كان منصور منذ طفولته ذا جاذبية آسرة، لا يراه أحد إلا كبر لله؛ فقد كان في وجهه حب وإيناس. ومن عجب أنه وهو الطفل يجعل المقترب منه يحاول أن يرضيه بكل وسائل الإرضاء، ويسعد جليسه غاية السعادة إذا ابتسم، ويشعر مرافقه أنه هو الذي يبتسم لا الطفل!
أذن الله للحاج عبد الهادي أن يبر بقسمه، وختم منصور القرآن وهو في العاشرة من عمره؛ فلم يتأخر عن رفاق سنه في المدرسة إلا سنتين. وما سنتان في عمر الزمان؟ •••
حين كان يأتي الشيخ مأمون ليعلم حفيده كان يلاحظ في السنوات الأخيرة من حفظ منصور للقرآن أن ابنته روحية تضوى ويشتد بها الهزال. - يا ابنتي ألا تأكلين؟ - يا أبي كيف؟ هل يستطيع الإنسان أن يعيش بغير أكل؟ - هزالك يشتد، لعلك تخجلين أن تأكلي ... - أيخجل الإنسان في بيته؟ وأنت تعرف أنني أقوم بشئون البيت جميعا، وأن حماتي خالتي حميدة قد تركت كل شيء لي، وهي سعيدة بذلك، فممن أخجل إذن؟ - إذن لا بد أن هناك شيئا يسبب هذا الهزال.
ودخل الحاج عبد الهادي مرة وسمع هذا الحوار: أنت محق يا شيخ مأمون؛ ولهذا طلبت الآن الطبيب دكتور إسماعيل حسني ليقول لنا رأيه.
وجاء الطبيب وقال: ليس بها شيء عضوي، وربما تحتاج بعض المقويات.
وارتاح الحاج عبد الهادي والشيخ مأمون لهذا القول، وحمدا الله. وكان منصور يرقب هذا جميعا بقلب واجف محاولا ألا يشعر به أحد، غير أن عيني أمه كانتا ترقبانه في تطلع وسعادة أنه مهتم بشأنها. ورأت في محياه أنه غير مطمئن لكلام الطبيب، وأنه لم يسارع إلى تصديقه كما فعل جداه، فإذا هو يقول لهما: لا بأس أن نجرب دواء هذا الطبيب بعض الوقت، ثم نسأل طبيبا آخر.
وضحك الجدان في سعادة غامرة؛ فالرأي سليم ، وسكوت منصور طول فترة وجود الطبيب وعدم مشاركته الكبار في كل ما دار من أحاديث أثار في نفس الجدين معا الكثير من العجب والإعجاب.
وبمناسبة ختام منصور للقرآن أقام الحاج عبد الهادي ليلة لله سبحانه وتعالى، تداول فيها مشاهير قراء القرآن قراءة القرآن. وقام المشايخ بعمل الخاتمة، ووزعت الصدقات على الفقراء والمعوزين. وكانت روحية هي التي تقوم بشئون الليلة جميعا التي استمرت إلى الصباح.
وقبل أن يترك المشايخ البيت جاء من يطلب إليهم البقاء. لقد ماتت روحية، والليلة في ختامها الأخير.
كأنما كانت على موعد مع إبراهيم أن تلحق به حين تطمئن على مستقبل منصور!
نامعلوم صفحہ