خرافہ: مختصر تعارف
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
ولقد أثبتت مجموعة من دارسي الحضارة اليونانية والرومانية القديمة الفرنسيين الذين كان مصدر إلهامهم لوي جرنيه ويترأسهم جون-بيير فرنان (1914-2007)؛ ولاءهم الكامل لبنيوية ليفي-ستروس، حتى إنهم تبنوها منهجا. كان يلقى باللائمة على ليفي-ستروس بصورة منتظمة بسبب عزل الأسطورة عن سياقاتها المتعددة، الاجتماعية، الثقافية، السياسية، الاقتصادية، بل الجنسية. وفي مقاله حول أسطورة أسديوال، يقدم ليفي-ستروس تحليلا إثنوجرافيا مفصلا للأسطورة، فاحصا ودامجا العوامل الجغرافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والكونية، إلا أنه لا يفعل ذلك في أي موضع آخر. واتخذ فرنان وزملاؤه من دارسي الحضارة اليونانية والرومانية - خاصة مارسيل ديتيان، وبيير فيدال-ناكي، ونيكول لورو - من تحليل أسطورة أسديوال نموذجا لهم. وبوصفهم ورثة لما تركه ليفي-ستروس، سعى هؤلاء العلماء إلى فك شفرة الأنماط المؤسسة للأساطير والكامنة فيها في كثير من الأحيان، لكنهم سعوا فيما بعد إلى ربط هذه الأنماط بالأنماط الموجودة في الثقافة بصورة عامة.
مارسيل ديتيان حول أدونيس
كرس دارس الحضارة اليونانية والرومانية الفرنسي مارسيل ديتيان (ولد عام 1936)، كتابا كاملا لأسطورة أدونيس بعنوان «حدائق أدونيس»، وكان في ذلك الوقت تابعا مخلصا لليفي-ستروس. بينما يعتبر أدونيس في رأي فريزر قوة غير شخصية أكثر منه إلها، اعتبر أدونيس في رأي ديتيان بشرا أكثر منه إلها. بينما يرمز أدونيس في رأي فريزر للنبات، يرمز - بل يوازي - أحد أشكال النبات في رأي ديتيان إلى أدونيس. بينما يموت أدونيس ثم يبعث في رأي فريزر سنويا، مثل النباتات، ينمو أدونيس بسرعة، مثل النباتات المرتبطة به، ثم يموت بسرعة، مرة واحدة إلى الأبد. والأدهى من ذلك، بينما يكمن معنى الأسطورة في رأي فريزر في الحبكة - الميلاد، المراهقة، الموت، والبعث - يكمن المعنى للأسطورة في رأي ديتيان في العلاقة الجدلية بين عناصر الحبكة: الشخصيات، الأماكن، الأزمنة، والأحداث.
في رأي ديتيان، سائرا على نهج ليفي-ستروس، توجد هذه العلاقة الجدلية في عدة مستويات، نباتية، فلكية، موسمية، دينية، واجتماعية. وفي كل مستوى من المستويات توجد منطقة وسط بين النقائض المتطرفة. وتتناظر المستويات فيما بينها، ولا ترمز إلى بعضها. فتشبه العلاقة بين العناصر في مستوى الغذاء العلاقة بين العناصر في المستوى النباتي. في المقابل، يرتبط المستوى الغذائي - حيث تقع الحبوب واللحم المطهي بين التوابل في أحد الأطراف والخس واللحم النيئ على الطرف الآخر - ارتباطا وثيقا بالمستويات الأخرى.
يربط ديتيان أولا بين التوابل والآلهة، وبين الحبوب واللحم المطهي والبشر، وبين الخس واللحم النيئ والحيوانات. يجري حرق التوابل خلال طقوس تقديم القرابين إلى الآلهة، فتصعد رائحة الحريق إلى الآلهة، التي تستنشقها كمكافئ للغذاء. ونظرا لأن اللحم مطهو وغير محروق، يأخذه البشر، الذين يزرعون الحبوب أيضا. ومثلما يذهب اللحم المحروق إلى الآلهة في صورة أدخنة، يذهب اللحم النيئ إلى الحيوانات، التي يربط ديتيان بينها وبين الخس. بالإضافة إلى ذلك، يجري الربط بين التوابل والآلهة بسبب علاقتها بالشمس ومن ثم بقمة جبل الأوليمب، الذي يمثل المكان الذي يعلو الأرض في الخيال اليوناني. ولا يجري حرق التوابل عن طريق الشمس فحسب، بل إن بذورها تنمو حيث ومتى كانت أقرب إلى الشمس، في أكثر الأماكن حرارة وفي أكثر أيام الصيف حرارة. في المقابل، يعتبر الخس باردا ومن ثم يرتبط بأكثر الأماكن والأوقات برودة؛ العالم الموجود أسفل الأرض - البحار والعالم السفلي - والشتاء. ولا يؤكل اللحم النيئ إلا «باردا».
تقع الحبوب واللحم المطهي بين التوابل من جانب، والخس واللحم النيئ من جانب آخر. ومثلما يجب طهي اللحم، في رأي البشر، بدلا من حرقه أو أكله نيئا، تحتاج الحبوب، حتى تنمو، إلى بعض حرارة الشمس وليس التعرض إليها كثيرا: «في منطقة وسط على النطاق الجغرافي، تقع على مسافة كبيرة من حرارة الشمس النباتات الصالحة للأكل، والحبوب والفواكه.» ومن ثم لا تزرع الحبوب فوق الأرض أو تحت الأرض، ولكنها تزرع داخل الأرض. وبينما يجري جمع بذور التوابل إذن خلال فصل الصيف والخس خلال فصل الشتاء إلى حد ما، يجري حصاد المحاصيل في فصل الخريف بين هذا وذاك.
ترتبط التوابل بالآلهة لأسباب أخرى. تجمع بذورها أكثر مما تزرع، ولا تتطلب مجهودا ومن ثم تناسب حياة الآلهة. في المقابل، بينما لا تعمل الحيوانات، التي تأكل ما تجده، للحصول على عشائها، تأكل الآلهة ما ترغب فيه. تأكل الحيوانات ما تجده فقط. إذن، لا تضطر الآلهة إلى أن تعمل لتتناول غذاء أفضل من غذاء البشر . وتارة أخرى، يقع البشر في منطقة وسيطة. بينما يجب أن يعمل البشر للحصول على الغذاء، وعندما يعملون يجدون ما يكفي، بالكاد أحيانا، من الغذاء. وفي قصيدة الشاعر اليوناني هسيود «العصر الذهبي»، كان البشر مثل الآلهة تماما؛ نظرا لأن لديهم الكثير لتناوله دون الحاجة إلى العمل. ومستقبلا، سيصير البشر مثل الحيوانات، يرفضون العمل، ومن ثم يصبحون جوعى.
لا ترتبط التوابل بالآلهة فقط بل أيضا بالفوضى الجنسية. وبدلا من جعل الفوضى الجنسية امتيازا إلهيا، يجعل ديتيان من زيوس وهيرا الزوجين المثاليين حتى في ظل مغامرات زيوس: «يؤكد الزوج زيوس-هيرا على التقديس الطقوسي الذي يصدق على وحدة الزوج والزوجة.» ولا ترتبط الآلهة بل التوابل، من خلال شذاها العطري، ومن ثم إغوائها، بالفوضى الجنسية: «في صورة دهانات، وروائح، ومنتجات تجميلية أخرى تؤدي [التوابل] أيضا وظيفة جنسية.» لا يعتبر من قبيل المصادفة، إذن، أن تتخلل التوابل كل شيء في مهرجان أدونيا، الذي كان يجري الاحتفال به خلال أكثر الأيام حرارة، فضلا عن سمعته السيئة بتوفر الفوضى الجنسية خلال فعاليته. في المقابل، يربط ديتيان الخس واللحم النيئ - وليس الحيوانات - بالعقم والتبتل. يرجع ذلك إلى أن الرائحة الكريهة للحم الفاسد، إن لم يكن النيئ - إذ يساوي ديتيان بين الاثنين إلى حد ما - تبعد بدلا من أن تجذب ومن ثم تمنع ممارسة الجنس. ليس من قبيل المصادفة إذن أن يزدرى رجال جزيرة لمنوس النساء فيها لرائحتهن النتنة.
وبين الفوضى الجنسية من جانب والعقم أو التبتل من جانب آخر يقع الزواج الذي يرتبط بمهرجان الثسموفوريا، مثلما يشير ديتيان. على الرغم من منع الرجال من المشاركة فيه، كان المهرجان، الذي كان يحتفل به سنويا في أثينا لمدة ثلاثة أيام، يحتفي بالزواج. كانت الإناث المشاركات جميعهن متزوجات. وبين شذا أدونيا والرائحة النتنة لإناث لمنوس، كانت الرائحة السيئة في المهرجان تهدف إلى إبعاد الرجال خلال فترة المهرجان فقط.
يربط ديتيان بين هذه المستويات الثلاثة جميعا بحياة أدونيس وبالحدائق الطقوسية المخصصة له. في كل مستوى من المستويات، كما يذهب ديتيان، يوجد أدونيس في أحد طرفي النقيض وليس في المنطقة الوسطى. يقفز أدونيس من طرف نقيض إلى طرف آخر، متخطيا منطقة الوسط. ويمثل مصير أدونيس مصير أي إنسان يجرؤ على التصرف كإله؛ إذ يجري سخطه إلى حيوان. وفي اجترائه على الفوضى الجنسية، يكشف الإنسان عن عجزه الجنسي.
نامعلوم صفحہ