١٢٢ دير سليمان: هو دير بجسر منبج، بالثغر، قرب دلوك. يطل على مرج عظيم، وهو نزه معمور في الأعياد.
قال أبو الفرج: أخبرني جعفر بن قدامة أن إبراهيم بن المدبر ولي الثغور الجزرية، عقيب نكبته، ثم زاولها عنه.
وجعل أكثر إقامته بمنبج، فغادرها مرة إلى نواحي (دلوك) وخلف بولايته جارية له يقال لها غادر، فنزل بدلوك، بدير [يعرف] بدير سليمان، فأعجبه موقعه، ورأى حسنه أيام الربيع، فدعا بطعام، فأكل وشرب، ثم دعا بدواة وقرطاس وكتب:
أيا ساقيينا عندَ ديرَ سليمان ... أديرا كؤوسًا فانهلاني وعلاني
وخصّا بصافيها أبا جعفرٍ أخي ... فذا ثقتي دونَ الأنامِ، وخلصاني
وميلا بها نحوَ ابنِ سلاّمٍ الذي ... أودُّ، وعودًا بعدَ ذاكَ لنعمانِ
وعمّا بها النّدمان، والصّحبَ إنّني ... تذكرّتُ عيشي بعدْ أهلي وجيراني
ولا تتركا نفسي تمتْ بسقامها ... لذكرى حبيبٍ قد شجاني
ترحّلتُ عنهُ في همومٍ وعبرةٍ ... فأقبلَ نحوي، وهو باكٍ، فأبكاني
وفارقته، واللهُ يجمعُ شملنا ... بلوعةِ محزونٍ، وغلّةِ حراّنِ
وليلةَ عينِ المرجِ زارَ خيالهُ ... فهيّجَ بي شوقي، وجدّدَ أحزاني
فأشرفتُ أعلى الدّيرِ أنظرُ طامحًا ... [المحِ آماقٍ، وأنظرِ إنسانِ
لعلي أرى في النّأي منبجَ رؤيةً ... تخففُ من وجدي، وتكشفُ أشجاني
فقصّر طرفي، واستهلّ بدمعةٍ ... وفديتُ من لو كانَ يدري لفدّاني
ومثّلهُ شوقي إليهِ مقابلي ... وناجاه عنّي في الضميرِ، وناجاني
١٢٣ دير سمالو: شرقي بغداد، في رقة باب الشماسية مما يلي قرية تسمى البردان. وينجر بين يديه نهر المهدي، وعنده أرحية للماء، وحوله نخل وبساتين وأشجار في موضع نزه، حسن العمارة، آهل بطارقيه ورهبانه، وبناؤه كان في سنة ثلاث وستين ومائة.
ذكر البلاذري في كتابه: أن الرشيد غزا أهل صمالو في سنة ثلاث وستين ومائة، فطلبوا منه الأمان لبعض أبياتهم، وكان فيهم القومس، فأجابهم إلى ذلك، فأنزلوا في باب الشماسية، وسموا المكان سمالو، وجعلوا الصاد سينًا، وابتنوا ديرًا مقصودًا للتنزه والقصف.
قال محمد بن عبد الملك يذكره:
ولربَّ يومٍ في سمالو تمَّ لي ... فيهِ السّرور، وغيّبتْ أحزانهُ
وأخٍ يشوبُ حديثهُ بحلاوةٍ ... يلتذُّ رجعَ حديثهِ ندمانهُ
وأمرتُ ساقينا وقلت له: اسقنا ... قد جاء وقت شرابنا وأوانهُ
حتى حسبتُ لنا البساطَ سفينةً ... والدّيرَ ترقصُ حولنا حيطانهُ
ولخالد الكاتب فيه، وقد كانت له في هذا الدير أيام قصف ولعب وجون:
يا منزلَ القصفِ في سمالو ... مالي عن طيبكَ انتقال
واهًا لأيّامكَ الخوالي ... وكلُّ ما دونها محالُ
تلكَ حياةُ النفوسِ حقًّا ... فالعيشُ صافٍ بها زلالُ
ولأحمد بن عبيد الله البديهي فيه:
هلْ لكَ في الرقةِ والدّيرِ ... ديرِ سمالو مسقطِ الطّيرِ
وله فيه أيضًا:
بالدّيرِ، ديرِ سمالو، للهوى وطرُ ... بكرْ، فإنّ نجاحَ الحاجةِ البكرُ
أما ترى الغيمَ ممدودًا سرادقهُ ... على الرياضِ، ودمعُ المزنِ ينتثرُ
والديرُ في حللٍ شتّى مواكبهُ ... كأنما نشرتْ في افقهِ الحبرُ
تألفتْ حولهُ الغدرانُ لامعةً ... كما تألّفَ في أفنائهِ الزَّهرُ
أما ترى الهيكلَ المعورَ في صورٍ ... منَ الدُّمى، بينها من إنسهِ صورُ
(وله في أشعار كثيرة) .
١٢٤ دير سمعان: بكسر السين وفتحها، وميمه ساكنة ينسب إلى أحد أكابر النصارى، ويقال: إنه شمعون الصفا وكان من الحواريين، سميت باسمه ديرة كثيرة منها: دير سمعان: بنواحي دمشق، من غوطتها، وحوله وقصور لبني أمية، وهو في موضع نزه تحدق به الأشجار والبساتين، وعنده قبر عمر بن عبد العزيز. قال بعض الشعراء [وفيه يذكر قبره بدير سمعان]:
قد قلتُ إذ أودَعوهُ التّربَ وانصرفوا ... لا يبعدنَّ قوامُ العدلِ والدّينِ
قد غيبوا في ضريحِ التُّربِ منفردًا ... بديرِ سمعانَ قسطاسَ الموازينِ
ولم يكنْ همّه عينًا يفجرها ... ولا النخيلَ، ولا ركضَ البراذينَ
1 / 37