خلاصة تاریخ العراق: منذ نشوئہ الی یومنا ھذا
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
اصناف
للقيام بأمور الوضوء بدلا من الماء، وهو المعروف بالتيمم. (8-8) الوسم عند القبيلة
ولكل قبيلة علامة خاصة بها تعرف بها إبلها من إبل غيرها، وهي «الوسم»، وقد تنقش هذه العلامة على الصخور أيضا إشارة إلى نهاية حدود أرض القبيلة، وقد ترى بجانب هذا الوسم أسماء بعض الأعراب إذا كان ثم من يحسن الكتابة، ويضيفون على اسمهم بعض أمور أو ذكر بعض وقائع. وفي سابق العهد كانوا يصورون بعض تصاوير في غاية السذاجة، مما يدل على جهلهم لأصول الرسم. والأعراب لم يزيدوا شيئا على الريازة أو فن البناء، غير أنهم نجحوا أكثر في أمر الزخارف، ولهم استعداد للموسيقى والغناء وعلم الإيقاع، لكن دين الإسلام لم يساعد على ترقية هذه الفنون الباعثة إلى الملاهي، فنجحوا كل النجاح في علوم الآداب، حتى برعوا فيها إلى ما لا غاية له بعد ما وصلوا إليه من الشأو البعيد. (9) مستقبل أعراب العراق
مضت عدة قرون وأعراب بوادي العراق على حالتهم الأولى التي كانوا عليها منذ وجودهم في هذه الديار، ولم تسع الحكومة السابقة إلى إصلاح شئونهم ولا إلى ترقيهم ولا إلى ردع غزواتهم. أما بعد هذا العهد فلا نظن أنهم يبقون على تلك الحالة الفطرية، بل إما أن يظعنوا عن هذه البلاد، وإما أن يذعنوا إلى مقتضيات الأحوال ، فيصلحوا شئونهم، ويقلعوا عن مفاسدهم الماضية ويبدءوا بأن يسيروا على نهج جديد قويم، ينفعون به أنفسهم وينفعون غيرهم.
أما سبب هذا التغيير فلا بد منه، وهو أن الحكومة البريطانية تريد أن ترقي أحوال هذه الأصقاع الاجتماعية بأن تؤمن الطرق، وتنشر الزراعة، وتبعد عن أهاليها كل ما يعرض أتعابهم للتلف، وهذا لا يتحقق إن لم تسع فتقطع دابر أهل البادية الذين من دأبهم قطع الطرق ونهب حواصل الزراع وشن الغارات على أهل المدن والقرى القريبين منهم، فإذا أخلدوا إلى الراحة أو الإقامة في المواطن التي كانوا فيها سابقا فلا بد من أن يتخذوا لأنفسهم وسيلة للمعيشة، ولا وسيلة لهم سوى الزراعة ورعاية الأغنام ومعالجة المهن التي تمكنهم من التعيش وهم في بواديهم، وإلا فروا إلى البوادي التي لا تنالهم فيها جند الأمن الذين تقيمهم الدولة المحتلة في المواطن التي يخاف عليها من فسادهم. ولا جرم أن أرباب الحل والعقد يسهلون لهم وسائل الزراعة، بل وسائل منافع الحضارة، فيتمكن بعضهم من الإقامة في القرى وتهذيب أولادهم لكي لا ينشئوا على حب النهب والسلب والغزو.
وهل يقبل العاقل أن يرى بضعة ملايين من الخلائق يعيشون هملا في البوادي وهم على أحسن حالة من الصحة والعافية، يتجولون في الديار، ولا يصدر من أيديهم إلا العيث كالذئاب المفترسة؟ بل هل يقبل العاقل أن يرى هذه الألوف المؤلفة وهي لا تأتي نفعا للمواطن التي يسكنونها، بل يتقلبون على وجهها بدون أن يقلبوا تلك الأراضي جنانا خضرة نضرة؟ ولعلك تقول: إن هؤلاء الأعراب لا يذعنون لحكم حاكم، ولا يرضخون لأوامره، ولا يودون أن يقيدوا أنفسهم بقيود أهل الحضر. نعم، كل هذا صحيح إذا كان الحاكم جائرا والأوامر مرة، والقيود قيود أسرى كما ظهر مثل ذلك في عهد الحكومة السابقة، أما إذا كان الحاكم أبا شفيقا رحيما يظهر لهم ترقيهم وتسهيل أمور معيشتهم، فإنهم ينقادون انقياد الغنم لراعيهم. ولا شك أن الحكومة المحتلة إذا أرادت جذبهم إلى الحضارة تبذل لهم عن يد سخية ما يسهل لها أمر الزراعة ، وتساعدهم على حصول البذار، ولا تأخذ منهم الرسوم في السنين الأولى إلى أن ترسخ قدمهم في الأرض، ويطيب لهم أمر العيش الجديد، وحينئذ تنتقل إلى درجة ثم إلى درجة، إلى أن يروا أنفسهم من أهل القرى والمدن بدون أن يشعروا بهذا الانتقال. (10) مستقبل ديار العراق - تأثير سلطة البحر - المواصلات وطرقها - البصرة باب واسع لتجارة الشرق - سكك الحديد (10-1) مستقبل ديار العراق
رأينا فيما وقفنا عليه من تاريخ هذه البلاد أن العراق كان قلب الحضارة في سابق العهد، وكان أهله قد برزوا في كل ميدان حتى بزوا سائر الأمم، وكانوا مع المصريين كفرسي رهان. وعن سكان هاتين البلادين أخذ الناس التمدن، وتعلموا الصنائع والفنون، وأوغلوا في العلوم والمعارف، ومن قابل حالته السابقة بحالته الحاضرة يعجب مما وقع فيه من الانحطاط والتقهقر، بينما أن مناوئتها المصرية عادت فرفعت رأسها كأنها تحاول الرجوع إلى مكانها الأسبق في عالم العمران، فلماذا عادت ديار أرض النيل إلى البعث والنشور، وديار العراق باقية في أكفان الموت والدثور؟ إن ذلك ناشئ من المربي؛ ففي بلاد الفراعنة دخل الإنكليز وأفرغوا كنانة وسعهم لإحياء تلك الأقطار. وأما هذه الديار فإنها غلقت في يد جيل من الناس لم يعتبر في نظر الأمم إلا مقودا لا قائدا، ومسودا لا سائدا، وإلا فإن تولى الأعمى قيادة الأعمى وقع كلاهما في الحفرة، وهذا ما حل في هذه المصرية؛ إذ إنه - والحمد لله - قد صارت اليوم إلى تلك الأمة التي أنعشت الديار الربوع، فهي الآن تأخذ بإقالة عثرة أهل العراق المساكين المظلومين مدة قرون متطاولة.
مركز العراق مركز القلب من جسم الحضارة والعمران، فهو في موقع يضمن له الرقي والسمو في قليل من الزمن؛ لأنه جامع بين أوروبة وآسية، بين بلاد متوفرة في صنائعها وبين بلاد متوفرة في محاصيلها، هو جامع بين أوروبة وآسية؛ لأنه أصبح بعد مد سكة الحديد عليه جسرا يمر عليه من يذهب من ديار الشرق الأقصى إلى ديار الغرب الأقصى، أصبح جسرا تنقل عليه بضائع الشرق لتبدل ببضائع الغرب، وقد كان هذا الطريق منذ العهد الواغل في القدم معروفا عند جميع أمم الأرض؛ ولهذا طمحت إليه أبصارهم، فتعاقبت عليه دول مختلفة؛ ولهذا السبب عينه أراد الإسكندر الكبير أن يجعل عرش مملكته الواسعة «بابل»، فعاجله الموت، فلم يخرج فكره من عالم الخيال إلى عالم الوجود.
إن البحار كانت هي الفاصلة بين الشرق والغرب، فلما اخترعت البواخر وشقت ترعة السويس اقتربت البلاد من البلاد، ورغب في ركوب متون البحار من لم يكن يحلم به قبل تقريب الشرق من الغرب.
على أنه بقي هناك أناس كثيرون يودون السفر بدون أن يذوقوا أهوال البحار، ولو كانت ديار العراق سهلة المقال بوجود سكك الحديد على ظهرها لرأيت ألوفا من الخلائق، بل ألوف الألوف تنتقل من بلاد إلى بلاد في السنة الواحدة. (10-2) تأثير سلطة البحر
ترينا مرويات التواريخ أن الأمة التي قبضت على أزمة البحار قبضت أيضا على أزمة حضارة راقية، وقهرت أمما جمة؛ فإننا لا نذكر شيئا من الملاحة على عهد نوح، فالظاهر أن بناء السفن كان في طور الإنشاء بما أن نوحا أقام مائة سنة لبناء فلكه، ولا نذكر شيئا من أهل الصين، فإنهم لم يكادوا يعرفون من سواحل بلادهم العظيمة إلا القدر النزر، ومع قلة خبرتهم لركوب البحار كانوا قد بلغوا رقيا بعيدا، ومدوا أيديهم إلى بلاد شاسعة؛ لكونهم كانوا يعرفون الملاحة.
نامعلوم صفحہ