خلاصة تاریخ العراق: منذ نشوئہ الی یومنا ھذا
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
اصناف
ومنذ ذاك الحين إلى أربعة قرون ملك البرث إيران وبلاد بابل، وأصبحت دولتهم أعظم دولة في الشرق، والأرجاء التي كانوا قد افتتحوها كانت مغشاة بالمدن اليونانية على ما ألمعنا إليه. وبهذا المعنى عمرت الهلنية طويلا في عهد الحكومة «البربرية» مدة أجيال في الأقاليم التي فقدها اليونان. ونظن أن تجارة المملكة البرثية بقيت في أيدي اليونان. وأظهر الملوك البرث الأخيرون التفاتا عظيما للعنصر اليوناني، وكانوا يلقبون أنفسهم «محسني اليونان»؛ تقربا من رعاياهم اليونان، لكن هؤلاء كانوا يخيرون دائما عليهم كل فاتح أوروبي. (18) الرومان يتممون في الشرق: نفوذ اليونان أصحاب الشرائع والنظام
ما من دولة نشأت في العالم واتسع ملكها إلا وطمح بصرها إلى أرض شنعار، وكان لسان حالها يقول: «إنك لا تسمين عظيمة وغنية ما لم تمدي يدك إلى تلك الديار وتستظهري على أهاليها.» ولهذا رأينا جميع الدول القديمة تأتي الواحدة تلو الأخرى لتغزو هذه الأرجاء وتقبض على أعنتها حتى تقوم أقوى منها، فترغمها وتنزعها من يدها وتطردها عنها فتحل محلها. ولقد رأينا دولة البرث قد قويت شوكتها وامتد ظلها شيئا فشيئا على البلاد المجاورة لها، حتى أخذت تهدد دولة الرومان التي كان قد استفحل شأنها وقتئذ، فنشأ بين الدولتين نزاع وخصام، وكل منهما تحاول قهر الأخرى والاستيلاء على ديارها ومحق سطوتها من عالم الوجود لتأمن على حياتها وتوطد دعائم ملكها على أسس رصينة محكمة.
بعد أن مضى على وفاة الإسكندر نحو 250 سنة رأى الرومان أن العناصر غير اليونانية في آسية الصغرى ربحت ما كان قد بذل الإسكندر لتحسينه وإصلاحه أو تشييده كل ما في وسعه مدة عشر سنوات، فحاولوا إيقاف تقدمهم، فأنفذوا قائدا محنكا في جيش لهام، اسمه لوقيوس لوقلس، فنجح في مهمته وأفنى جيش البنطس قرب كوزيكس على بحر مرمرة (73)، وفي السنة التالية أخذ لوقلس ديار البنطس نفسها وألجأ مثريدات على أن يهرب إلى أرض تكران ملك الأرمن. وفي سنة 69 هجم لوقلس على تكران زاحفا بجنوده على تكرانوكرت (وهي التي سميت آمد بعد ذلك، واليوم تعرف باسم ديار بكر)، فانتصر فيها نصرا مبينا على الأرمن، مع أنهم كانوا أكثر عددا من الرومان، وبعد سنتين استرجع مثريدات بلاده البنطس. وفي سنة 66 قلد بنبيوس قيادة الجيوش الرومانية في الشرق، فطرد مثريدات مرة ثانية من أرضه فمات شريدا طريدا، وكفر تكران لبنبيوس ووضع تاج مملكته الصغيرة بيد الرومان، فأذنوا له أن يقبض على صولجان تلك الدويلة التي كانت يوما بيد أرتحشيا، أحد أسلافه.
ولم يكتف بنبيوس بالفتح والغزو، بل أراد أن ينظم البلاد التي استحوذ عليها؛ لأنه إذا تم النظام في دولة سارت سيرا حثيثا في التقدم والفلاح، وأول شيء عمله هذا القائد الكبير أنه كور البلاد كورا رومانية، وأقام عليها عمالا رومانيين، مثل كورة «آسية» التي قامت مقام المملكة الأتاليدية
10
سنة 133ق.م، وقسم آخر كالبيثينية، مع جزء من غربي البنطس، جعل كورة رومانية على حد سورية. وتركت أصقاع أخرى لبعض الأمراء هم عمال للرومان، فكانت رومة في آسية وارثة للإسكندر، ومناضلة عن الهلنية وباثة لدعوتها. ولقد عدت رومة في آسية وفي أبعد أصقاعها عداد سلطة يونانية أو هلنية، ولم تفكر رومة أبدا بأن تلتن
11
صقع الشرق، نعم، وقع مع الوقت تغيير في التخوم وإبدال في الأقسام المختلفة، ولكن التلتين
12
لم يكن من فكر الرومان، وكانت ممالك الأقطار تتساقط شيئا فشيئا تحت سيطرة رومة رأسا، كما فعلت ذلك غلاطية مثلا في سنة 25ق.م، واليهودية في سنة 6ب.م، وكبدوكية في سنة 17ب.م، والكماجينة في سنة 72ب.م. وخلاصة القول: أن الهلنية المدمجة في رومية بقيت مالكة لآسية الواقعة في غربي الفرات ومصر، وبقيت الإيرانية مالكة ملكا ثابتا لبلادها المسماة بإيران، وظلت هذه الحالة بدون أن تتغير تغيرا جوهريا في الطرفين المتقابلين، إلى أن حدث حادث قلب العالم ظهرا لبطن، وهو ظهور الدولة العربية التي سنتكلم عنها فيما يأتي من كتابنا. (19) الدولة الساسانية
نامعلوم صفحہ