198

خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

ناشر

دار صادر

پبلشر کا مقام

بيروت

تَأْخُذ الْعُقُول وَكَانَ كل مِنْهُمَا شَدِيد الْحَط على الآخر فِي غيبته وَمن أبلغ مَا وَقع بَينهمَا أَن السُّلْطَان أَمر صَاحب التَّرْجَمَة أَن يهجو نفعي فهجاه بقصيدة أفحش فِيهَا فَلَمَّا سَمعهَا نفعي استشاط غيظا وَجزم على مكيدته وَعرض فِي الْمجْلس السلطاني بِأَن المنطقي يحسن محاكاة كل جيل من النَّاس وَأَن أحسن مَا رَآهُ مِنْهُ محاكاة الفرنج فِي الملبس والمكاامة فَنَادَى السُّلْطَان صَاحب التَّرْجَمَة وَذكر لَهُ مَا قَالَه نفعي عَنهُ فَحلف الْأَيْمَان الأكيدة أَنه لم يصدر مِنْهُ مثل ذَلِك قطّ وَمَا زَالَ يتخضع ويبكي حَتَّى خلص نَفسه من هَذِه الورطة الَّتِي كَانَ أدنى عَاقبَتهَا الْقَتْل وَلما تحرّك الْجند على السُّلْطَان وَقتلُوا الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الْحَافِظ انْقَطع صَاحب التَّرْجَمَة عَن صُحْبَة السُّلْطَان خوفًا من الْجند وَلزِمَ زَاوِيَة الْعُزْلَة وَظهر السُّلْطَان بعد ذَلِك على الْجند وَقتل مِنْهُم من قتل وَفرق شملهم فَظهر المنطقي إِلَى الْوُجُود إِلَّا أَنه ضرب بالحجاب بَينه وَبَين صُحْبَة السُّلْطَان كَغَيْرِهِ من الندماء وَلكنه بَقِي على التَّرَدُّد إِلَى مجَالِس الصُّدُور كالمفتي الْأَعْظَم الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّاء وَغَيره وَكَانَ كثير الْحَط على من يعاديه مغاليًا فِي إِظْهَار زيف أَبنَاء عصره خُصُوصا أهالي بلدته دمشق وَذكر وَالِدي فِي تَرْجَمته أَنه كَانَ يَوْمًا فِي مجْلِس الْمُفْتِي الْمَذْكُور فوصلت إِلَيْهِ قصيدة أرسلها إِلَيْهِ أديب دمشق أَحْمد بن شاهين ومطلعها
(لَا يسلني عَن الزَّمَان سؤول ... إنّ عتبي على الزَّمَان يطول)
فَنَاوَلَهُ الْمُفْتِي قرطاسها وَأمره بِقِرَاءَتِهَا فابتدر يقْرؤهَا ويحاكي ناظمها فِي حركاته وإنشاده الشّعْر وَكَانَ على طَريقَة أبي عبَادَة البحتري فِي إنشاده الشّعْر يتشدّق ويهز رَأسه ومنكبيه وَيُشِير بكمه وَيقف عِنْد كل بَيت وَيَقُول أَحْسَنت أَو أَجدت أَو مَا شاكلها إِلَى أَن أتم قرَاءَتهَا على هَذَا الأسلوب فَبلغ ابْن شاهين مَا فعله فَجهز قصيدة ثَانِيَة إِلَى الْمُفْتِي الْمَذْكُور ومطلعها قَوْله
(غب لثم الأعتاب بعد الدُّعَاء ... بشفاه لم تنو غير الشِّفَاء)
وَذكر فِيهَا فصلا يعرض بالمنطقي وَهُوَ فِي بَابه مستعذب جدًّا وَذَلِكَ قَوْله فِيهَا
(وأناس من الشآم نعتهم ... شامنا فِي جَوَانِب الغبراء)
(تَركتهم لَا يألفون خَلِيلًا ... من جَمِيع الورى لفقد الْوَفَاء)
(خَرجُوا يطْلبُونَ فضل ثواء ... ليتهم قد رَضوا بِفضل الثراء)
(ألفوا الْكسْب من وُجُوه البرايا ... مَا دروا قدر مكسب الْآبَاء)

1 / 199