خرافہ: مختصر تعارف
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
يعتبر الدين البدائي هو النظير البدائي للعلم؛ نظرا لأن كليهما يقدمان تفسيرات للعالم المادي؛ بناء عليه، يصف تايلور الدين البدائي بأنه «بيولوجيا بدائية»، مؤكدا على «إحلال علم الفلك الميكانيكي محل علم الفلك الروحاني عند الأعراق الدنيا تدريجيا»، وأنه حاليا «يحل علم الأمراض البيولوجية محل علم الأمراض الروحانية تدريجيا.» إضافة إلى ذلك، يعتبر التفسير الديني شخصانيا؛ إذ تفسر قرارات الآلهة الأحداث، بينما يعد التفسير العلمي غير شخصي؛ إذ تفسر القوانين الميكانيكية الأحداث. وبذلك حلت العلوم في مجملها محل الدين كتفسير للعالم المادي، بحيث صار «علم الفلك الروحاني» و«علم الأمراض الروحاني» يشيران فقط إلى المذهب الروحاني البدائي، لا الحديث. وأسلم الدين الحديث راية تفسير العالم المادي إلى العلم، وانزوى إلى العالم غير المادي، خاصة إلى عالم الحياة بعد الموت، بعبارة أخرى إلى حياة الروح بعد موت الجسد. وفيما تعتبر الأرواح مادية في الدين البدائي، تعتبر غير مادية في الدين الحديث كما تقتصر على البشر:
في وقتنا هذا ودولتنا هذه، نلاحظ تلاشي فكرة أرواح المخلوقات. ويبدو المذهب الروحاني كأنه ينسحب من قواعده المترامية، ويمركز نفسه في وضعه الأول والرئيس، وهو مذهب الروح البشرية ... تخلت الروح عن مادتها الأثيرية، وصارت كيانا غير مادي، «ظلا لظل». ويتزايد انفصال نظرية الروح عن نطاق الأبحاث في علم الأحياء والعلوم العقلية، التي تناقش حاليا ظاهرة الحياة والفكر، الحواس والعقل، المشاعر والإرادة، استنادا إلى أساس من التجربة الخالصة. فظهر إلى الوجود منتج فكري يعتبر وجوده - في حد ذاته - في غاية الأهمية؛ ألا وهو «علم النفس» الذي لم يعد له علاقة ب «الروح». وتقع الروح في الفكر الحديث في مجال ما وراء الطبيعة الدينية، وتتمثل مهمتها الخاصة هناك في تقديم جانب فكري إلى المذهب الديني للمستقبل. (تايلور، «الثقافة البدائية»، المجلد الثاني، ص85)
بالمثل، فيما تعتبر الآلهة مادية في الدين البدائي، فإنها غير مادية في الدين الحديث؛ بناء عليه، لم تعد الآلهة فاعلة في العالم المادي - ويفترض تايلور هنا أن الآثار المادية لا بد أن تكون لها أسباب مادية - كما لم يعد الدين تفسيرا للعالم المادي. فنقلت الآلهة من العالم المادي إلى العالم الاجتماعي، وأصبحت نماذج للبشر، مثلما يجب أن يكونوا وفقا لأفلاطون. يرجع المرء إذن الآن إلى الكتاب المقدس لتعلم الأخلاق، وليس الفيزياء. ويقرأ المرء الكتاب المقدس، لا ليعرف قصة الخلق بل لمعرفة الوصايا العشر، مثلما تمكن أعمال هوميروس، بعد تنقيحها، المرء من فعل ذلك، حسب رؤية أفلاطون. وهكذا، يحاكى المسيح باعتباره إنسانا مثاليا وليس باعتباره صانع معجزات. ولقد عبر عن نموذج لهذه الرؤية الناقد الثقافي ماثيو أرنولد في العصر الفيكتوري.
يشبه هذا الموقف التوافقي موقف عالم الأحياء التطورية الراحل ستيفن جاي جولد، الذي يعتبر العلم - خاصة علم التطور - متوافقا مع الدين؛ نظرا لأن كليهما لا يتقاطعان أبدا. وفيما يفسر العلم العالم المادي، يقدم الدين وصفة أخلاقية ويعطي معنى للحياة:
يحاول العلم توثيق الطبيعة الحقيقية للعالم الطبيعي، وتطوير نظريات تنسق هذه الحقائق وتفسرها. على الجانب الآخر، يوجد الدين في مجال الأغراض والمعاني والقيم الإنسانية. (جولد، «صخور العصور»، ص4)
رغم ذلك، بينما أدى الدين «دوما» عند جولد وظيفة مختلفة عن وظيفة العلم ، أجبر الدين من وجهة نظر تايلور على التقهقر؛ نظرا لتهميش العلم له قسرا، وصارت وظيفته الحالية أضعف. ويعتبر تايلور أقرب إلى عالم الأحياء ريتشارد دوكينز، على الرغم من أن دوكينز، على عكس تايلور، غير مستعد حتى لأن يمنح الدين وظيفة أقل بعد ظهور العلم.
ويرى تايلور أن تضاؤل دور الدين، كتفسير للعالم المادي، كان يعني تضاؤل دور الأساطير بالكامل التي تقتصر من وجهة نظره على الدين البدائي. وعلى الرغم من أن الأساطير هي إسهاب للاعتقاد في الآلهة، فإن هذا الاعتقاد في حد ذاته قادر على الصمود أمام صعود العلم حيثما تعجز الأسطورة عن ذلك إلى حد ما. ومن الواضح أن الأساطير وثيقة الصلة بالآلهة كأياد فاعلة في العالم بصورة لا تسمح بإجراء أية عملية تحول مقارنة من الفيزياء إلى ما وراء الطبيعة. إذن، بينما يوجد «دين حديث»، على الرغم من كونه دينا لا يمارس الدور الرئيس في التفسير، فإنه لا توجد أساطير حديثة.
في وضع الأسطورة في مواجهة العلم، كما هي الحال في وضع الدين كتفسير في مقابل العلم، يجسد تايلور النظرة حيال الأساطير في القرن التاسع عشر. وفي القرن العشرين، سار الاتجاه العام نحو التوفيق بين الأساطير والعلم من جهة وبين الدين والعلم من جهة أخرى، بحيث لا يستغني الناس في العلم الحديث عن الأسطورة أو الدين. مع ذلك، تظل وجهة نظر تايلور شائعة بلا شك، ويتبناها أولئك ممن يثير لديهم مصطلح «الأسطورة» قصصا تدور حول الآلهة اليونانية والرومانية.
ويرى تايلور أن العلم لا يجعل الأسطورة شيئا غير ضروري فحسب، بل يجعلها أيضا غير مقبولة. لماذا؟ لأن التفسيرات التي يطرحها كل من الأسطورة والعلم غير متوافقة. ولا يقتصر الأمر ببساطة على أن تفسيرات الأساطير شخصانية وأن التفسيرات العلمية غير شخصية، بل يتجاوز ذلك إلى أن كليهما يطرح تفسيرات «مباشرة» للأحداث «نفسها»، فلا تؤثر الآلهة في الأشياء من خلف أو من خلال قوى غير شخصية، بل تحل محلها؛ ففي الأسطورة، يجمع إله الأمطار، على سبيل المثال ، الأمطار في دلاء ثم يقرر تفريغها في منطقة ما أسفل منه، أما في العلم، تسبب الأحوال الجوية الأمطار. وبذلك، لا يستطيع المرء وضع التفسير الخرافي فوق التفسير العلمي؛ لأن إله المطر، بدلا من استخدام الأحوال الجوية، يسقط الأمطار ويتسبب فيها بدلا منها.
بصورة أدق، لا تعتبر السببية في الأساطير مسألة شخصانية بالكامل قط. ويفترض قرار إله المطر إنزال الأمطار فوق منطقة ما وجود قوانين فيزيائية يرجع إليها سبب تراكم الأمطار في السماء، وسعة الدلاء للاحتفاظ بالأمطار، وتوجيه الأمطار الهاطلة. ولكن، حتى يحافظ تايلور على الفجوة الصارمة بين الأسطورة والعلم، لا شك أنه سيجيب بأن الأساطير نفسها تتجاهل العمليات الفيزيائية وتركز على القرارات الإلهية فقط.
نامعلوم صفحہ