ومجده الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، أطلع شمس الرسالة في حنادس الظلم سراجا منيرا، ومن بها على أهل الأرض فيا لها من نعمة لا يستطيعون لها شكورا، فجر ينابيع الهداية في قلوب من سبقت لهم منه الحسنى تفجيرا.
أحمده حمد من يعلم أنه لم يزل ولا يزال بجميع المحامد جديرا، وأستعينه استعانة من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأكبره تكبيرا. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين، فأبى أكثر الناس إلا كفورا.
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى. عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن تخلصوا له الأعمال، وتراقبوه في جميع الأحوال، وأن تتقربوا إليه من طاعته بما يرضيه، وتجتنبوا مساخطه ومناهيه. فقد صح عن نبيكم ﷺ أنه قال: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ١") . قال عمر بن الخطاب ﵁: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. وزنوها قبل أن توزنوا. وتأهبوا للعرض الأكبر على الله، يومئذ تعرضون لا تخفى على الله منكم خافية ٢".
وقال الحسن ﵀: "إن أيسر الناس حسابا يوم القيامة الذين حاسبوا أنفسهم لله في هذه الدنيا، فوقفوا عند همومهم وأعمالهم، فإن كان الذي هموا به
_________
١ سبق تخريجه ص ٧.
٢ في طبعة أم القرى بدون على الله.
1 / 49