خواطر الخيال وإملاء الوجدان
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
اصناف
وتدعيه جدالا من يسلمه
ما هكذا العشق يا من ليس يفهمه
خل الغرام لصب دمعه دمه
حيران توجده الذكرى وتعدمه
نريد أن نلقي نظرة عامة على نثره، فلذلك نورد طرفا من رحلته إلى باريس قال في أول مقدمته: الباب الأول في ذكر ما يظهر لي من سبب ارتحالنا إلى هذه البلاد التي هي دار كفر وعناد (كذا) وبعيدة عنا غاية الابتعاد، وكثيرة المصاريف لشدة غلو الأسعار غاية الاشتداد، ومنها: «ويتعلق بالرقص في فرنسا كل الناس وكأنه نوع من العياقة (كذا) والشلبنة (كذا) لا من الفسق، فلذلك كان دائما غير خارج عن قوانين الحياء، بخلاف الرقص في أرض مصر فإنه من خصوصيات النساء؛ لأنه لتهيج (كذا) الشهوات، وأما في باريس فإنه نط (كذا) مخصوص لا يشم منه رائحة العهر أبدا، وكل إنسان يغرم امرأة (كذا) يرقص معها، فإذا فرغ الرقص عزمها (كذا) آخر للرقصة الثانية ...» إلى أن قال: «وبالجملة؛ فمس المرأة أيا ما كانت في الجهة العليا من البدن غير عيب عند هؤلاء النصارى (كذا)، وكلما حسن خطاب الرجل مع النساء ومدحهن عد هذا من الأدب.» ومنها: «وقرأت كثيرا في كازيطات العلوم اليومية والشهرية التي تصل كل يوم ما يصل خبره من الأخبار الداخلية والخارجية المسماة البوليتيقية، وكنت متولعا بها غاية التولع (كذا)، وبها استعنت على فهم اللغة الفرنساوية، وربما كنت أترجم منها مسائل علمية وسياسية خصوصا وقت حرابة الدولة العثمانية مع الدولة المسقوبية.» (وقد تكررت لفظة حرابة بعد هذه الجملة مرارا في الصحيفة التي تليها.)
ولنذكر شيئا من «وقائع تليماك» وهي من أشهر ما ترجمه، فمنها:
وقد استقام برهة من الزمان يقاوم الأعداء المتكاثرة، ويصادم بشجاعته وصموله (كذا) جموعهم الوافرة، ثم انتهى به الحال أن تثاقلت عليه الأحمال فكنت شاهد هلاكه ومشاهد استهلاكه، وذلك أن أحد عساكر صور طعنه برمح في صدره فأصاب أشد الصدور، فانفلت زمام مطيته من كفه، ووقع تحت أرجل الخيل يهوي إلى حتفه، فبادر نفر من العساكر القبرصية فجر ناصيته الدنية بعد أن كانت قصية وقبضها (كذا) من شعورها المرخية لتتفرج عليها البرية، ولتكون علامة على النصرة الذهبية البهية.
ومنها قوله في أول المقالة الرابعة:
والى هذا الوقت كالبسة باهتة متحيرة ممتلئة من الحظ والسرور من هذه القصة المبينة حال تليماك وعن صفاته مخبرة، فقطعت بكلامها كلامه الفصيح حتى إنه من التعب يستريح قائلة له: قد حان لك أن تتمتع بلذيذ المنام بعد النصب الكامل من حكاية هذا الكلام، لا خوف عليك هنا بل كل شيء يلائم مزاجك، فأطلق عنان هواك في ميدان الهنا ، وذق طعم الراحة فالدهر لك مسالم، وكل الخيرات المخلوقة تفيض عليك من عندنا فاغتنمها فأنت أسلم غانم وأغنم سالم.
يتبين للقارئ من أول وهلة أن هذا النثر لا يليق إلا بالأطفال، ولولا هذا السجع السمج المرذول لاستقام إنشاؤه وانتظم، وما السجع إلا عقبات وقيود تضل الكاتب وتجعله يترك الخيال والفكر وينصرف إلى البحث عن ألفاظ يحشرها تذهب بطلاوة كلامه وتكون لغوا باطلا وتنميقا ممقوتا عاطلا من المعاني وآيات البلاغة، وهو الذي هوى بالسلف إلى دركات الانحطاط في الإنشاء، بل سرى داؤه إلى الشعراء فأصبحوا لا يعتنون إلا بالألفاظ وتزيينها بالمحسنات البديعية، ويظن الشاعر منهم أنه إن نظم بيتا موزونا وزخرفه بنوع أو أكثر من البديع ملك أعنة الشعر وهرولت إليه البلاغة طائعة خاضعة، ولو كان كلامه ألفاظا مرصوصة وتركيبه خاليا من المعاني.
نامعلوم صفحہ