2
مدرسة جديدة
كان وجود فهيم بالسكة الحديد يجعل ذهاب فرغلي إلى مدرسة البندر أمرا ميسورا؛ فقد كان الكمسارية جميعا يعرفونه، وكان من الطبيعي أن يركب فرغلي القطار مجانا، فكان أبوه يصحبه في باكر الصباح إلى القطار الأول، وكان ينتظره حتى يعود في قطار الخامسة من بعد الظهر.
وكان القطار في ذاته مصدر متعة لفرغلي، والعجيب أنها متعة لم تنل منها الأيام أو ينقصها التكرار.
وفي الأيام الأولى استطاع فرغلي أن يصادق التلاميذ وصادقوه، وفرحوا بهذه السذاجة التي طالعتهم منه؛ فقد تكشف لهم عن إنسان لا يعرف شيئا من المعلومات التي يعرفها الأطفال في هذه السن الباكرة. إنها تلك المعلومات التي جعلت أحد الفلاسفة الكبار يقول لست صغيرا لدرجة أنني أعرف كل شيء.
كان الأطفال يعرفون كل شيء أو خيل لهم ذلك على الأقل، في حين لا يعرف فرغلي شيئا على الإطلاق، وكما ينبت الخير من الشر في كثير من الأحيان أصبح هذا الجهل من فرغلي هو أهم العناصر التي تجعل صداقته محببة لزملائه.
وأن يجد التلاميذ فرصة مثل هذه الفرصة التي يهيئها لهم جهل فرغلي. لقد أصبحوا جميعا له أساتذة في علم الحياة؛ فعرف منهم خفايا الجنس واللفظ الجارح قبل أن يعرف منهم لعب الكرة أو لعب البلي.
وأصبحت المدرسة عند فرغلي متعة بعد أن كانت وبالا عليه. وأصبح التلاميذ يقبلون عليه في لهفة يضحكون من سذاجته ثم يمارسون عليه أستاذية لا يتيحها لهم تلميذ آخر. ولكن أتترك الأيام فرغلي ينعم بهذا الاقبال؟ ولماذا وماذا يكون هو حتى لا يواجه من الحياة ما يواجهه أمثاله؟ وكيف يمكن أن ينشغل عنه مجتمعه ولا يصيب منه ما يصيبه من الآخرين ألما وعنتا؟
حين انقضت الشهور الأولى لأيامه في المدرسة بدأت تتضح أشياء لم يكن من الممكن أن تتضح إلا إذا مر بها الوقت. فالملابس التي دخل بها الطلبة إلى المدرسة كانت جديدة في بدء العام الدراسي، ولا بد لكل جديد أن يصيبه القدم .
والملابس بالذات تتأثر بالاستعمال أكثر مما تتأثر بالزمن.
نامعلوم صفحہ