وحين بدأ الصراع مع الشيوعيين سمح له وصفي أن يقدم هو أسماء زملاء فتحي وفتحي نفسه وغيرهم ممن امتدت صلته إليهم مع الأيام، وازداد فرغلي تألقا.
وفي هذا الألق وتحت هذه الأضواء زارته إسعاد فريد النجمة المتوهجة في سماء الفن، والتي كان يراها على الشاشة فيبهت عن العالم أجمع، وينكمش خياله أن يمتد ليتصور أنه يستطيع في يوم من الأيام أن يرى هذه الأعجوبة رأي عين.
وحين جلست أمام مكتبه تدافع تاريخه كله إلى كيانه. كيف استطاع ابن فهيم وابن الغزية أن يجلس هكذا وجها لوجه إلى إسعاد فريد، وتذكر زوجته حياة وتساءل إذا كانت حياة حياة فالموت أمنية. إنما الحياة الحقيقية هي تلك التي تجلس الآن أمامه، وتحدثت وظل ذاهلا عن الحديث. ومضت في حديثها وظل هو على ذهوله، وأدركت إسعاد في خبرة الفنانة التي تعرف مدى شهرتها وسحر الإشعاع المنبعث منها الحالة التي يعانيها فرغلي، وفرحت لا كما تفرح عادة كلما رأت أثرها على الناس وإنما كان فرحها أكثر عمقا، فهذا الذي تجلس إليه نجم مضيء من نجوم كل العهود، فإذا كانت تمكنت أن تصل إليه بهذه الصاعقة التي تلف كيانه فإن لها إذن معه شأنا أي شأن، وإن لها مع المستقبل أيضا شأنا أي شأن، فالنجوم التمثيلية يعرفون دائما أنهم كلما صعدوا إلى القمة اقتربوا من الهاوية، وأن تألقهم كاشتعال المغنسيوم شديد مبهر أخاذ ولكنه قصير الأمد سريع الانطفاء.
صمتت إسعاد، وضحكت، وظل على ذهوله فرغلي، وطال الصمت والذهول، وإسعاد بكليمها سعيدة منتشية كخمر تمشت في أوصال عربيد.
وحين دخل الحاجب بالقهوة والكازوزا صحا الذاهل وابتسمت النشوة، وأخذ الحاجب معه الذهول والنشوة وخرج بهما وأقفل الباب عن اثنين يتيقظ كل منهما من غيبوبة كان بها سعيدا. والعجيب أن كليهما مع إفاقته ظل سعيدا.
وعادت إسعاد إلى الحديث دون أن تشير إلى فترة الانصعاق منه ولا فترة الانتشاء منها. - سمعت عنك الكثير. - أرجو أن يكون كما أتمنى. - أنا هنا؛ ألست كذلك. - الذي لا أعرفه إن كنت أنا هنا أم لا. - ولكني هنا. - وربما تشككت في هذا أيضا. - تأكد أننا هنا. - فأرجو إذن أن أكون معك. - وأنا أيضا أرجو ذلك. - أريد أن أبني عمارة. - واحدة. - كبيرة. - ليس شيء بالنسبة إليك كبيرا. - العمارة. - نتغدى معا ونتكلم في التفاصيل. •••
وبدأت العلاقة بريئة كل البراءة فقد أدركت إسعاد أنها تملك فرصة لن تعود، ومن في مثل خبرتها إذا تمكنت من فرصة أحسنت التعامل معها، ويكفيها ذكاء أنها ألفت مسألة العمارة هذه لتتعرف به، أما ما كان لديها فقد يكفي لبناء حجرة.
عجيب ذلك القدر لقد كانت لا تجد شيئا تعطيه فمرت بمعرض الشركة وأعجبتها بضعة أشياء اشترتها، وحين همت بدفع الثمن خطر لها أن تجرب شهرتها وتتعرف بهذا الفرغلي الذي راح صيته يدوي، واخترعت حكاية العمارة دهليزا أن يخفض ثمن الأشياء التي اشترتها، وقد أدركت أنها ملكت الرجل منذ أول وهلة وازدادت يقينا حين أمر أن يضاف ثمن ما اشترته على حسابه الخاص. خيوط مما تنسج الأيام واهية لا تكاد ترى وما هي إلا دورة أشهر قد لا تكتمل سنين، فإذا هي خيط القدر نفسه؛ تتغير الدنيا وما تنسجه لا يتغير. •••
في هذه الأثناء بدأ الصراع بين العهد الحاكم وبين تجمع أمين الشبراوي، ومرة أخرى تقدم فرغلي بالأسماء التي عنده، وفي هذه المرة كانت القائمة التي قدمها وحده مئات من الناس، فقد كانت صلته بالشبراوي قد توطدت حتى عرف منه أسرارا لم تستطع الأجهزة الأخرى كلها أن تصل إليها. وقد استطاع هو أيضا أن يضيف إلى كل من تربطه صلة بأي فرد من أفراد التنظيم سواء كانت هذه الصلة ذات شأن بأهدافهم أم لم تكن. وازداد فرغلي تألقا.
تزوج فرغلي من إسعاد، وتقدم إليها برجاء واحد أن يكتما خبر الزواج، وقبلت بثمن باهظ، ولكن ثروة فرغلي لم تعد تحس بأي ثمن يمكن أن يكون باهظا حتى ولو كان عشرة آلاف جنيه، أثثا شقة كانت إسعاد تنتقي وكان هو يدفع، وما أحس بسعادة في الإنفاق قدر سعادته بهذه الأيام. •••
نامعلوم صفحہ