بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئآت أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
باب ( الخلافة والملك وقتال أهل البغي )
$ قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية قدس الله روحه
الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله تسليما
صفحہ 5
أما بعد فهذه قاعدة مختصرة فى وجوب طاعة الله ورسوله فى كل حال على كل أحد وأن ما أمر الله به ورسوله من طاعة الله وولاة الأمور ومناصحتهم واجب وغير ذلك من الواجبات قال الله تعالى
ﵟإن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيراﵞ
وقال الله تعالى
ﵟيا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاﵞ
فأمر الله المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وأولى الأمر منهم كما أمرهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل وأمرهم إذا تنازعوا فى شيء أن يردوه إلى الله والرسول
قال العلماء الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول بعد موته هو الرد إلى سنته قال الله تعالى
ﵟكان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيمﵞ
فجعل الله الكتاب الذى أنزله هو الذى يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه
صفحہ 6
وفى صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي بالليل يقول ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ( وفى صحيح مسلم عن تميم الداري رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة ( قالوا لمن يارسول الله قال ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (
صفحہ 7
وفى صحيح مسلم أيضا عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ( وفى السنن من حديث إبن مسعود رضى الله عنه وزيد بن ثابت رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه غير فقيه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ( و ( يغل ( بالفتح هو المشهور ويقال غلى صدره فغل إذا كان ذا غش وضغن وحقد أي قلب المسلم لا يغل على هذه الخصال الثلاثة وهي الثلاثة المتقدمة فى قوله ( إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ( فإن الله إذا كان يرضاها لنا لم يكن قلب المؤمن الذي يحب ما يحبه الله يغل عليها يبغضها ويكرهها فيكون فى قلبه عليها غل بل يحبها قلب المؤمن ويرضاها
وفى صحيح البخارى ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول أو نقوم بالحق أينما كنا لا نخاف فى الله لومة لائم وفى الصحيحين أيضا عن عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ( وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عليك بالسمع والطاعة فى عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ( ومعنى قوله ( وأثرة عليك ( وأثرة علينا ( أي وإن إستأثر ولاة الأمور عليك فلم ينصفوك ولم يعطوك حقك كما فى الصحيحين عن أسيد بن حضير رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا تستعملني كما استعملت فلانا فقال ( إنكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا حتى تلقونى على الحوض (
صفحہ 8
وهذا كما فى الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنها تكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ( قالوا يارسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذى لكم ( وفى صحيح مسلم عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض عنه ثم سأله فأعرض ثم سأله فى الثانية أو فى الثالثة فحدثه الأشعث بن قيس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ماحملتم (
فذلك ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم هو واجب على المسلم وإن استأثروا عليه وما نهى الله عنه ورسوله من معصيتهم فهو محرم عليه وإن أكره عليه
فصل
صفحہ 9
وما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجب على الإنسان وإن لم يعاهدهم عليه وإن لم يحلف لهم الأيمان المؤكدة كما يجب عليه الصلوات الخمس والزكاة والصيام وحج البيت وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله من الطاعة فإذا حلف على ذلك كان ذلك توكيدا وتثبيتا لما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم فالحالف على هذه الأمور لا يحل له أن يفعل خلاف المحلوف عليه سواء حلف بالله أو غير ذلك من الأيمان التي يحلف بها المسلمون فإن ما أوجبه الله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجب وإن لم يحلف عليه فكيف إذا حلف عليه وما نهى الله ورسوله عن معصيتهم وغشهم محرم وإن لم يحلف على ذلك
وهذا كما أنه إذا حلف ليصلين الخمس وليصومن شهر رمضان أو ليقضين الحق الذي عليه ويشهدن بالحق فإن هذا واجب عليه وإن لم يحلف عليه فكيف إذا حلف عليه وما نهى الله عنه ورسوله من الشرك والكذب وشرب الخمر والظلم والفواحش وغش ولاة الأمور والخروج عما أمر الله به من طاعتهم هو محرم وإن لم يحلف عليه فكيف إذا حلف عليه
صفحہ 10
ولهذا من كان حالفا على ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم أو الصلاة أو الزكاة أو صوم رمضان أو أداء الأمانة والعدل ونحو ذلك لا يجوز لأحد أن يفتيه بمخالفة ما حلف عليه والحنث فى يمينه ولا يجوز له أن يستفتي فى ذلك ومن أفتى مثل هؤلاء بمخالفة ما حلفوا عليه والحنث فى أيمانهم فهو مفتر على الله الكذب مفت بغير دين الإسلام بل لو أفتى آحاد العامة بأن يفعل خلاف ما حلف عليه من الوفاء فى عقد بيع أو نكاح أو إجارة أوغير ذلك مما يجب عليه الوفاء به من العقود التى يجب الوفاء بها وإن لم يحلف عليها فإذا حلف كان أوكد فمن أفتى مثل هذا بجواز نقض هذه العقود والحنث فى يمينه كان مفتريا على الله الكذب مفتيا بغير دين الإسلام فكيف إذا كان ذلك فى معاقدة ولاة الأمور التى هي أعظم العقود التى أمر الله بالوفاء بها وهذا كما أن جمهور العلماء يقولون يمين المكره بغير حق لا ينعقد سواء كان بالله أو النذر أو الطلاق أو العتاق وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد ثم إذا أكره ولي الأمر الناس على مايجب عليهم من طاعته ومناصحته وحلفهم على ذلك لم يجز لأحد أن يأذن لهم فى ترك ما أمر الله به ورسوله من ذلك ويرخص لهم فى الحنث فى هذه الأيمان لأن ما كان واجبا بدون اليمين فاليمين تقويه لا تضعفه ولو قدر أن صاحبها أكره عليها ومن أراد أن يقول بلزوم المحلوف مطلقا فى بعض الأيمان لأجل تحليف ولاة الأمور أحيانا قيل له وهذا يرد عليك فيما تعتقده فى يمين المكره فإنك تقول لايلزم وإن حلف بها ولاة الأمور ويرد عليك فى أمور كثيرة تفتى بها فى الحيل مع ما فيه من معصية الله تعالى ورسوله وولاة الأمور وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديما وحديثا ومن سيرة غيرهم وقد ثبت فى الصحيح عن بن عمر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند أسته بقدر غدره ( قال وإن من أعظم الغدر يعنى بإمام المسلمين وهذا حدث به عبد الله بن عمر لما قام قوم من أهل المدينة يخرجون عن طاعة ولي أمرهم ينقضون بيعته وفى صحيح مسلم عن نافع قال جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال إنى لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من خلع يدا لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ( وفى الصحيحين عن بن عباس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس يخرج من السلطان شبرا فمات عليه إلامات ميتة جاهلية ( وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتله جاهلية ( وفى لفظ ( ليس من أمتى من خرج على أمتى يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشا من مؤمنها ولا يوفي لذي عهدها فليس منى ولست منه (
فالأول هو الذي يخرج عن طاعة ولي الأمر ويفارق الجماعة
والثانى هو الذي يقاتل لأجل العصبية والرياسة لا فى سبيل الله كأهل الأهواء مثل قيس ويمن
والثالث مثل الذى يقطع الطريق فيقتل من لقيه من مسلم وذمي ليأخذ ماله وكالحرورية المارقين الذين قاتلهم علي بن أبى طالب الذى قال فيهم النبى صلى الله عليه وسلم ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن فى قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة (
صفحہ 13
وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر وإن كان عبدا حبشيا كما فى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ( وعن أبى ذر قال ( أوصانى خليلى أن اسمعوا وأطيعوا ولوكان حبشيا مجدع الأطراف ( وعن البخارى ( ولو لحبشي كان رأسه زبيبة ( وفى صحيح مسلم عن أم الحصين رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة الوداع وهو يقول ( ولو استعمل عبدا يقودكم بكتاب الله اسمعوا وأطيعوا ( وفى رواية ( عبد حبشي مجدعا ( وفى صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ( قلنا يارسول الله أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك قال ( لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه وآل فرآه يأتي شيئا من معصية فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة (
صفحہ 14
وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون فى حكمهم وأهليهم وما ولوا ( وفى صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتى شيئا فرفق بهم فارفق به ( وفى الصحيحين عن الحسن البصري قال عاد عبد الله بن زياد معقل بن يسار فى مرضه الذى مات فيه فقال له معقل إنى محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاحرم الله عليه الجنة ( وفى رواية لمسلم ( ما من أمير يلي من أمر المسلمين شيئا ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة (
وفى الصحيحين عن بن عمر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ألا كلكم راع وكلكم مسئوول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئوول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسئوولة عنه والعبد راع على مال سيده وهو مسئوول عنه ألا كلكم راع وكلكم مسئوول عن رعيته ( وفى الصحيحين عن علي رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا فأوقد نارا فقال ادخلوها فأراد الناس أن يدخلوها وقال الآخرون إنا فررنا منها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها ( لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة وقال للآخرين قولا حسنا وقال لا طاعة فى معصية الله إنما الطاعة فى المعروف
صفحہ 15
فصل
قال الله تعالى ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) وقال الله تعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وقال تعالى ( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) وقال تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) وقال تعالى ( يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) وقال تعالى ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )
صفحہ 16
فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله ومن كان لايطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم فماله فى الآخرة من خلاق وقد روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( ثلاثة لايكلمهم الله يوم القيامة ولاينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من بن السبيل ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو غير ذلك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف + 18 32 +
صفحہ 17
وقال قدس الله روحه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما
قاعدة
صفحہ 18
قال النبى صلى الله عليه وسلم ( خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه أو الملك من يشاء ( لفظ أبي داود من رواية عبد الوارث والعوام ( تكون الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون الملك ( تكون الخلافة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا ( وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام بن حوشب وغيره عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أهل السنن كأبى داود وغيره واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره فى تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة وثبته أحمد واستدل به على من توقف فى خلافة علي من أجل افتراق الناس عليه حتى قال أحمد من لم يربع بعلي فى الخلافة فهو أضل من حمار أهله ونهى عن مناكحته وهو متفق عليه بين الفقهاء وعلماء السنة وأهل المعرفة والتصوف وهو مذهب العامة
وإنما يخالفهم فى ذلك بعض ( أهل ) الأهواء من أهل الكلام ونحوهم كالرافضة الطاعنين فى خلافة الثلاثة أو الخوارج الطاعنين فى خلافة الصهرين المنافيين عثمان وعلي أو بعض الناصبة النافين لخلافة علي أو بعض الجهال من المتسننة الواقفين فى خلافته ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت فى شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من هجرته وإلى عام ثلاثين سنة كان إصلاح إبن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام إحدى وأربعين فى شهر جمادى الأولى وسمي عام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية وهو أول الملوك
وفي ا 4 لحديث الذي رواه مسلم ( ستكون خلافة نبوة ورحمة ثم يكون ملك ورحمة ثم يكون ملك وجبرية ثم يكون ملك عضوض ( وقال صلى الله عليه وسلم فى الحديث المشهور فى السنن وهو صحيح ( إنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة
صفحہ 19
ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء وإن كانوا ملوكا ولم يكونوا خلفاء الأنبياء بدليل ما رواه البخاري ومسلم فى صحيحيهما عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كانت بنو إسرائيل يسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تامرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ( فقوله ( فتكثر ( دليل على من سوى الراشدين فإنهم لم يكونوا كثيرا وأيضا قوله ( فوا ببيعة الأول فالأول ( دل على أنهم يختلفون والراشدون لم يختلفوا وقوله ( فأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ( دليل على مذهب أهل السنة فى إعطاء الأمراء حقهم من المال والمغنم وقد ذكرت فى غير هذا الموضوع أن مصير الأمر إلى الملوك ونوابهم من الولاة والقضاة والأمراء ليس لنقص فيهم فقط بل لنقص فى الراعي والرعية جميعا فإنه ( كما تكونون يول عليكم ( وقد قال الله تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا )
صفحہ 20
وقد استفاض وتقرر فى غير هذا الموضع ماقد أمر به صلى الله عليه وسلم من طاعة الأمراء في غير معصية الله ومناصحتهم والصبر عليهم فى حكمهم وقسمهم والغزو معهم والصلاة خلفهم ونحو ذلك من متابعتهم فى الحسنات التي لايقوم بها الأهم فإنه من باب التعاون على البر والتقوى وما نهى عنه من تصديقهم بكذبهم وإعانتهم على ظلمهم وطاعتهم فى معصية الله ونحو ذلك مما هو من باب التعاون على الاثم والعدوان
وما أمر به أيضا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهم ولغيرهم على الوجه المشروع وما يدخل فى ذلك من تبليغ رسالات الله إليهم بحيث لايترك ذلك جبنا ولا بخلا ولا خشية لهم ولا اشتراء للثمن القليل بآيات الله ولا يفعل أيضا للرئاسة عليهم ولاعلى العامة ولاللحسد ولا للكبر ولا للرياء لهم ولا للعامة ولا يزال المنكر بما هو أنكر منه بحيث يخرج عليهم بالسلاح وتقام الفتن كما هو معروف من أصول أهل السنة والجماعة كما دلت عليه النصوص النبوية لما فى ذلك من الفساد الذي يربى على فساد مايكون من ظلمهم بل يطاع الله فيهم وفي غيرهم ويفعل ما أمر به ويترك مانهى عنه وهذه جملة تفصيلها يحتاج إلى بسط كثير
صفحہ 21
والغرض هنا بيان جماع الحسنات والسيئات الواقعة بعد خلافة النبوة فى الإمارة وفي تركها فإنه مقام خطر وذلك أن خبره بانقضاء خلافة النبوة فيه الذم للملك والعيب له لاسيما وفى حديث أبى بكرة أنه استاء للرؤيا وقال ( خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء (
ثم النصوص الموجبة لنصب الأئمة والأمراء ومافى الأعمال الصالحة التى يتولونها من الثواب حمد لذلك وترغيب فيه فيجب تخليص محمود ذلك من مذمومه وفى حكم اجتماع الأمرين وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الله خيرنى بين أن أكون عبدا رسولا وبين أن أكون نبيا ملكا فاخترت أن أكون عبدا رسولا (
فإذا كان الأصل فى ذلك شوب الولاية من الامارة والقضاء والملك هل هو جائز فى الأصل والخلافة مستحبة أم ليس بجائز إلا لحاجة من نقص علم أو نقص قدرة بدونه فنحتج بأنه ليس بجائز فى الأصل بل الواجب خلافة النبوة لقوله صلى الله عليه وسلم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فكل بدعة ضلالة ( بعد قوله ( من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ( فهذا أمر وتحضيض على لزوم سنة الخلفاء وأمر بالإستمساك بها وتحذير من المحدثات المخالفة لها وهذا الأمر منه والنهي دليل بين فى الوجوب
صفحہ 22
ثم اختص من ذلك قوله ( إقتدوا بالذين من بعدي أبى بكر وعمر ( فهذان أمر بالإقتداء بهما والخلفاء الراشدون أمر بلزوم سنتهم وفى هذا تخصيص للشيخين من وجهين
أحدهما أن السنة ماسنوه للناس وأما القدوة فيدخل فيها الإقتداء بهما فيما فعلاه مما لم يجعلوه سنة
الثانى أن السنة أضافها إلى الخلفاء لا إلى كل منهم فقد يقال إما ذلك فيما اتفقوا عليه دون ما انفرد به بعضهم وأما القدوة فعين القدوة بهذا وبهذا وفى هذا الوجه نظر
ويستفاد من هذا أن ما فعله عثمان وعلى من الاجتهاد الذى سبقهما بما هو افضل منه أبو بكر وعمر ودلت النصوص وموافقة جمهور الأمة على رجحانه وكان سببه افتراق الأمة لا يؤمر بالإقتداء بهما فيه إذ ليس ذلك من سنة الخلفاء وذلك أن أبا بكر وعمر ساسا الأمة بالرغبة والرهبة وسلما من التأويل فى الدماء والأموال وعثمان رضى الله عنه غلب الرغبة وتأول فى الأموال وعلي غلب الرهبة وتأول فى الدماء وأبو بكر وعمر كمل زهدهما فى المال والرياسة وعثمان كمل زهده فى الرياسة وعلى كمل زهده فى المال
صفحہ 23
وأيضا فكون النبي صلى الله عليه وسلم استاء للملك بعد خلافة النبوة دليل على أنه متضمن ترك بعض الدين الواجب
وقد يحتج من يجوز الملك بالنصوص التى منها قوله لمعاوية ( إن ملكت فأحسن ( ونحو ذلك وفيه نظر ويحتج بأن عمر أقر معاوية لما قدم الشام على ما رآه من أبهة الملك لما ذكر له المصلحة فيه فإن عمر قال لا آمرك ولا أنهاك ويقال فى هذا إن عمر لم ينهه لا أنه أذن له فى ذلك لان معاوية ذكر وجه الحاجة إلى ذلك ولم يثق عمر بالحاجة فصار محل اجتهاد فى الجملة
فهذان القولان متوسطان ان يقال الخلافة واجبة وإنما يجوز الخروج عنها بقدر الحاجة أو إن يقال يجوز قبولها من الملك بما ييسر فعل المقصود بالولاية ولا يعسره إذ ما يبعد المقصود بدونه لابد من اجازته وأما ( ملك ) فإيجابه أو استحبابه محل اجتهاد
صفحہ 24
وهنا طرفان أحدهما من يوجب ذلك فى كل حال وزمان وعلى كل أحد ويذم من خرج عن ذلك مطلقا أو لحاجة كما هو حال أهل البدع من الخوارج والمعتزلة وطوائف من المتسننة والمتزهدة والثانى من يبيح الملك مطلقا من غير تقيد بسنة الخلفاء كما هو فعل الظلمة والإباحية وأفراد المرجئة وهذا تفصيل جيد وسيأتي تمامه وتحقيق الأمر أن يقال انتقال الأمر عن خلافة النبوة إلى الملك إما أن يكون لعجز العباد عن خلافة النبوة أو اجتهاد سائغ أو مع القدرة على ذلك علما وعملا فإن كان مع العجز علما أو عملا كان ذو الملك معذورا فى ذلك وان كانت خلافة النبوة واجبة مع القدرة كما تسقط سائر الواجبات مع العجز كحال النجاشى لما اسلم وعجز عن اظهار ذلك فى قومه بل حال يوسف الصديق تشبه ذلك من بعض الوجوه لكن الملك كان جائزا لبعض الأنبياء كداود وسليمان ويوسف
وإن كان مع القدرة علما وعملا وقدر أن خلافة النبوة مستحبة ليست واجبة وإن اختيار الملك جائز فى شريعتنا كجوازه فى غير شريعتنا فهذا التقدير إذا فرض أنه حق فلا اثم على الملك العادل أيضا
صفحہ 25
وهذا الوجه قد ذكره القاضي أبو يعلى فى المعتمد لما تكلم فى تثبيت خلافة معاوية وبنى ذلك على ظهور إسلامه وعدالته وحسن سيرته وأنه ثبتت إمامته بعد موت علي لما عقدها الحسن له وسمى ذلك عام الجماعة وذكر حديث عبد الله بن مسعود ( تدور رحا الإسلام على رأس خمس وثلاثين ( قال قال أحمد فى رواية بن الحكم يروي عن الزهري أن معاوية كان أمره خمس سنين لا ينكر عليه شيء فكان هذا على حديث النبى ( خمس وثلاثين سنة ( قال بن الحكم قلت لأحمد من قال حديث بن مسعود ( تدور رحا الاسلام لخمس وثلاثين ( أنها من مهاجر النبى صلى الله عليه وسلم قال لقد أخبر هذا وما عليه أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم يصف الإسلام بسير هو بالجناية انما يصف ما يكون بعده من السنين
قال وظاهر هذا من كلام أحمد أنه أخذ بظاهر الحديث وأن خلافة معاوية كانت من جملة الخمس والثلاثين وذكر أن رجلا سأل أحمد عن الخلافة فقال كل بيعة كانت بالمدينة فهي خلافة نبوة لنا قال القاضي وظاهر هذا أن ما كان بغير المدينة لم يكن خلافة نبوة
قلت نصوص أحمد على ان الخلافة تمت بعلى كثيرة جدا
صفحہ 26