الافتراض المسبق
الافتراضات المسبقة مقولات يعتبر منتج النص أنها ذات صحة سبق إقرارها أو «التسليم» بها (على الرغم من وجود السؤال الخاص بالطرف الذي سوف تسلم له، على نحو ما أقيم عليه الحجة أدناه)، وتوجد شتى المفاتيح الشكلية على سطح تنظيم النص التي تبين ذلك. إذ نرى على سبيل المثال أن المقولة الواردة في جملة يسبقها الحرف «أن» مقولة مفترضة سابقا، وتتلوها أفعال مثل «ينسى» أو «يأسف» أو «يتبين» (مثلا «كنت نسيت أن والدتك قد تزوجت من جديد»)؛ وأدوات التعريف مفاتيح لمقولات ذات معان تدل على «وجودها» (مثلا: «التهديد السوفييتي» تعبير يفترض سلفا وجود تهديد سوفييتي، و«المطر» يعني أن المطر يهطل أو كان يهطل).
1
وبعض مناقشات الافتراضات المسبقة (انظر لفنسون، 1983م، الفصل الرابع، حيث يورد عرضا شاملا) تعاملها بصورة غير تناصية، أي باعتبارها مقولات مقدمة إلى منتجي النصوص الذين يسلمون بصحتها، ولكن هذه النظرة تكتنفها مشكلات: إذ إنها تستتبع القول مثلا بأن الجملة التالية «التهديد السوفييتي خرافة» ذات دلالة متناقضة، ما دام منتج النص يسلم (وفق هذه النظرة) بوجود تهديد سوفييتي ويزعم عدم وجود مثل هذا التهديد. أما إذا نظرنا إلى الافتراضات المسبقة نظرة تناصية، وتصورنا أن المقولات المفترضة سلفا تمثل أسلوبا لإدراج نصوص الآخرين في المقولات، فلن يكون لدينا أي تناقض: أي إن تعبير «التهديد السوفييتي» والافتراض المسبق الذي يشير إليه مصدر نص آخر (أو نص «أجنبي» بتعبير باختين) وأن الكاتب يطعن فيه. وعلينا أن نضيف أن ذلك «النص الآخر» ليس - في كثير من حالات الافتراضات المسبقة - نصا آخر مفردا أو يمكن تحديده والتعرف عليه، بل «نص» ضبابي يرادف الرأي الشائع (أي ما يميل الناس إلى قوله، أو الخبرة النصية المتراكمة). وهكذا فإن تعبير «التهديد السوفييتي» في هذه الحالة، على سبيل المثال، تعبير نستطيع جميعا أن نتعرف عليه باعتباره قالبا مستخدما على نطاق واسع ، أو بتعبير بيشوه، تعبير «سابق البناء»، يجري تداوله بصورته الجاهزة.
وفي إطار المدخل التناصي للافتراض المسبق، أي حين تشكل المقولة المفترضة سلفا أمرا يسلم به منتج النص سلفا، فإن لنا أن نفسر هذه المقولة من حيث علاقاتها التناصية مع النصوص السابقة لمنتج النص نفسه، وتوجد حالة خاصة لهذا المدخل ترد فيها المقولة مثبتة في جزء من أجزاء النص، ثم يشار إليها باعتبارها مفترضة سلفا في بقية النص.
وينبغي أن نشير إلى أن الافتراضات المسبقة، سواء كانت قائمة على النصوص السابقة لمنتج النص أو على نصوص الآخرين، قد تتسم بالتلاعب مثلما تتسم بالصدق. أي إن منتج النص قد يقدم مقولة باعتبارها مسلما بها من جانب شخص آخر، أو باعتبارها ثابتة من جانبه، كذبا أو زيفا وبقصد التلاعب. والافتراضات المسبقة أساليب فعالة في التلاعب بالناس، ذلك لأنه يصعب الطعن فيها في حالات كثيرة. فإذا وجدنا مشاركا في مقابلة شخصية إعلامية يطعن في أحد الافتراضات المسبقة الواردة في سؤال موجه إليه، فما أيسر أن يظن الناس أنه يتحاشى مناقشة القضية. والافتراضات المسبقة القائمة على التلاعب تفترض أيضا وجود ذوات مفسرة تتمتع بخبرات وافتراضات نصية معينة سابقة، وبذلك تسهم في التكوين الأيديولوجي للذوات.
النفي
كثيرا ما تستخدم الجمل المنفية لأغراض جدلية. انظر على سبيل المثال إلى العنوان التالي المنشور في صحيفة ذا صن: «لم أقتل المخبر! المتهم الذي يحاكم بتهمة السطو يلجأ إلى الهجوم» الجملة المنفية الأولى تقوم على افتراض مسبق، في نص آخر، يقول إن الشخص المتكلم هنا قتل أحد مخبري الشرطة. وهكذا فإن الجمل المنفية تحمل أنماطا خاصة من الافتراضات المسبقة التي تعمل من خلال التناص؛ إذ تضم نصوصا أخرى لا لسبب إلا للطعن فيها ورفضها (انظر الحديث عن الجمل المنفية في ليتش، 1983م) (لاحظ أن جملة «التهديد السوفييتي خرافة» تعمل بالطريقة نفسها، فعلى الرغم من أن الجملة ليست منفية من زاوية النحو، فإنها منفية من زاوية الدلالة، كما يبين الشرح الذي يقول «التهديد السوفييتي ليس حقيقيا»).
الميتاخطاب
الميتاخطاب شكل خاص من التناص السافر، حيث يميز منتج النص بين مستويات مختلفة في النص الخاص به، ويقيم مسافة بينه وبين مستوى معين من مستويات النص، فيعامل النص الذي أبعده عنه كأنما كان نصا خارجيا آخر (انظر مينجنو، 1987م، 66-69). ويمكن إنجاز ذلك بطرائق مختلفة، أحدهما استعمال المراوغة (براون ولفنسون، 1978م) باستعمال تعبيرات مثل «نوع من» أو «ما يعتبر»، للإشارة إلى أن بعض التعبيرات يمكن أن تكون قاصرة (مثل «كان في موقفه نوع من الأبوية»). أو قد يشار إلى أن التعبير ينتمي إلى نص آخر أو إلى أعراف مختلفة (مثل قولك: «كما كان يمكن «س» أن يصفه»، «من الزاوية العلمية») أو باعتباره استعاريا («إذا لجأنا إلى التعبير الاستعاري»). ومن الطرائق الأخرى الممكنة أن يشرح الكاتب التعبير أو يعيد صياغته (وسوف أعود لإعادة الصياغة في الفصل الخامس). فقد يلجأ أحد الوزراء إلى شروح لمصطلح أساسي (عسير) مثل «الهمة» في سياق خطاب يلقيه عن «ثقافة الإنجاز الفردي» قائلا «نتميز في مطلع حياتنا بوفرة الهمم، بالمبادرة، بالقدرة على تبين الفرصة السانحة واغتنامها بسرعة».
نامعلوم صفحہ