فدعا الرجال له وهتفوا باسمه طويلا.
ولكن في أصيل ذلك اليوم رأى الحراس كوكبة من العجلات تعدو نحو المدينة من الشمال رافعة راية بيضاء، فأحاط بها الجند وسألوا عن مقصدها، فقال أحد رجالها إنهم رسل الملك أبوفيس إلى أحمس، فمضى بهم الجنود إلى المدينة، وعلم أحمس بأمر الرسل فذهب إلى قصر حاكم المدينة، ودعا إليه حور وقائد الأسطول والقائدين محب وديب، وجلس على كرسي الحاكم يحيط به قواده ومن حولهم الحرس في ثيابهم الفخمة، وأذن للرسل بالدخول، وكان المصريون لا يدرون ما يحمله الرسل هذه المرة فانتظروا مشوقين، وجاء رسل ملك الرعاة وكانوا خليطا من القواد والحجاب في الثياب العسكرية والمدنية تسبقهم لحاهم المسترسلة، ولم يكن يبدو على وجوههم آي التحدي والغلظة كما توقع أحمس، ولكنهم اقتربوا من مجلس الملك وانحنوا جميعا في إجلال واحترام حتى كاد الملك أن يعلن دهشته، وقال كبيرهم: حياك الرب يا ملك طيبة، نحن رسل فرعون مصر السفلى والوسطى إليك.
فألقى أحمس عليهم نظرة لا تدل على شيء مما يثور في نفسه، وقال بهدوء: حياكم الرب يا رسل أبوفيس، ماذا تريدون؟
وبدا على الرسل الاستياء لإغفال الملك ألقاب مليكهم، ولكن زعيمهم قال: أيها الملك نحن رجال حرب، في ميدانها نشأنا وعلى سنتها نعيش، شجعان بواسل كما بلوتمونا، نعجب بالبطل وإن كان لنا عدوا، وننزل عند حكم السيف وإن كان علينا، ولقد انتصرت أيها الملك واسترددت عرش مملكتك فحق لك ملكها كما حق علينا تسليمها، فهي مملكتك وأنت مليكها. وإن فرعون يقرئك السلام، ويعرض عليك حقن الدماء وصلحا شريفا يحترم الحقوق ويصل ما انقطع من علاقات المودة بين مملكة الجنوب ومملكة الشمال.
وأصغى الملك إلى الرسل في هدوء ظاهر ودهشة باطنة، ثم نظر إلى لسان القوم وسأله متعجبا: أجئتم حقا تنشدون سلاما؟
فقال الرجل: نعم أيها الملك.
فقال أحمس بصوت يدل على العزم والحزم: إني أرفض هذا السلام. - ولماذا تصر على الحرب أيها الملك؟
فقال أحمس: يا قوم أبوفيس .. لأول مرة تخاطبون مصريا باحترام، ولأول مرة تنزلون مقهورين عن نعته بصفات العبودية، أتعلمون لماذا؟ لأنكم غلبتم على أمركم، فأنتم يا هؤلاء وحوش ضوار إذا غلبتم، وشاء إذا غلبتم، أتسألونني لماذا أصر على الحرب؟ .. فإليكم جوابي: إني ما أعلنتها عليكم لأسترد طيبة، ولكني عاهدت ربي وقومي على أن أحرر مصر جميعا من نير الظلم والاستبداد، وأن أعيد بها حريتها ومجدها؛ فإذا أراد الذي بعثكم السلام حقا، فليترك مصر لأهلها وليرجع بقومه إلى صحاري الشمال.
فسأله الرسول بصوت غليظ: هذه هي الكلمة الأخيرة؟
فقال أحمس بثقة وقوة: هي ما افتتحنا به الكفاح، وآخر ما نختتمه به.
نامعلوم صفحہ