فقال الملك كاموس: ائتوني بكل ضابط أو جندي من أمبوس.
وفطن الحاجب حور إلى ما يريد الملك فقال: عفوا يا مولاي، لقد تغير وجه أمبوس في عشرة الأعوام المنقضية، فأنشئت بها ثكنات لم تكن من قبل، رأيتها بعيني في بعض رحلاتي التجارية، ومن المرجح أن الرعاة جعلوا منها مركزا للدفاع عن البلاد المتاخمة للحدود.
فقال القائد محب: على أي حال يا مولاي أرى أن نهجم بقوات خفيفة، حتى لا نتكبد خسارة فادحة.
ولم يستحسن الأمير أحمس هذا الرأي، فقال لأبيه: مولاي أرى خلاف هذا الرأي، أرى أن نهاجم بقوات كثيفة لا تقاوم، وأن نقذف جل قواتنا في المعركة لنضرب العدو الضربة القاضية في أقصر وقت، ونذهل القوات التي تحشد في طيبة الآن لقتالنا، ونقاتل من الغد رجالا يرون الموت ماثلا في قتالنا، ولا خوف علينا من المخاطرة بجنودنا، فسيتضاعف جيشنا بما ينضم إليه من المتطوعين في كل بلد نغزوه، ولن يجد عدونا لخسارته عوضا.
وراق هذا الرأي الملك فقال: إن رجالي يجودون بأنفسهم عن طيب خاطر في سبيل طيبة!
وكان الملك يعلم بما لانتصار الأسطول من أثر حاسم في كسب الموقعة، للدور الخطير الذي يلعبه في ضرب الحصار على شواطئ المدن الغنية أو إنزال جنود في مؤخرة العدو، فأصدر أمره إلى القائد قمكاف بالهجوم على سفن الرعاة الراسية غرب أمبوس.
وغدا الجيشان لا يفصل بينهما سوى ميدان فسيح، وكان الرعاة رجال حرب وجلاد، ذوي بأس ومقدرة، وكانوا يستهينون بالمصريين استهانة متأصلة، فبدءوهم بالهجوم وهم يجهلون قوتهم، وأرسلوا عليهم فرقة العجلات المكونة من مائة عجلة حربية، وأصدر كاموس أمره بالهجوم، فاندفعت قوات من العجلات تزيد على ثلاثمائة، وأطبقت على قوة العدو فثار النقع وصهلت الخيل وعزفت القسي، ودار قتال عنيف، وعزم الأمير أحمس على أن يقضي على العدو القضاء المبرم فاندفع بمائتي عجلة جديدة على قوات المشاة التي تنتظر نتيجة معركة العجلات أمام أبواب أمبوس، وتبعته قوات من فرقة القسي وأخرى من حملة الرماح، وانقضت العجلات على المشاة فاخترقت صفوفهم وألقت فيها الاضطراب والفزع، وانهالت عليهم بالسهام كالمطر، فتشتت شملهم بين جريح وقتيل وهارب فتلقتهم قوة المشاة المهاجمة في كثرة لا تقاوم وقضت عليهم القضاء الأخير، وذهل العدو الذي لم يكن يتوقع أن يلاقي قوات بهذا العدد، وانهارت قواته سريعا، وتساقط فرسانه وحطمت عجلاته، وسيطر المصريون على الميدان في زمن يسير لا يصدق، بعد أن قاتلوا بغضب وحنق، وضربوا بسواعد يشد أعصابها حقد مؤرث وسخيمة مستعرة.
واقتحمت قوات مسلحة أبواب أمبوس ودخلتها عنوة لتحتل الثكنات وتطهرها من بقايا جنود العدو، ومضى الضباط في الميدان ينظمون فرقهم ويحملون الجرحى والقتلى. ووقف الملك كاموس في وسط الميدان على عجلته يحيط به القواد إلى يمينه الأمير أحمس وإلى يساره الحاجب حور، وكانت الأنباء جاءته بأن أسطوله كر على سفن العدو وهجم عليها بشدة، وأنها تقهقرت أمامه دون انتظام .. فسر الملك وقال لمن حوله مبتسما: بدء موفق!
فقال الأمير أحمس، وكان معفر الثياب مغبر الوجه متصبب الجبين عرقا: إني أتوق لخوض معارك أشد هولا!
فقال كاموس وهو يلقي على وجهه الجميل نظرة إعجاب: لن يطول انتظارك.
نامعلوم صفحہ