لم يغذها طلُّ الرّذاذِ ببردهِ ... حتى تفتّحَ كل جفنٍ مطبقٍ
والبدرُ في وسطِ السماءِ كأنّهُ ... وجهٌ منيرٌ، في قباءٍ أزرقِ
يا للديّارات الملاحِ، وما بها ... من طيبٍ يومٍ مرَّ لي بتشوق
أيامَ كنتُ، وكان لي شغلٌ بها ... وأسيرُ شوقِ صبابتي لم يطلق
يا ديرَ نهيا ما ذكرتكَ ساعةً ... إلا تذكرّتُ السوادَ بمفرقي
والدهرُ غضٌّ، والزمانُ مساعدٌ ... ومقامنا ومبيتنا بالجوسق
يا ديرَ نهيا إن ذكرتَ فإنّني ... أسعى إليكَ على الخيولِ السُّبقِ
وإذا سئلتَ عنِ الطيورِ وصيدها ... وصنوفها، فأصدق وإن لم تصدق
فالغرُّ، فالكروانُ، فالفارور إذْ ... يشجيكَ في طيرانهِ المتحلّق
أشهدتَ حربَ الطّيرِ في غيطانهِ ... لمّا تجوَّقَ فيه كلُّ مجوَّق
والزُّمّجُ الغضبانُ في رهطٍ له ... ينحطُّ بينَ مرعَّدٍ، ومبرِّق
ورأيتَ للبازيِّ سطوةَ موسرِ ... ولغيرهِ ذلُّ الفقير المملق
كمْ قد صبوتُ بغرَّتي في شرَّتي ... وقطعتُ أوقاني برميِ البندقِ
وخلعتُ في طلبِ المجونِ حبائلي ... حتّى نسبتُ إلى فعالِ الأخرق
ومهاجرٍ، ومنافرٍ، ومكابرٍ ... قلقَ الفؤادُ بهِ، وإنْ لم يقلق
لو عاينَ التفّاحُ حمرةَ خدّهِ ... لصبا إلى ديباجِ ذاكَ الرَّوِّنقِ
يا حاملَ السّيف الغداةَ، وطرفهُ ... أمضى من السيفِ الحسامِ المطلق
لا تقطعّنَّ يدُ الجفاءِ حبائلي ... قطعَ الغلامِ العودَ بالإستبرقِ
وارفقْ بعبدكَ، لا تطلْ أشجانهُ ... وأعدلْ بهِ، يا صاحبَ الثغر والنقي
وقال فيه أيضًا:
أتنشطُ للشُّربِ يا سيّدي ... ويومكَ هذا دقيقُ الدروزِ؟
فعندي لكَ اليومَ مشويتّان ... سرقتهما منْ دجاجِ العجوزِ
أتنشطُ عندي على نبقتينِ ... على لوزتينِ، على قطرميزِ
وتقصدُ نهيا وديرًا لها ... بهِ مطرحُ الوردِ والمرنجورِ
٢٦٤ دير النوبهان: لا أعرفه، ولكني وجدته في شعر لأبي نواس، يقول فيه:
بحجّكَ قاصدًا ما سرجسانًا ... فديرَ النوبهانِ، فديرَ فيقِ
وبالمطرانِ إذْ يتلو زبورًا ... يعظمهُ ويبكي بالشهيقِ
أما والقربِ من بعدِ التنائي ... يمين فتىً لقاتلهِ عشيقِ
لقد أصبحت زينةَ كلِّ ديرٍ ... وعيدًا مع جفائكَ والعقوقِ
٢٦٥ دير الوليد: بالشام. ولا أدري أين يكون، إلا أن من فسروا قول جرير:
لمّا تذكّرتُ بالدّيرينِ أرّقني ... صوتُ الدّجاجِ، وضربٌ بالنواقيسِ
قالوا: أراد دير الوليد، والله أعلم بالصواب.
٢٦٦ دير ونا: موضع بمصر، نقلته عن العمراني.
٢٦٧ دير هرميس: بكسر الهاء وضمها، ثم راء ساكنة وميم، وياء مثناة من تحت، وآخره سين.
وهرميس هو إدريس النبي ﵇.
وهذا الدير بمنف من أرض مصر، وعنده هرم هو قبر قرباس، وكان فارس مصر، وقيل: إنه كان يعد بألف فارس، فإذا لقيهم وحده لم يقفوا له، وينهزموا. ولما مات جزعوا عليه ودفنوه بدير هرميس، وبنوا عليه الهرم مدرجًا.
٢٦٨ دير هزقل: بكسر الهاء، وزاي معجمة ساكنة، وقاف مكسورة، وآخره لام. وأصله حزقيل بالحاء المهملة، والياء قبل اللام، ثم نقلوه إلى هزقل.
وهو دير قديم، مشهور، بين البصرة وعسكر مكرم قريب من دير العاقول، وفيه يعالج المجانين. ويقال: هذا هو الدير هو [المراد] بقوله تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها) .
قال بعض علماء التفسير: هناك أحيا الله تعالى حمار عزير.
حدث أبو بكر الصولي، عن الحسين بن يحيى أن أبا عباد ثابت بن يحيى، وكان كاتبًا للمأمون، غضب على بعض الكتاب، فقذفه بدواة أمامه، فسال الدم من وجهه، فندم وقال: صدق الله حيث يقول: والذين إذا ما غضبوا هم يغفرون فبلغ ذلك المأمون، فانتبه، وعاتبه فيه وقال: ويحك! أنت كاتب الخليفة، وما تحسن قراءة آية؟ قال: يا أمير المؤمنين، إني أقرأ من السورة الواحدة ألف آية، أو أكثر، فضحك المأمون منه، وقال: من أي السور؟ وقال: مما نشاء. فقال المأمون: من سورة الكوثر شئت، ثم أمر بإخراجه من ديوان الكتابة فقال في ذلك دعبل الخزاعي:
1 / 57