وحسبه، فَإِن من لانسب لَهُ يرَاهُ النَّاس حَقِيرًا ذليلا، وَأَن يكون مِمَّن عرف مِنْهُم الرئاسات والشرف، ومارس قومه جمع الرِّجَال وَنصب الْقِتَال، وَأَن يكون قومه أقوياء يحمونه وينصرونه ويبذلون دونه الْأَنْفس، وَلم تَجْتَمِع هَذِه الْأُمُور إِلَّا فِي قُرَيْش، ولاسيما بعد مابعث النَّبِي [ﷺ] وَنبهَ بِهِ أَمر قُرَيْش، وَقد أَشَارَ أَبُو بكر الصّديق ﵁ إِلَى ذَلِك فَقَالَ: " وَلنْ يعرف هَذَا الْأَمر إِلَّا لقريش هم أَوسط الْعَرَب دَارا ... الخ ".
" وَإِنَّمَا لم يشْتَرط كَونه هاشميا مثلا لوَجْهَيْنِ (أَحدهمَا) أَلا يَقع النَّاس فِي الشَّك فيقولوا إِنَّمَا أَرَادَ ملك أهل بَيته كَسَائِر الْمُلُوك فَيكون سَببا للارتداد، ولهذه الْعلَّة لم يُعْط النَّبِي الْمِفْتَاح (أَي مِفْتَاح الْكَعْبَة) للْعَبَّاس بن عبد الْمطلب ﵁ (وَالثَّانِي) أَن المهم فِي الْخلَافَة رِضَاء النَّاس بِهِ واجتماعهم عَلَيْهِ وتوقيرهم إِيَّاه وَأَن يُقيم الْحُدُود ويناضل دون الْملَّة وَينفذ الْأَحْكَام، واجتماع هَذِه الْأُمُور لَا يكون إِلَّا فِي وَاحِد بعد وَاحِد، وَفِي اشْتِرَاط أَن يكون من قَبيلَة خَاصَّة تضييق، وحرج فَرُبمَا لم يكن فِي هَذِه الْقَبِيلَة من تَجْتَمِع فِيهِ الشُّرُوط وَكَانَ فِي غَيرهَا ".
وَأَقُول: إِن الله تَعَالَى ختم دينه وأتمه وأكمله بكتابه الْحَكِيم الَّذِي أنزلهُ ﴿قُرْآنًا عَرَبيا﴾ و﴿حكما عَرَبيا﴾ على خَاتم رسله الْعَرَبِيّ الْقرشِي، واقتضت حكمته أَن يكون نشره فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا بدعوة قُرَيْش وزعامتهم، وَقُوَّة الْعَرَب وحماية هَذِه الدعْوَة بسيوفهم، وكل من دخل فِي الْإِسْلَام من الأعجام وَكَانَ لَهُ عمل صَالح فِيهِ كَانَ تَابعا لَهُم متلقيا عَنْهُم، على مُسَاوَاة الشَّرْع فِي أَحْكَامه بَينهم، ونبوغ كثير من مواليهم الَّذين استعربوا بالتبع لَهُم، وَكَانَت قُرَيْش فِي جملَة بطونها أكمل الْعَرَب خلقا وأخلاقا وفصاحة وذكاء وفهما وَقُوَّة عارضة، كَمَا كَانَت أصرح نسبا فِي سلالة إِسْمَاعِيل وأشرف تَارِيخا فِي الْعَرَب بفضائلها وفواضلها وَخدمتهَا لبيت الله تَعَالَى، فَكَانَ مَجْمُوع هَذِه المزايا الَّتِي كملت بِالْإِسْلَامِ مؤهلا لَهَا لِاجْتِمَاع كلمة الْعَرَب عَلَيْهَا، ثمَّ كلمة من يدْخل فِي الْإِسْلَام من شعوب الْعَجم بِالْأولَى، وَلَا سِيمَا بعد النَّص من الرَّسُول [ﷺ] بذلك وَإِجْمَاع أصحابة
1 / 29