَغَيره من آلَات الْحَرْب أَو غَيرهَا بِذَهَب تمويهًا لَا يحصل مِنْهُ بِالْعرضِ على النَّار شَيْء فطريقان أصَحهمَا وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ التَّحْرِيم للْحَدِيث وَيدخل فِيهِ الْخَاتم والدواة والمرملة وَغَيرهَا فليجتنب ذَلِك وَالله أعلم قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب وتمويه سقف الْبَيْت وجداره بِالذَّهَب أَو الْفضة حرَام قطعا ثمَّ إِن حصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ على النَّار حرمت استدامته وَإِلَّا فَلَا وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة على الْجَزْم بذلك وَالله أعلم قَالَ:
بَاب السِّوَاك
(فصل السِّوَاك مُسْتَحبّ فِي كل حَال إِلَّا بعد الزَّوَال للصَّائِم وَهُوَ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع أَشد اسْتِحْبَابا عِنْد تغير الْفَم من أزم وَعند الْقيام من النّوم وَعند الْقيام إِلَى الصَّلَاة)
السِّوَاك سنة مُطلقًا لقَوْله صلى الله عليع وَسلم
(السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب)
و(مطهرة) بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا هِيَ كل إِنَاء يتَطَهَّر بِهِ فَشبه السِّوَاك بذلك لِأَنَّهُ يطهر الْفَم وَهل يكره للصَّائِم بعد الزَّوَال فِيهِ خلاف الرَّاجِح فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة أَنه يكره لقَوْله ﵊
(لخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك) وَفِي رِوَايَة
(يَوْم الْقِيَامَة) والخلوف بِضَم الْخَاء وَاللَّام هُوَ التَّغْيِير وَخص بِمَا بعد الزَّوَال لِأَن تغير الْفَم بِسَبَب الصَّوْم حِينَئِذٍ يظْهر فَلَو تغير فَمه بعد الزَّوَال بِسَبَب آخر كنوم أَو غَيره فاستاك لأجل ذَلِك لَا يكره وَقيل لَا يكره الاستياك مُطلقًا وَبِه قَالَ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَرجحه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن يكره فِي الْفَرْض دون النَّفْل خوفًا من الرِّيَاء وَقَول المُصَنّف للصَّائِم يُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْكَرَاهَة تَزُول بغروب الشَّمْس وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي شرح الْمُهَذّب وَقيل تبقى الْكَرَاهَة إِلَى الْفطر وَالله أعلم
ثمَّ السِّوَاك يتَأَكَّد اسْتِحْبَابه فِي مَوَاضِع مِنْهَا عِنْد تغير الْفَم من أزم وَغَيره والأزم قيل السُّكُوت الطَّوِيل وَقيل هُوَ ترك الْأكل وَقَوله وَغَيره يدْخل فِيهِ مَا إِذا تغير يَأْكُل مَاله رَائِحَة كريهة كالثوم والبصل وَنَحْوهمَا وَمِنْهَا عِنْد الْقيام من النّوم
(كَانَ رَسُول الله ﷺ إِذا اسْتَيْقَظَ من النّوم استاك) وَرُوِيَ
(يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ) وَمعنى يشوص ينظف وَيغسل وَوجه تَأْكِيد الِاسْتِحْبَاب عِنْد الْقيام مِنْهُ أَن النّوم يسْتَلْزم ترك الْأكل وَالسُّكُوت وهما من أَسبَاب التَّغَيُّر وَمِنْهَا عِنْد الْقيام إِلَى
1 / 21
الصَّلَاة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ ويلم
(لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة) وَعَن عَائِشَة ﵂ عَن النَّبِي ﷺ قَالَ
(رَكْعَتَانِ بِالسِّوَاكِ أفضل من سبعين رَكْعَة بِلَا سواك) والسواك متأكد عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَإِن لم يكن الْفَم متغيرًا وَلَا فرق بَين صَلَاة الْفَرْض وَالنَّفْل حَتَّى لَو صلى صَلَاة ذَات تسليمات كالضحى والتراويح والتجهد اسْتحبَّ لَهُ أَن يستاك لكل رَكْعَتَيْنِ وَكَذَا للجنازة وَالطّواف وَلَا فرق بَين الصَّلَاة بِالْوضُوءِ أَو التَّيَمُّم أَو عِنْد فقد الطهُورَيْنِ ويتأكد الِاسْتِحْبَاب أَيْضا عِنْد الْوضُوء وَإِن لم يصل لما ورد
(لَوْلَا أَن أشق أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل وضوء) وَيسْتَحب عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن وَعند اصفرار الْأَسْنَان وَإِن لم يتَغَيَّر الْفَم
وَاعْلَم أَنه يحصل الاستياك بِخرقَة وَبِكُل خشن مزيل وَالْعود أولى والأراك أولى وَالْأَفْضَل أَن يكون بيابس ندى بِالْمَاءِ وَيسْتَحب غسله ليستاك بِهِ ثَانِيًا وَلَو استاك بإصبع غَيره وَهِي خشنة أَجْزَأَ قطعا قَالَه فِي شرح الْمُهَذّب وَفِي إصبعه خلاف الرَّاجِح فِي الرَّوْضَة لَا يجزىء وَالرَّاجِح فِي شرح الْمُهَذّب الْأَجْزَاء وَبِه قطع القَاضِي حُسَيْن والمحاملي وَالْبَغوِيّ وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر وَلَا بَأْس أَن يستاك بسواك غَيره بِإِذْنِهِ وَيسْتَحب أَن يستاك بِيَمِينِهِ وبالجانب الْأَيْمن من فَمه وَأَن يمره على سقف حلق إمرارًا لطيفًا وكراسي أَضْرَاسه وَيَنْوِي بِالسِّوَاكِ السّنة وَيسْتَحب عِنْد دُخُول الْمنزل وَعند إِرَادَة النّوم وَالله أعلم
فَرَائض الْوضُوء
(فصل وفرائض الْوضُوء سِتَّة النِّيَّة عِنْد غسل الْوَجْه)
اعْلَم أَن الْوضُوء لَهُ شُرُوط وفروض
فالشروط الْإِسْلَام وَالتَّمَيُّز وطهورية المَاء وَعدم الْمَانِع الْحسي كالوسخ وَعدم الْمَانِع الشَّرْعِيّ كالحيض وَالنّفاس وَدخُول الْوَقْت فِي حق ذَوي الضرورات كالمستحاضة وَمن بِهِ الرّيح الدَّائِم
وَأما الْفُرُوض فستة كَمَا ذكره الشَّيْخ أَحدهَا النِّيَّة لقَوْل ﵊
(إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) وَهِي فرض فِي طهارات الْأَحْدَاث وَلَا تجب فِي إِزَالَة النَّجَاسَات على الصَّحِيح
1 / 22
وَالْفَرْض أَن الْمَقْصُود من النَّجَاسَات إِزَالَتهَا وَهِي تحصل بِالْغسْلِ بِخِلَاف الْأَحْدَاث فَإِن طَهَارَتهَا عبَادَة فتفتقر إِلَى نِيَّة كَسَائِر الْعِبَادَات كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَشرط صِحَّتهَا الْإِسْلَام فَلَا يَصح وضوء الْكَافِر وَلَا غسله على الصَّحِيح لِأَن النِّيَّة عبَادَة وَالْكَافِر لَيْسَ من أَهلهَا وَلَا تصح طَهَارَة الْمُرْتَد قطعا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَوقت النِّيَّة الْوَاجِبَة عِنْد غسل أول جُزْء من الْوَجْه لِأَن أول الْعِبَادَات الْوَاجِبَة وَلَا يُثَاب على السّنَن الْمَاضِيَة وكيفيتها إِن كَانَ المتوضيء سليما لَا عِلّة بِهِ أَن يَنْوِي أحد ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهَا رفع الْحَدث أَو الطَّهَارَة عَن الْحَدث
الثَّانِي أَن يَنْوِي اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو غَيرهَا مِمَّا لَا يُبَاح إِلَّا بِالطَّهَارَةِ
الثَّالِث أَن يَنْوِي فرض الْوضُوء أَو أَدَاء الْوضُوء وَإِن كَانَ الناوي صَبيا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَلَو نوى الطَّهَارَة للصَّلَاة أَو الطَّهَارَة لغَيْرهَا مِمَّا يتَوَقَّف على الْوضُوء كفى وَذكره فِي التَّنْبِيه وَلَو نوى الطَّهَارَة وَلم يقل عَن الْحَدث لَا يجْزِيه على الصَّحِيح لِأَن الطَّهَارَة تكون عَن الْحَدث وَعَن النَّجس فَلَا بُد من نِيَّة تميز وَلَو نوى الْوضُوء فَقَط صَحَّ على الْأَصَح فِي التَّحْقِيق وَشرح الْمُهَذّب بِخِلَاف مَا إِذا نوى الْغسْل وَهُوَ جنب فَلَا يَكْفِي وَفرق الْمَاوَرْدِيّ بِأَن الْوضُوء لَا يُطلق على غير الْعِبَادَة بِخِلَاف الْغسْل وَلَو نوى رفع الْحَدث والاستباحة فَهُوَ نِهَايَة النِّيَّة وَأما من بِهِ عِلّة كمن بِهِ سَلس الْبَوْل أَو كَانَت مُسْتَحَاضَة فينوي الاستباحة على الصَّحِيح وَلَا يَصح أَن يَنْوِي رفع الْحَدث لِأَن الْحَدث مُسْتَمر وَلَا يتَصَوَّر رَفعه وَقيل يجب أَن يجمع بَينهمَا يَكْفِي أَحدهمَا
(فرع) شَرط النِّيَّة الْجَزْم فَلَو شكّ فِي أَنه مُحدث فَتَوَضَّأ محتاطًا ثمَّ تَيَقّن أَنه مُحدث لم يعْتد بوضوئه على الْأَصَح لِأَنَّهُ تَوَضَّأ مترددا وَلَو تَيَقّن أَنه مُحدث وَشك فِي أَنه تطهر ثمَّ بَان مُحدثا أَجزَأَهُ قطعا لِأَن الأَصْل بَقَاء الْحَدث فَلَا يضر تردده مَعَه فقوي جَانب النِّيَّة بِأَصْل الْحَدث بِخِلَاف الصُّورَة الأولى وَالله أعلم
(فرع) لَو كَانَ يتَوَضَّأ فنسي لمْعَة فِي الْمرة الأولى فانغسلت فِي الغسلة الثَّانِيَة أَو الثَّالِثَة أَجزَأَهُ على الصَّحِيح بِخِلَاف مَا إِذا انغسلت اللمْعَة فِي تَجْدِيد الْوضُوء فَإِنَّهُ لَا يُجزئهُ على الصَّحِيح وَالْفرق أَن نِيَّة التَّجْدِيد لم تشْتَمل على نِيَّة فرض بِخِلَاف الغسلة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فَإِن نِيَّة فرض الْوضُوء شملت الثَّلَاث فَمَا لم يتمم الأولى لَا تحصل الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَالْخَطَأ فِي الِاعْتِقَاد لَا يضر أَلا ترى أَن الْمُصَلِّي لَو ترك سَجْدَة من الأولى نَاسِيا وَسجد فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة تمت الأولى وَإِن اعْتقد خلاف ذَلِك وَالله أعلم
1 / 23
قَالَ
(وَغسل الْوَجْه) الْفَرْض الثَّانِي غسل الْوَجْه وَهُوَ أول الْأَركان الظَّاهِرَة قَالَ تَعَالَى ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم﴾ وَيجب استيعابه بِالْغسْلِ وَحده من مُبْتَدأ تَسْتَطِيع الْجَبْهَة إِلَى مُنْتَهى الذقن طولا وَمن الْأذن إِلَى الْأذن عرضا وَمَوْضِع التحذيف لَيْسَ من الْوَجْه والصدغان ليسَا من الْوَجْه على الْأَصَح فِي شرح الرَّوْضَة وَرجع فِي الْمُحَرر أَنَّهُمَا من الْوَجْه ثمَّ الشّعْر النَّابِت فِي الْوَجْه قِسْمَانِ
أَحدهمَا لم يخرج عَن حد الْوَجْه
الثَّانِي خَارج عَنهُ وَالَّذِي لم يخرج عَن حد الْوَجْه قد يكون نَادِر الكثافة وَقد يكون غير نَادِر الكثافة فالنادر الكثافة كالحاجبين والأهداب والشاربين والعذارين وهما المحاذيان لللأذنين بَين الصدغ والعارض فَيجب غسل ظَاهر هَذِه الشُّعُور وباطنها مَعَ الْبشرَة تحتهَا وَإِن كثف لِأَنَّهَا من الْوَجْه وَأما شعر العارضين فَإِن كَانَ خَفِيفا وَجب غسل ظَاهره وباطنه مَعَ الْبشرَة وَإِن كَانَ كثيفًا وَجب غسل ظَاهره على الْأَظْهر وَلَو خف بعضه وكثف بعضه فالراجح أَن للخفيف حكم الْخَفِيف الْمَحْض وللكثيف حكم الكثيف الْمَحْض وَفِي ضَابِط الْخَفِيف والكثيف خلاف الصَّحِيح أَن الْخَفِيف مَا ترى الْبشرَة تَحْتَهُ فِي مجْلِس التخاطب والكثيف مَا يمْنَع الرُّؤْيَة
الْقسم الثَّانِي الشُّعُور الْخَارِجَة عَن حد الْوَجْه وَهُوَ شعر اللِّحْيَة والعارض والعذار والسبال طولا وعرضًا فالراجح وجوب غسل ظَاهرهَا فَقَط لِأَنَّهُ يحصل بِهِ المواجهة وَقيل لَا يجب لِأَنَّهَا خَارِجَة عَن حد الْوَجْه قَالَ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة يجب غسل جُزْء من رَأسه ورقبته وَمَا تَحت ذقنه مَعَ الْوَجْه ليتَحَقَّق استيعابه وَلَو قطع أَنفه أَو شفته لزمَه غسل مَا ظهر بِالْقطعِ فِي الْوضُوء وَالْغسْل على الصَّحِيح لِأَنَّهُ يبْقى وَجها وَيجب غسل مَا ظهر من حمرَة الشفتين وَيسْتَحب أَن يَأْخُذ المَاء بيدَيْهِ جَمِيعًا قَالَ
(وَغسل الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين)
الْفَرْض الثَّالِث غسل الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين لقَوْله تَعَالَى ﴿وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق﴾ وَلَفْظَة إِلَى ترد بعنى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿من أَنْصَارِي إِلَى الله﴾ أَي مَعَ الله وَيدل لذَلِك مَا روى
1 / 24
جَابر ﵁ قَالَ
(رَأَيْت رَسُول الله ﷺ يُدِير المَاء على الْمرَافِق) وروى أَنه أدَار المَاء على مرفقيه ى وَقَالَ هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ) وَيجب إِيصَال المَاء إِلَى جَمِيع الشّعْر والبشرة حَتَّى لَو كَانَ تَحت أظافره وسخ يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى الْبشرَة لم يَصح وضوؤه وَصلَاته باطله وَالله أعلم قَالَ
(وَمسح بعض الرَّأْس)
الْفَرْض الرَّابِع مسح بعض الرَّأْس لقَوْله تَعَالَى ﴿وامسحوا برؤوسكم﴾ وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا مسح جَمِيع الرَّأْس لحَدِيث الْمُغيرَة ﵁
(أَن النَّبِي ﷺ تَوَضَّأ وَمسح بناصيته وعَلى عمَامَته وعَلى الْخُفَّيْنِ) وَلِأَن من أَمر يَده على هَامة الْيَتِيم صَحَّ أَن يُقَال مسح بِرَأْسِهِ وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِب مَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْمسْح وَلَو بعض شعره أَو قدره من الْبشرَة وَشرط الشّعْر الْمَمْسُوح أَن لَا يخرج عَن حد الرَّأْس لَو مده بأنى بِأَن كَانَ متجعدًا وَلَا يضر مُجَاوزَة منبت الْمَمْسُوح على الصَّحِيح وَلَو غسل رَأسه بدل الْمسْح أَو ألْقى عَلَيْهِ قَطْرَة وَلم تسل أَو وضع يَده الَّتِي عَلَيْهَا المَاء على رَأس وَلم يمرها أَجزَأَهُ على الصَّحِيح قَالَ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وَلَا تتَعَيَّن الْيَد للمسح بل يجوز بخشبة أَو خرقَة وَغَيرهمَا وَيجْزِي مسح غَيره لَهُ وَالْمَرْأَة كَالرّجلِ فِي الْمسْح وَالله أعلم قَالَ
(وَغسل الرجلَيْن مَعَ الْكَعْبَيْنِ)
لقَوْله تَعَالَى ﴿وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ فعلى قِرَاءَة النصب يكون الْغسْل مُتَعَيّنا وَالتَّقْدِير واغسلوا أَرْجُلكُم وعَلى قِرَاءَة الْجَرّ فَالسنة بيّنت الْغسْل وَلَو كَانَ الْمسْح جَائِزا لبينه ﷺ وَلَو مرّة كَمَا فعل ﷺ فِي ذَلِك قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم وَاتفقَ الْعلمَاء على أَن المُرَاد بالكعبين العظمان الناتئان بَين السَّاق والقدم وَفِي كل رجل كعبان وشذت الرافضة قبحهم الله تَعَالَى فَقَالَت فِي كل رجل كَعْب وَهُوَ الْعظم الَّذِي فِي ظهر الْقدَم وَحكى هَذَا عَن مُحَمَّد بت الْحسن وَلَا يَصح وَحجَّة الْعلمَاء فِي ذَلِك نقل أهل اللُّغَة والاشتقاق وَهَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي نَحن فِيهِ يدل لذَلِك فَفِيهِ
(فَغسل رجله الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَرجله الْيُسْرَى كَذَلِك) فَأثْبت فِي كل رجل كعبين وَالله أعلم
1 / 25
قلت وَحَدِيث النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صَرِيح فِي ذَلِك قَالَ
(قَالَ لنا رَسُول الله ﷺ أقِيمُوا صفوفكم فَرَأَيْت الرجل منا يلصق مَنْكِبه بمنكب صَاحبه وكعبه بكعبه) وَمَعْلُوم أَن هَذَا فِي كَعْب الْمفصل وَلَا يَتَأَتَّى فِي الَّذِي على ظهر الْقدَم وَالله تَعَالَى أعلم
وَاعْلَم أَن الْغسْل وَاجِب إِذا لم يمسح على الْخُف وَقِرَاءَة الْجَرّ مَحْمُولَة على مسح الْخُف وَيجب غسل جَمِيع الرجلَيْن بِالْمَاءِ وينقي الْبشرَة وَالشعر حَتَّى يجب غسل مَا ظهر بالشق وَلَو وضع فِي الشق شمعة أَو حناء وَله جرم لَا يجزيء وضوؤه وَلَا تصح صلَاته وَكَذَا يجب عَلَيْهِ إِزَالَة خرء البراغيث حَيْثُ اسْتَيْقَظَ من نَومه فليحترز عَن مثل ذَلِك فَلَو تَوَضَّأ وَنسي إِزَالَته ثمَّ علم وَجب عَلَيْهِ غسل ذَلِك الْمَكَان وَمَا بعده وإعادة الصَّلَاة وَالله أعلم
(فرع) إِذا اجْتمع على الشَّخْص حدث أَصْغَر وَهُوَ الْوضُوء وَحدث أكبر وَهُوَ الْغسْل فَفِيهِ خلاف منتشر الصَّحِيح الْمُفْتى بِهِ يَكْفِيهِ غسل جَمِيع بدنه بنية الْغسْل وَلَا يجب عَلَيْهِ الْجمع بَين الْوضُوء وَالْغسْل وَلَا تَرْتِيب فِي ذَلِك وَالله أعلم قَالَ
(والتريب على مَا ذَكرْنَاهُ)
الْفَرْض السَّادِس التَّرْتِيب وفرضيته مستفادة من الْآيَة إِذا قُلْنَا الْوَاو للتَّرْتِيب وَإِلَّا فَمن فعله وَقَوله ﵊ إِذْ لم ينْقل عَنهُ ﵊ أَنه تَوَضَّأ إِلَّا مُرَتبا وَلِأَنَّهُ ﵊ قَالَ بعد أَن تَوَضَّأ مُرَتبا
(هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ) أَي بِمثلِهِ وَلِأَن الْوضُوء عبَادَة يرجع فِي حَالَة الْغدر إِلَى نصفهَا فَوَجَبَ فِيهَا التَّرْتِيب كَالصَّلَاةِ فَلَو نسي التَّرْتِيب لم يجزه كَمَا لَو نسي الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة أَو النَّجَاسَة على بدنه
(فرع) خرج من فرجه بَلل يجوز أَن يكون منيًا وَيجوز أَن يكون مذيًا واشتبه عَلَيْهِ الْحَال فَمَا الَّذِي يجب عَلَيْهِ فِيهِ خلاف منتشر علقته فِي بعض الْكتب أَكثر من ثَلَاثَة عشرَة مقَالَة الرَّاجِح فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة أَنه يتَخَيَّر فَإِن شَاءَ جعله منيًا واغتسل وَإِن شَاءَ جعله مذيًا وَغسل مَا أَصَابَهُ من بدنه وثوبه وَتَوَضَّأ لِأَنَّهُ إِذا جعله مذيًا وَتَوَضَّأ فقد أَتَى بِمَا يَقْتَضِي الْوضُوء فارتفع حَدثهُ الْأَصْغَر وَبَقِي الْحَدث الْأَكْبَر مشكوكًا فِيهِ وَالْأَصْل عَدمه وَكَذَا يُقَال إِذا اغْتسل وَقيل يجب عَلَيْهِ الْأَخْذ بالإحتياط لأَنا تحققنا
1 / 26
شغل ذمَّته بِأحد الحدثين وَلَا يخرج عَن ذَلِك إِلَّا بِيَقِين بِأَن يحْتَاط كَمَا لَو لزم ذمَّته صَلَاة من صَلَاتَيْنِ وَلم يعرف عينهَا يجب عَلَيْهِ أَن يُصَلِّيهمَا وَهَذَا قوي رَجحه النَّوَوِيّ ﵀ فِي شرح ى التَّنْبِيه وَفِي رُؤُوس الْمسَائِل لَهُ وَالله أعلم قَالَ
سنَن الْوضُوء
(فصل وسننه عشر خِصَال التَّسْمِيَة) للْوُضُوء سنَن مِنْهَا التَّسْمِيَة فِي ابْتِدَائه
(رُوِيَ أَنه ﷺ وضع يَده فِي إِنَاء وَقَالَ لأَصْحَابه توضئوا باسم الله)
(كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله فَهُوَ أَجْذم) أَي أقطع وَهِي سنة متأكدة وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد بِوُجُوبِهَا فَلَو نَسِيَهَا فِي ابْتِدَاء الْوضُوء أَتَى بهَا مَتى ذكرهَا فِي الْوضُوء كَمَا فِي تَسْمِيَة الطَّعَام وَلَو تَركهَا عمدا فَهَل يشرع تداركها فِيهِ خلاف والراجع نعم وَفِي الحَدِيث
(من تَوَضَّأ وَذكر اسْم الله كَانَ طهُورا لجَمِيع بدنه وَإِن لم يذكر اسْم الله تَعَالَى كَانَ طهُورا لأعضاء وضوئِهِ)
(وَغسل الْكَفَّيْنِ قبل إدخلهما الْإِنَاء)
من سنَن الْوضُوء غسل الْكَفَّيْنِ قبل الْوَجْه وَلَهُمَا أَحْوَال
أَحدهمَا أَن يتَيَقَّن نجاستهما فَهَذَا يكره لَهُ غمس كفيه فِي الْإِنَاء قبل غسلهمَا ثَلَاثًا كَرَاهَة تَحْرِيم لِأَنَّهُ يفْسد المَاء
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يشك فِي نجاستهما كمن نَام وَلَا يدْرِي أَيْن باتت يَده فَهَذَا يكره لَهُ أَيْضا غمس كفيه فِي الْإِنَاء قبل غسلهمَا ثَلَاثًا لقَوْل ﷺ
(إِذا قَامَ أحدكُم من نَومه فليغسل يَدَيْهِ قبل أَن يدخلهما فِي الْإِنَاء ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده) وَفِي رِوَايَة
(فَلَا يغمس يَدَيْهِ فِي الْإِنَاء قبل أَن يغسلهما ثَلَاثًا) وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى وجوب غسلهمَا قبل إدخالهما فِي الْإِنَاء عِنْد الاستيقاظ من النّوم لظَاهِر النَّهْي وَلم يفرق بَين نوم اللَّيْل وَالنَّهَار وَذهب
1 / 27
الإِمَام أَحْمد إِلَى وجوب ذَلِك من نوم اللَّيْل دون نوم النَّهَار لقَوْله ﷺ
(أَيْن باتت يَده) وَالْمَبِيت يكون بِاللَّيْلِ دون النَّهَار وَالشَّافِعِيّ ﵀ حمل النَّهْي على غير الْوُجُوب لقَرِينَة
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يتَيَقَّن طهارتهما فَهَذَا لَا يكره لَهُ غمس كفيه فِي الْإِنَاء قبل غسلهمَا وَلَكِن يسْتَحبّ وَهَذِه الْحَالة هِيَ الَّتِي ذكرهَا الشَّيْخ ومأخذها أَنه الْوَارِد فِي صفة وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ سلم من غير تعرض لسبق نوم وانتفت الْكَرَاهَة لفقد الْعلَّة الْوَارِدَة فِي الْخَبَر إِذْ الحكم يَدُور مَعَ الْعلَّة وجودا وعدمًا وَالله أعلم قَالَ
(والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق)
لفعله ﷺ وَقَالَ اللإمام
أَحْمد بوجوبهما وَحجَّة الشَّافِعِي قَوْله ﷺ
(عشر من السّنة وعد مِنْهَا الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق) ثمَّ أصل السّنة يحصل بإيصال المَاء إِلَى الْفَم وَالْأنف سَوَاء أداره أم لَا وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح لَكِن نَص الشَّافِعِي على إِرَادَته فِي الْفَم وَلَا يشْتَرط فِي تَحْصِيل السّنة أَن يمج المَاء حَتَّى لَو ابتلع تأدت السّنة قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَذهب جمَاعَة إِلَى اشْتِرَاط مج المَاء فِي تَحْصِيل السّنة وَتَقْدِيم الْمَضْمَضَة على الِاسْتِنْشَاق شَرط فِي تَحْصِيل السّنة على الرَّاجِح وَقيل مُسْتَحبّ وَالله أعلم
(فرع) يسْتَحبّ الْمُبَالغَة فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق لغير الصَّائِم وَأما الصَّائِم فَقيل يحرم فِي حقة قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب وَقيل يكره قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيره وَقيل تَركهَا مُسْتَحبّ قَالَه ابْن الصّباغ وَالله أعلم قَالَ
(واستعياب الرَّأْس بِالْمَسْحِ)
من سنَن الْوضُوء اسْتِيعَاب الرَّأْس بِالْمَسْحِ لفعله ﷺ وللخروج من الْخلاف وَالسّنة فِي كَيْفيَّة الْمسْح أَن يبْدَأ بِمقدم رَأسه ثمَّ يذهب بيدَيْهِ إِلَى قَفاهُ ثمَّ يردهما إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ روى ذَلِك عبد الله بن زيد ﵁ فِي وصف وضوء رَسُول الله ﷺ وَيَضَع إبهاميه على صدغيه ويلصق السبابتين والذهاب وَالْعود مرّة وَهَذَا فِيمَن لَهُ شعر يَنْقَلِب بالذهاب وَالرَّدّ ليصل البلل إِلَى بَاطِن الشّعْر وَظَاهره وَأما من لَا شعر لَهُ أَو لَهُ شعر لَا يَنْقَلِب فَيقْتَصر على الذّهاب فَلَو رده لم تحسب ثَانِيَة لكَون المَاء بَقِي مُسْتَعْملا وَلَو لم يرد نزع مَا على رَأسه من عِمَامَة أَو غَيرهَا مسح على جُزْء من رَأسه وتمم على الْعِمَامَة وَالْأَفْضَل أَن لَا يقْتَصر على أقل من الناصية لِأَنَّهُ ﵊ مسح بناصيته وعَلى عمَامَته وَشرط الرَّافِعِيّ أَن يعسر رفع الْعِمَامَة ذكره فِي الشرحين وَالْمُحَرر وَتَبعهُ فِي
1 / 28